إن لكل حقبة من التاريخ رجالها، وهناك فترات من التاريخ يكون نمط رجالها ،نمطاً متميزاً لايتكرر، ففي الحقبة الكئيبة ،والأوضاع المتردية والمأساوية التي كانت تكتنف اليمن آنذاك تحت حكم الأئمة الأستبدادي ،الذي أعاق الوعي الوطني .
وفي حالة من التمزق واليأس، والواقع المرير، وانتشار الفقر والجهل والمرض .
كان القدر يُعد مفاجأته العظيمة، والتي لم يكن قط يتوقعها (حكم الظلم والطغيان الأمامي).
هنالك، وفي إحدى مناطق المدينة صنعاء ،وتحديداً حي بستان السلطان، لاحت أضواء الحرية على أرجاء الوطن المظلم – وفيما كان الظلم والفقر والجهل يسري في كيانه المنهك ،امتلأ أفق سماءه بغمامات النصر وسحب التغيير ، تجسدت في ولادة ونشأة (أبو الأحرار) محمد محمود الزبيري..
حيث نشأ يتيماً، وتعلم القرآن وحفظه صغيراً، وتنقل في طلب العلم بين الكتاب والمدرسة العلمية والجامع الكبير بصنعاء حتى انتقل إبان الحرب العالمية الثانية إلى مصر ليتم تعليمه.
على مر التاريخ، وبعيداً عن أية توجهات عقائدية أو سياسية، عُرفت مثل هذه النوعية من الرجال ،الذين يحدثون أعظم الثورات ،وأبلغ التأثيرات.
نعم، إنه محمد محمود الزبيري ، ذلك الشاب اليمني ،وليد الأسرة العريقة التي نبغ فيها عدد من قضاة وعلماء وشعراء المدينة – الكبار- .ومولود اليمن الدولة الضاربة في التاريخ البشري ،بلاد الحضارات والممالك القديمة والعملاقة ،وأصالة العرب.
نعم، إنه محمد محمود الزبيري ،الذي رفعه القدر من بين غمار العامة إلى بؤرة التاريخ مجاهداً، وثائراً على حقبة من أشد ساعات اليمن ظلماً وجورا ..
لقد عاش (الزبيري) صوتاً قوياً ، وأسطورياً، حاراً وصريحاً، أملاً للأحرار ، ومعبراً عن الحرية، وعندما أقول حرية، لا أعني الحرية التي يتغنى بها الكثير في وقتنا الحاضر (رجالاً ونساءا)، المستوردة بأسماء إسلاميه وبمضامين وأهداف غربية بحته، وإنما أعني الحرية في الخلاص من ظلم وطغيان ،أثقل كاهل الوطن والمواطن ،والإنقاذ من الفقر والجهل والمرض والتفرقة الطبقية ،والنظام الذي كان يسلكه أئمة اليمن في حكم استبدادي للغاية.
ما كان الزبيري يبحث وهو يناضل ويكافح مع رفيق نضاله وكفاحه النعمان ،عن الشهرة أو المجد ، ولا بأن يكون شخصاً يشار له بالبنان، أو للحصول على شهادات وجوائز وما إلى ذلك .
على النقيض من ذلك تماماً، فقد كافح من أجل وطن وقضية شعب ،وتنقل من موطن إلى موطن ،وتعرض لمضايقات، وسجن مع عدد من الشباب المناضل في سبيل الحرية والوطن، بهذا الشعور الجازم بالنصر الذي لايتنازع، أندفع (أبو الأحرار) في حماسة وإصرار لانهاية لهما ينفخ من حر فؤاده وصميم اعتقاده في إخوانه ورفاقه الأحرار ، حتى توهجت أول جمرة عام 1948م.
ثم مالبثت أمور أن فشلت فغادر أرض الوطن ولكنه عاد باستدعاء من الثوار ،بعد أن أطاحوا بالحكم الأمامي ، لعلمهم أن مجيته ومشاركته في الحكم يضيفان على الحكم شرعية كانوا بحاجة إليها ،خصوصاً وأن الثورة لم تنته بعد..
لم يهتم الشاعر الزبيري ، بقضية وطنه فحسب ، بل لم يترك قضية عربية أو إسلاميه إلا تحدث عنها شعراً أو نثراً .
منها قصيدة "عالم الإسلام" التي ألقيت في مؤتمر حاشد في باكستان.
وأهتم بقضية الإسلام والمسلمين الأولى فلسطين وله فيها قصيدة بعنوان "في سبيل فلسطين" .
لقد كان (أبو الأحرار) علماً شامخاً، وفكراً عظيماً، وذخراً وطنياً ، حتى عاجلته رصاصات الغدر في إحدى تنقلاته عام 1965م، فخر شهيداً وهو يردد ما آمن به.
هو ذا محمد محمود الزبيري ، الشاعر والمجاهد الحر ، الصوت الصارخ بين الأصوات الثورية ، فقد كانت كلماته وأعماله ، هي الجمرة المتقدة في زمن القهر والاستبداد ،
والتي من لهيبها يخرج الصوت الثائر الذي يعيد للإجيال كرامتها ومجدها .