ان اليمن الشقيق إحدي الدول العربية التي شهدت ثورات في إطار ما جري علي تسميته عالميا ثم إقليميا بالربيع العربي, وانتهت أحداثها, علي الأقل حتى اللحظة الراهنة, بصيغة فريدة للتسوية باتت تعرف عربيا ودوليا بالصيغة اليمنية نظرا لخصوصيتها. فيما اعتبره البعض تأجيلا لظهور الناتج النهائي لهذه الثورة, واعتبره البعض الآخر إيذانا باستمرارها حتي استكمال تحقيق أهدافها التي قامت من أجلها.
ولليمن الشقيق, العزيز والغالي علي كل مصري وعربي, أكثر من خصوصية, فهو تاريخيا موطن حضارات قديمة عديدة, وله مكانة خاصة في تاريخ الإسلام واللغة العربية وتطورها, وكان يلقب في الأيام الخوالي باليمن السعيد. كما أنه في التاريخ المعاصر, وتحديدا في سبتمبر1962, شهد شطره الشمالي ثورة قادها الجيش وقامت بمحاولة تحديث قد نتفق أو نختلف على محصلتها. كما أن هذه الثورة أفرزت بدورها حرباً أهلية سرعان ما تحولت إلى حرب إقليمية ثم دولية, مباشرةً أحياناً وبالوكالة أحياناً أخرى، استمرت أكثر من خمس سنوات واستنزفت طاقات محلية وعربية كثيرة.
ويضاف إلي ذلك أن الشطر الجنوبي من اليمن استمر تحت الاحتلال البريطاني لعقود طويلة, وعندما انتهى الاحتلال وتحقق الاستقلال في الجنوب في نوفمبر1967، تأخرت الوحدة كثيراً بالرغم من أنها كانت حلم اليمنيين في الشمال والجنوب، بل وحلم العرب أجمعين، وجاءت الوحدة فقط في عام1990 في أجواء أشبه بصفقة بين الحزبين الحاكمين في الشطرين وفي ظل تسرع واندفاع من الحكام في الشمال والجنوب علي حد سواء حينذاك أملته اعتبارات إقليمية ودولية، مما انتهي إلي حرب طاحنة ومدمرة بين الشمال والجنوب بعد أربع سنوات فقط من إتمام هذه الوحدة.
ولكن من أهم ما تحقق بعد الثورة اليمنية الأخيرة كان إطلاق حوار وطني مؤخرا كل كافة الأطراف اليمنية ودون استبعاد أي فصيل إلا من اختار، لأسبابه الخاصة والوجيهة بالنسبة له، أن يقاطع هذا الحوار أو أن يرفض حدوده ومحدداته. وبالرغم من أن انطلاق هذا الحوار قد تأخر بعض الوقت, وبالرغم أيضاً من أن بعض الفرقاء اليمنيين قد يكونون قد اختلفوا على جدول أعماله, فإن الأمر الإيجابي هو انطلاقه وبحضور رئيس الجمهورية المتوافق عليه للمرحلة الانتقالية طبقا للمبادرة الخليجية التي أفرزت الصيغة الفريدة للتسوية في الحالة اليمنية.
وبالتأكيد شهد وسيشهد الحوار الوطني اليمني في المستقبل انضمام أطراف إليه بعد انطلاقه وخروج أطراف أخري منه، وهذا مما يعد من طبائع الأشياء، ولكن ما يهم أكثر هو التحديات الجمة والمتعددة الأبعاد التي سيتعين على هذا الحوار مواجهتها والتعامل معها وإيجاد الحلول الناجحة لها.
والتحدي الأكبر من وجهة نظري هو تحدي الحفاظ على صيغة ما مقبولة لجميع الأطراف اليمنية لبناء وحدة التراب اليمني علي أسس توافقية تحقق الحد الأدني المشترك المطلوب من الجميع للعيش في وطن واحد ولعدم التضحية بحلم الوحدة والعودة للتفتت أو التشرذم، وهو تفتت لن يقتصر في هذه الحالة على دولتين في الشمال والجنوب، فقط بل سيمتد إلى ما هو أكثر من ذلك بفعل انتشار عوامل طائفية ومذهبية ترعرعت بشكل خاص منذ حرب1994 الأهلية.
ولكن التمسك بالوحدة يتعين ألا يكون على حساب تأكيد عودة الحقوق لأصحابها في كل أنحاء اليمن، كما أنه لا يجب أن يستبعد أي صيغة للحفاظ على هذه الوحدة على امتداد المسافة ما بين صيغة الدولة المركزية وصيغ أخرى أكثر مرونة وأقل مركزية قد تراها القوى الوطنية اليمنية أكثر ملاءمة للواقع اليمني الموجود على الأرض الآن وبما يلبي أيضا طموحات وتطلعات المواطن اليمني من جهة واحتياجات المجتمع اليمني في مجموعه من جهة أخرى.
وأيضا فإن الحفاظ علي الوحدة اليمنية يجب أن يتضمن التحقيق والمحاسبة علي الجرائم التي تمت في السابق بحق مختلف الأشخاص والقوي والفصائل والمكونات للشعب اليمني في مرحلة تاريخية أو أخرى, بما في ذلك الانتهاكات التي حدثت بحق أهل الجنوب خلال وعقب حرب 1994، كما أن الحفاظ على الوحدة يجب ألا يعني أن تأتي الوحدة علي أساس التعامل مع أحد أجزاء اليمن ومكوناته كطرف مهزوم.
وأخيرا في هذا السياق, فإن الحفاظ علي الوحدة اليمنية عبر آلية الحوار الوطني الفعال والممنهج والحقيقي والذي يضم جميع الفرقاء, يجب أن يتم مبدئيا على أسس محورية مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات وأمام القانون، وفي ظل نظام ديمقراطي يأخذ في الاعتبار خصوصية المجتمع اليمني وأجزائه ومكوناته المختلفة، ويحمل داخل طياته جميع الضمانات اللازمة لكل الأطراف لطمأنتها على أن حقوقها لن يتم الافتئات عليها مستقبلا على المستويين الفردي والجماعي على حد سواء تحت أي ظرف.