آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

عاد الجيش.. فمتى تعود الدولة؟

كان قراراً شجاعاً ومفاجئاً رغم انتظار الجميع له! تماماً مثل إعلانٍ مفاجئ لعيد الفطر قبيل ‏الفجر! فرحةٌ مفاجئة رغم أنها متوقّعة ومنتظَرة في نفس الوقت!.. إنه قرار تغيير قيادات ‏الجيش المنقسمة والقاسمة للبلاد وبين العباد!.. لكن القرار لم يكن سهلا،.. لقد كان القرار ‏الأصعب والأهم منذ اندلاع ثورة الشباب 2011.‏

القرار الأصعب،.. لأن هذه القيادات المنقسمة كان تحت يدها معظم مقدّرات الجيش، ‏والخلاف معها سيكون كالمشي فوق حقل ألغامٍ شديد الخطورة والغموض!‏

والقرار الأهم،.. لأن عودة الجيش موحّداً وواحداً سيقود بالضرورة إلى استعادة الدولة التي ‏بدت مخطوفةً تائهةً إثْر انقسام الجيش. لقد شهِدَت البلادُ أسوأ حالات الانفلات خلال الفترة ‏الماضية نتيجة انقسام الجيش، مثل ضرب أبراج الكهرباء، وتفجير أنابيب النفط، وقطع ‏الطرق بين المدن،.. وبشكلٍ شبه يومي خلال السنتين الماضيتين.‏

إن أسوأ ما يمكن أن يصيب بلداً هو انقسام الجيش فيه! ولحسن الحظ، فإن انقسام الجيش في ‏اليمن لم يكن طائفياً أو مناطقياً أو حتى سياسياً،.. لقد كانت الأسباب خاصةً في معظمها، فرديةً ‏في بواعثها، غامضةً في كوامنها النفسية وجذورها الضاربة في أعماق ثلث قرنٍ مضى! ‏وببساطة، حدث ما حدث لأن الجيش لم يكن مؤسسةً للوطن بقدر ما كان شركةً لأفراد!‏

الآن نستطيع أن نقول للدماشقة في كل شبرٍ على أرض هذه البلاد.. أيها الدماشقة إن الجيش ‏قادم! والدماشقة أنواعٌ وألوان! هناك دماشقةٌ كالضباع العرجاء الجرباء.. يضربون أبراج ‏الكهرباء، ويفجّرون أنابيب النفط.. والأرجح أنهم بضعة أفراد من قبيلة،.. أمّا مَنْ وراءهم؟ ‏فالزمن كفيلٌ بالتفاصيل!‏

وهناك "دماشقة" آخرون يلبسون آخر صيحة في عالم الأزياء! وربطات عنقٍ أنيقة، يسْرَحون ‏ويمرحون في شركات النفط وخدماته، ومؤسسات الدولة وهيئاتها،.. يمتصّون كلَّ عِرْقٍ في ‏جسد البلاد، ويوغلون في قلبه طعناً ونهشاً، ويولغون في دمه بلا رحمةٍ أو وازعٍ من ضمير أو ‏مسؤولية.‏

وهناك "دماشقة" آخرون يتمترسون خلف الواجهات الحزبية لا همّ لهم إلا القسمة والتقسيم في ‏الوظائف والأعمال، والإدارات والوزارات، وكأنّ البلاد مجرّد فصلٍ في ميراثهم، دون اعتبارٍ ‏للكفاءات وأهلها، والنزاهة وأصحابها، والقانون وشروطه، والناس ومشاعرهم..‏

وهناك "دماشقة" بدرجة وزراء ومحافظين، ولاؤهم لأحزابهم وزعمائهم قبل بلادهم.. ‏يقضون معظم أوقاتهم خارج البلاد، في سفريّاتٍ لا معنى لمعظمها، رغم أن الدولة مأزومة ‏ومكلومة.. وهم سادرون في غيّهم لن تثنيهم نصيحة، أو توقظهم صيحة!‏

وهناك دماشقة آخرون يقطعون الطريق، ويقتلون وينهبون، ومثل خنازيرٍ بريّة هائجة تعيث ‏في الأرض فساداً بلا عقاب أو ملاحقة من جيشٍ أو أمن.. ولقد آن للخنازير البريّة هذه أن تلقى ‏حتفها، وتتلقّى عقابها، فترويع الآمنين، ونهبهم على الطرق بين المدن هي أكبر جريمة في ‏الدين، والقانون، وعلى مستوى العالم كله.‏

الآن، لكُم أن تهيكلوا كيفما شئتم! ولكن تحت نظر العلم والإدارة الحديثة، ولوزير الدفاع أن ‏يفاجئ أيّ معسكرٍ للجيش بزيارةٍ مفاجئةٍ ويطلب قوائم أعداده وإعداده! ومصاريفه وردّيّاته!.. ‏ولعلّ ذلك أن يكون بدايةً لتأسيس مؤسسةٍ شديدة الأهمية للوطن والمواطنين، محسوبةٍ للشعب ‏كله، غير تابعةٍ لقبيلةٍ، أو حزب، وغير قابلةٍ للتأجير بالباطن في حروبٍ غريبةٍ أو غامضة!‏

الآن حصحص الحق، وآن للدولة أن تستعيد حياتها وحيويتها عبر جيشها الواحد الموحّد، وآن ‏لها أن تُنظّفَ مؤسسات الدولة المدنيّة من فيروس الفساد المستشري، ونهب المال العام.‏

إن الشعوب الحيّة تتعلم من تجاربها.. ولا يمكن أن تكرّر أخطاءها.. أو تعالج جراحها بنفس ‏السّمّ الذي أشعل تلك الجراح!..‏
لا نريد مراكز قوى جديدة في الجيش والأمن! تتخلّق أمام ناظرينا، وعلى أيدينا! لا بدّ من ‏الوضوح والصراحة في هذه المسألة.. بحزمٍ وعزمٍ وحسم!‏

زر الذهاب إلى الأعلى