يبدو أن اليمن، الذي كان سعيداً منذ أمد بعيد، ما زال بعيداً عن السعادة التي يأملها اليمنيون بكافة انتماءاتهم وجغرافياتهم.
والحديث عن اليمن يُدخل الكاتب العربي في محاذير عديدة، لعل أهمها: مع مَن يكون الكاتب؟! وبعبارة أخرى، سوف "يزعل" منه أبناء الجنوب إذا ما دعا إلى الوحدة والأمن، والابتعاد عن التدخلات والتجاذبات الخارجية؟ً كما س"يزعل" منه أبناء الشمال إذا ما أيّدَ الجنوبيين في مسعاهم للاستقلال عن الوحدة، وتكوين دولة خاصة بهم، لأنهم يعتبرون أن الوحدة سلبتهم العديد من حقوق المواطنة التي يستحقونها، ولسان حالهم يقول -مثلما نقول في المثل الخليجي- سخّنا الماء وطار الديك! بمعنى أن الثورة التي أطاحت الحكم السابق لم تنجح في ترسيخ مبادئ المواطنة للجميع.
ولقد عاتبني أحد أبناء الجنوب على المقال السابق -الذي نُشر في هذا المكان- واتهمني بأنني أقف مع أهل الشمال، ولم يكن ذلك بارزاً ولا "متشابهاً" في مقالي المذكور، لأنني دعوت إلى السلم والبناء في اليمن.
وفي الأسبوع قبل الماضي أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لتجنب "حرب أهلية" في اليمن. وهذا ما دعوت إليه في مقالي المذكور. كما ألمح الرئيس اليمني إلى اتجاه "الانفصاليين"، ويقصد بهم أبناء الجنوب، بعدم تحبيذهم الحوار، و"هناك من يعمل ضده، وهناك من يحاول خلق المشكلات والعوائق تجاه استمراره".
في ذات الوقت، وجّه رئيس حكومته الأجهزة الأمنية للقيام بواجباتها في ضبط وتوفير الجوانب الأمنية والأجواء الصحية -من كل الجوانب- بما يكفل نجاح مؤتمر الحوار. ويرى محللون في هذا التوجيه تحذيراً مبطناً للقوات الأمنية للقيام بأدوارها. وهو ما يعني مواجهة أبناء الجنوب ومظاهراتهم وإغلاقهم الشوارع في المدن الجنوبية، و"دعوات العصيان المدني" التي تطلقها بعض الجماعات التي تستخدم القوة لإجبار الناس على المشاركة في المظاهرات، كما جاء على لسان الرئيس اليمني.
وقد كشف مسؤول إعلامي عن ضبط خلية كانت تخطط لعمليات إرهابية في أمانة العاصمة ومحافظات تعز وعدن وحضرموت والحديدة، وما زالت عمليات الملاحقة مستمرة لإلقاء القبض على عناصر الخلية.
وما زالت المواجهات مستمرة بين قوات قوات الأمن والمتظاهرين في الجنوب، حيث سقط مدنيون أبرياء لا دخل لهم في المناوشات التي تدور حولهم.
وكان البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني الذي صدر يوم 4/4/2013 قد دعا إلى ضرورة التنفيذ السريع للنقاط العشرين الخاصة بالأوضاع في الجنوب وصعدة، ومنها الاعتذار لأبناء الجنوب وصعدة عن الحروب التي طالتهم، مع تصحيح كافة الأوضاع التي ألحقت أضراراً بأبناء الجنوب. كما طالب فريق القضية الجنوبية المنبثق عن مؤتمر الحوار بإيقاف العنف فوراً في الجنوب، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وإلغاء كافة الأحكام الصادرة بحق القيادات والرموز الجنوبية، وتعديل الإجراءات التي طالت موظفين جنوبيين بعد حرب 1994، ووقف صرف الأراضي في محافظة عدن وبقية المحافظات الجنوبية، وإيقاف مناقصات النفط الجديدة في الجنوب. وفي ذات الوقت تظاهر آلاف اليمنيين في عدد من محافظات الجنوب، وطالبوا باستعادة "دولة الجنوب"وحق تقرير المصير، ونددوا بمشاركة بعض ممثلي الجنوب في الحوار الوطني.
فمن أين يأتي الحوار الذي يطالب به كل العقلاء في اليمن؟! وهل قدَر اليمن أن يكون رهينة أهله وسوء الحظ؟! وإلى متى؟! وهل ستسمح الظروف الإقليمية "الصعبة" بدولة جديدة في ذلك الجزء المهم من الجغرافيا السياسية التي تعتمد على الجغرافيا الاقتصادية، وقد باتت محسومة بتوقيع الدول المتجاورة اتفاقيات رسّخت خطوط الحدود إلى الأبد! وإن فتح هذه الملفات من جديد سيستحدث تبعات مهمة وخطيرة في القضية اليمنية والإقليم كله. كما أن القوة باتت تحكم موازين القوى، مهما ارتفعت أصوات هنا أو هناك! وتلك إشكالية كبرى تعانيها منطقة الشرق الأوسط.
والكتاب الخليجيون والعرب لابد لهم من تناول قضية اليمن! وهذا لا يعني أنهم يميلون إلى فرع أو فئة من الفئات، لأنه لا مصلحة لهم إلا في وجود يمنٍ سعيد يُظلل كل أبنائه بمعطف واحد وعادل ويقودهم نحو التنمية، ويقضي على كافة المشاكل التي تعترض سبيلهم.
نحن نعتقد أن الوحدة اليمنية حالة تحتاج إلى مزيد من الدراسات والتحليلات، لأن كثيرين من أهل الجنوب يرفضونها! كما اعترف المؤتمر الوطني الأخير بوجود أخطاء حدثت بعد حرب 1994. أفلا يجوز لنا توجيه تساؤلات للعقلاء بضرورة بحث أسباب لجوء أبناء الجنوب إلى المظاهرات، أو كما يسميها النظام "العصيان المدني"؟!
إننا لا نميل مع طرف من الأطراف اليمنية، ونسعد بحوار إيجابي ينهي معاناة الشعب اليمني العزيز، ولا يسلب أيّ يمني حقوق المواطنة الكاملة في ظل نظام ديمقراطي حر، بعيد عن التجاذبات الإقليمية والدولية. ولا سبيل لليمنيين إلا الاتفاق على الحوار وتوفير كافة الأجواء والشروط لإنجاحه، وتعديل أية مسارات خاطئة بحق الوطن والمواطن.
ونأمل عودة التلاحم لكل أبناء اليمن كي يقهروا سوء الحظ الذي يظهر لهم كل لحظة.