الاستاذ خالد عبدالله الرويشان عضو مجلس الشورى حالياً وزير الثقافة الأسبق والمثقف ,الانسان المتواضع، والملم بالاداب والفنون والمعروف بولعه الشديد بفن العظماء من الموسيقيين والمطربين والفنانين وبالذات السيدة الراحلة الفنانة أم كلثوم الذي أبدي اعجابه السفير المصري الاسبق به لغزارة معلوماته عن كوكب الشرق .
الاستاذ خالد بقدر ما أعجب بما تكتبه في معظم الاحيان، وأهمهم مقالك عن وصاياك العشر للمبعوث الدولي جمال بن عمر والذي كنت قد لمحت فيه عن تخوفكم من موضوع الفيدرالية وأعقبه مقالك المعنون (كلنا نعرف عقلية القطيع) الذي كان عن هذا الموضوع وأوضحت فيه تخوفك من الفيدرالية صراحةً ، -واختلف هنا مع مخاوفكم ولكن كنت قد أشرت فيه إلى انك تأمل ان تكون ما قد ابديته بهذا الخصوص هو مجرد ظنون وأوهام وانا أتمنى ان تكون وتظل ذلك . والمفروض ان الذين يتخوفون أو ما يعانون ما يسمى بالفوبيا هم "الثعابين والفئران" الذين اشرت اليهم في مقالك المذكور أنفاً، لأنهم اصحاب مصالح ويا لها من مصالح .... والفيدرالية ستضر بتلك المصالح .... وستضرهم كثيراً .... وانت لست على شاكلتهم فآمل ان تظل مجرد أوهام وظن وبل إن هذه الثعابين والفئران هي من حاربتك في إفشال نجاحاتك في وزارة الثقافة .
ولكني أوافقك الرأى أن الفيدرالية لاقليمين، ومسألة الاستفتاء ستكون حتمية نتيجتها تمزيق اليمن ليس إلى شطرين فحسب كما كان وانما إلى اشطار واشطار على مستوى الشطر الواحد، وان النتيجة ستكون مشابهة لما حدث في السودان من انفصال لجنوبه كما أشرت أنت في مقالك ، مع انهم لو كانوا أستمعوا لعقلاء وحكماء السودان عند بدء تطبيق احكام الشريعة الاسلامية ابتداءً من تعزير وجلد للسكير وقطع ايادي السارق وإلى رجم الزاني في عهد الرئيس الاسبق الراحل جعفر النميري في جنوب السودان على المسيحيين وغيرهم من غير المسلمين وكانت هناك المواطنة المتساوية والشراكة السياسية والتنمية العادلة للجنوبيين لما حصل ما حصل من تمزيق للسودان. كما اضيف بهذا الصدد ان اليمن لا يصلح لها ما يسمي بالاتحاد الكونفدرالي فهو الانفصال بذاته والذي يطالب به بعض من اخواننا الجنوبيين في الحراك الجنوبي الذي لم يعد مطبقا في المعمورة الا في الاتحاد الاروبي .
لكن فيدرالية لعدد من الاقاليم تمتزج فيها الارض الواقعة في شمال الوطن وجنوبه ارى انها الحل الاسلم والافضل لبقاء اليمن موحدا وكنت قد علقت بهذا الصدد على الاخ عارف الدوش كمؤيدا لما طرحه على الفيدرالية ومخالفا لما كتبه في نفس الموضوع الاخ على الرعوي في موقع التغيير
فالفئران والثعابين الذين أشرت لهم في مقالك . موجودون في كل زمان ومكان ولكن نفوذهم في اليمن ربما قد فاق بعض الامكنة الاخرى وفي السنين الاخيرة ايضا. هم موجودون في الكونفدرالية ..... والفيدرالية......... والمركزية..... وخاصة عندما تتهيأ لهم الاجواء واقتناص الفرص ويقوى نفوذها مع مر الوقت لكن يتقلص هذا النفوذ تدريجيا حتى الوصول إلى ازالتهم عندما يكون هناك دولة فيدرالية يسودها حكم القانون والمؤسسات وهذا ما تفتقره اليمن منذ أمد بعيد وخاصة انهم سيكونون مكشوفون على مستوى الاقليم ومن السهل محاربتهم واستئصالهم من الوجود. وبالتالي القضاء عليهم في اطار الدولة المركزية لن يكون الحل لان الموضوع برمته اصبح معقد واختلط الحابل بالنابل ولم يعد مايجري في البلاد يتعلق بهم .
يقول الخبراء عن الفيدرالية انها قد تكون ناجحة اكثر في الدول كبيرة المساحة ومتنوعة الثقافات والديانات، وهذا يتوافق مع ما جاء في مقالتك بان نظام الفيدرالية يطبق في شبه القارات ولكن لا يعني هذا اقتصار تطبيقه عليها فعلى سبيل المثال الاتحاد السويسري الذي يتكون من 26 كانتون اى اقليم ومساحته 41277 كم2 وسكانه 7996026 نسمة وبلجيكا الذي طبقته في عام 1993م عندما بدأ يعصف بها رياح الانفصال إلى شمال وجنوب بعد ما وجدت هناك مثالا يحدث امامها وهو انفصال تشيكوسلوفاكيا إلى تشيك وسلوفاك ووجدت نفسها لحماية وصون البلاد اتباع خيار الفيدرالية .
ومع كل ماذكر في السابق ألم تصبح اليمن كبيرة بعد وحدتها المباركة في 22 من مايو 1990 بحيث اصبحت تقدر مساحتها 527968كم2 وبشواطئ تقدر بأكثر من 1906 كم وبسكان يقدر باكثر من 25 مليون نسمة وبحدود دولية تقدر بـ1746 كم، وثقافات متنوعة ساحلية وجبلية وصحراوية ولغوية (اقصد المهرة) ومذاهب دينية في اطار الديانة الاسلامية زيدية وشافعية واسماعلية وأخيرا جعفرية، والقليل ممن ظلوا من اتباع الديانة اليهودية ولم يهاجروا إلى اسرائيل فلكل منطقة عاداتها وثقافاتها بعض الاحيان تصل إلى حد السخرية والتندر على لهجات بعضهم بالبعض الاخر ولا زلنا لم ننس: البقرة و"البجرة" واخيرا "البغرة"!
ألا يستحق اليمن نظاماً فيدرالياً يعتمد على التنافس والارتقاء إلى الافضل فيما بين الاقاليم فمثلا اقليم يريد تطبيق الزهو وافتخار للرجولة على حد قولهم بالسلاح على اختلاف ألوانه وأشكاله، وإقليم آخر لايريد ذلك بل يريد ان يكون زهوه وافتخاره بالعصي مثل شعب الامارات والجارة عمان، ولا يرغب من يأتي إلى اقليمه مدججا بأسلحته مع المرافقين المدججين باسلحة تفوق الاسلحة الشخصية ويعبث بها يمينا وشمالا دون رادع أو وازع ديني، اللهم الشعور بمنطق السيد والمسود والقوي والضعيف أو ما يسمى بسياسة "النخيط" اما واذا لقي احدهم حتفه في هذا العبث بالاسلحة فهذه مصيبة كبرى فالداعي سيصل إلى القبيلة والحشد سيجمع، وسيبدأ الغزو والهجوم على تلك المناطق المسالمة ارضا وشعبا التي لم تتعود هذ السلوك. هذا ما شهدته كثير من المناطق اليمنية في الماضيين القريب والبعيد، وبالتالي الفيدرالية ستمنع ذلك.
وإن كانت إحدى المناطق تزود بالسلاح من يريد من مواطنيها "التبندق" فليفعل، ولكن في منطقته واقليمه أما مناطق أخر ى معروفة بمدنيتها لا تريد سلاحا في مدنها فليكن لكل منهم ما يريد وكل منهم عليه احترام ما يريده الأخر عدا الانفصال .
إن جزءا من الثروة الوطنية الفيدرالية الذي ينتجه الاقليم يذهب إلى تنميته ومن أجل البناء داخله والمعظم يذهب إلى الحكومة الفيدرالية ليستفيد الوطن بكامله منها ولخدمة القطاعات المشتركة لكل الاقاليم وهي:
لجيشه للدفاع عن حدود الوطن والعابثين فيه وفي المناطق التي تحتاج من الجيش التواجد فيها وليس داخل المدن لابتزاز مواطنيها. ولعل القرارات التي أصدرها فخامة الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية في الأيام القليلة الماضية في إصلاح وهيكلة القوات المسلحة ما هي إلا ترجمة فعلية أن اليمن تعيش زمن التغيير وإصلاح هذا المرفق الهام من مرفق عائلي إلى مرفق وطني لخدمة وحماية الوطن بكامله وكتب الأخ الأستاذ خالد الرويشان مقالا أيضا بهذا الخصوص مؤخرا يستحق عليه الإشادة والثناء كما عودنا في كتاباته . وللتمثيل الدبلوماسي الخارجي. وللتعليم. أو اى قطاع اخر من مناحي الحياة يتوافق عليه الجميع كقطاع فيدرالي ليس له دخل بالاقليم. وعندما يتعرض اى اقليم منهم لكارثة طبيعية أو غيرها خارجة عن امكانيات ذلك الاقليم تهب الحكومة الفيدرالية لانقاذها.
ألا تستحق مأرب ان تستحوذ على جزء من ثروتها الوطنية المحلية "الذهب الاسود" التي تذهب عوائده إلى مرتزقيها ومواطني مأرب محرومين منها بل وتمر خطوط الكهرباء من المحطة الغازية المتواجدة على اراضيها وهي تعيش في الظلام الدامس واجيالها في ظلام الجاهلية. ولا تظل اليمن كلها في ظلام دامس من حين إلى اخر بل هذه الايام بالذات نتيجة قيام قبائلها باعمال التخريب في خطوط شبكتها والغاز والبترول .
الا يستحق صيادو المدن الساحلية واهلها ريع الاستثمار في مجال الصيد بدلا من ان يذهب ريعها إلى جيوب "الثعابين والفئران" حسب وصفك لهم.
انظر إلى الطرق العامة أو ما يسمى بالطرق الدائرية للمدن وبالذات مدينة اب واخري مشابهة لها وقد اصبحت ملئية بالمطبات والحفر وجرف السيل منها ما جرف واصبحت متقطعة الاوصال، لان المقاولات كانت مع "الثعابين والفئران".
وانظر وشاهد طريق جبل صبر الذي نفذه القطاع الخاص بأقل التكاليف واحسن المواصفات بالرغم من وعورة المنطقة وهدير سيولها فيها شبه الدائم الا انها صامدة إلى اليوم لان "الثعابين والفئران" ليس لهم دخل فيها من قريب أو بعيد.
وفي ظل الفيدرالية سوف يتنافس المتنافسون في القطاع الخاص أو العام التابع للاقليم ان وجد الذي سيكون فيه حكومة محلية مصغرة وبرلمان مصغر يحاسبها، ومع ذلك هناك البرلمان الفيدرالي الذي سوف يحاسب الجميع.. اما ان تظل تحت "أوهام وظنون" التصحيح والاصلاح والذي قد جربناه– ومن واقع تجربتي كعضو في لجنة التصحيح المالي والاداري لوزارة الخارجية أيام لجان التصحيح في السبعينيات في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي - عندما كان الفساد في مهده أو تستطيع ان تقول لا يوجد فساد من اصله الا ما تيسر لشحة وندرة موارد الدولة في حينها مقارنة بما جرى ويجرى من فساد من قبل "الثعابين والفئران" في الوقت الراهن أو الحكم المحلي الواسع الصلاحيات عندما تفشى الفساد وعم البلاد والعباد.
اما قولكم ان الجنوب كان مقسما إلى 20 سلطنة أو اكثر وكل سلطنة لها علمها الخاص وعملتها وهي جميعا تحت ادارة مركزية في عدن لا يا استاذ خالد فالاتحاد كان فيدراليا ويمكنكنكم العودة إلى دستور الاتحاد الذي نشرته صحيفة الايام عن ما نشرته صحيفة صوت الجنوب في عام 1961م وتقضي مادته الاولي بان يشكل اتحاد فيدرالي مؤلف من ولايات .....الخ والعلم الخاص بالولاية يتواجد لكل ولاية بجانب علم الدولة الفيدرالية في النظام الفيدرالي في كل الدول التي تتبع هذا النظام اما العملة فقد كانت العملة واحدة في الجنوب ابتدأ من الروبية ثم الشلن ثم الدينار عند انشاء هذا الاتحاد واخذ به بعد الاستقلال وحتي قيام الوحدة . حتي ان نغمة عدن للعدنيين ظهرت مع تأسيس هذا الا تحاد بحجة انهم لا يريدون ان يكونوا ضمن نسيج البدو الذين هم قوام هذا الاتحاد وظلت هذه النغمة طيلة التفرقة بين البدو والعدنيين سنين الستينات حتي يوم الاستقلال في 30 من نوفمبر 1967م وبعدها بفترة لانني عايشتها عندما كنت طالبا هناك.
أما قولكم انه في الشمال لم يكن تتواجد دولة مركزية تحت حكم الائمة لا ياستاذ خالد فقد كان الحكم مركزيا منذ حكم الائمة لليمن في الف سنه واكثر ولكن كانت تختفي الدولة المركزية في بعض الاحيان وتعود من جديد لكن بعد نشؤ ما يسمى بالمملكة المتوكلية اليمنية فقد كانت دولة مركزية والتي أنشاها الامام يحي حميد الدين الملقب بالمتوكل على الله حتي اغتياله في 1948م واستمرت حتى وفاة خلفه ( ابنه ) الإمام احمد يحي حميد الدين الملقب بالناصر لدين الله واستمرت حتى خلفه حفيده محمد احمد يحي حميد الدين البدر الملقب بالمنصور لدين الله في 26 من سبتمبر 1962 عند قيام الثورة اليمنية المباركة والذي كان اماما لاسبوعا واحدا . كانت اليمن دولة مركزية طيلة هذه الفترة وما زحف قوات ( الزيدية ) للإمام يحي في ثلاثينات القرن الماضي الا من اجل بسط نفوذ الدولة المركزية على اهل ومنطق ما كانت تسمى باليمن الاسفل ( الشافعية ) بقيادة الامير علي عبد الله الوزير الذي قتل فيما بعد بسيف سيده الامام يحي في الثورة الدستورية في 1948م لكن على الاقل كان هناك احتراما للمسألة المذهبية ولم يفرض المذهب الزيدي على تلك المناطق الا ببناء مسجد في الجحملية بناه الامير على الوزير متواجدا حتي الان لاتباع هذا المذهب القادم من الشمال مع اصحابه القادميين كحاكمين جدد للمنطقة وكان لا يمنع من دخول الزيدي جامع الشافعي والعكس صحيح وكان التسامح الديني متواجد ا . فقد كان الامام احمد عندما كان وليا للعهد واميرا على تعز أو فيما بعد وهو اماما واختيار تعز مقرا لحكمه ومعيشته حتي وفاته فيها كان هو وابنه ولي العهد محمد البدر يقوما بالصلاة لفريضة الجمعة في المسجد الكبير لمدينة تعز( مسجد المظفر ) وهو لأتباع المذهب الشافعي وليس في جامع الجحملية التابع للمذهب الزيدي بل يومها كانت تقفل كل مساجد المدينه والتوجه لصلاة فريضة الجمعة في هذا الجا مع اى جامع المظفر ما عدا مسجد الجحملية . بعكس الشيع الجدد في وقتنا الحاضر أو من سبقوهم في هذا الاتجاه الذين بدأوء يغزون تعز بفكرهم ومعتقداتهم الجديدة ويفرضونه تارة بالاقناع وتارة بمنطق السلاح وجعل منطقة الجحملية ساحة صراع ديني لم تعرفه تعز في الفترة السابقة وجدرانها ملصقا لشعاراتهم المستوردة . والأمير علي الوزير الذي استعصى عليه اقتحام وإخضاع جبل صبر للدولة المركزية في صنعاء أمر بجائزة 5 ريالات لمن يأتي له برأس من اسماهم بالمتمردين من أهالي صبر الذين اضطروا إلى إرسال نساءهم بدلا عنهم لعدم تعرضهن لنفس المصير وأصبحت عادة حتى اليوم وهذا هو سر نزولهن إلى المدينة وعند إخضاعها عبر التفاوض بني مسجدا ودار ا لإقامته واسماه دار النصر ( مكان منتزه زايد حاليا والمسجد لا يزال مشيدا ) وكان يقضي 6 أيام من الأسبوع وينزل إلي المقام يوما واحدا خوفا من تمرد هم مرة أخرى.
مع اعتذاري المسبق للاستاذ خالد الرويشان اذا كان قد اساء فهمه لردي لهذا الموضوع فهو مجرد رأى وتصحيح متواضعين لبعض الافكار والمعلومات والله يوفق اليمن لما فيه خيره وصلاحه وصون وحدته عبر مؤتمر الحوار الوطني الشامل الجاري في الوقت الراهن ليصل باليمن الي بر الامان بالصيغة التي يراها هؤلاء اعضاء اللجنة وقيادتها ويتوافقون عليها . وامل ان يكون الحل فيدراليا طالما واليمن موحدا واقول لهم لحكمة من حكماء اليمن المعاصرين في ختام هذا المقال ماقاله القاضي عبد الرحمن الارياني رئيس المجلس الجمهوري رحمه الله (1967-1974م) في مذكراته التي نزلت للاسواق في الاونة الاخيرة من جزئين وسيتبعها جزئين اخرين بقوله ( أستعرضوا الماضي وتحكموا في الحاضر وفكروا في المستقبل وحكموا ضميركم ) ص 550 الجزء الثاني والله يوفق الجميع لما فيه خير العباد والبلاد وتصبح اليمن على خير وامن واستقرا ر .
* رئيس دائرة التوثيق والمعلومات بوزارة الخارجية