آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

يحدث في اليمن الآن!‏

ما يحدث في اليمن الآن عجيبٌ وغريب، ولا سابقة له أو مثيل، في أيّ زمانٍ أو مكان. مثلاً، ‏ومنذ سنواتٍ حكمتنا معادلة غير عادلة وكان القصدُ منها النّهب، وهي أن الدولة أو رموزها ‏الأساسية كانت تهمس وتشير للمواطن أنْ.. قُلْ ما تشاء وانا أفعل ما أشاء! وهي لعبةٌ ذكيّة ‏طالت أكثر مما يجب!‏

الآن.. الكلّ يقول مايشاء والكلّ يفعل مايشاء دون حسيب أو رقيب! وأصبح الأشقاء ‏والأصدقاء ينظرون إلينا ك "فَعْلةً كبيرة" أو مثل إعلان ضخم ومضحكٍ وبليد، يراه المارّة ‏ويرفعون حواجبهم تعجّباً، ويمطّون شفاههم تأفّفاً!.. الكل يقول مايشاء والكل يفعل مايشاء! ‏وهي نعمةٌ لا يحسدنا عليها أحد! لأن أحوالنا البائسة لا تدعو أحداً للغيرة أو الحسد.‏

قُلْ ماتشاء في مؤتمر الحوار، وافعل ماتشاء في أيّ مكانٍ في البلاد! لَكَ أنْ تقاتل خصومك ‏إنْ أردت! وأن تقطع الشارع إنْ غضِبْت.. وأن تتلقى الأموال من الخارج إذا طلبت، والسلاح ‏إنْ أشَرْت.. وأن تفخر بذلك في أيّ وقت..‏

لك أن تنادي بالعدالة والحريّة والقانون، وأن تعلن العصيان المدني السِّلمي.. وأن تأمر ‏زبانيتك في نفس الوقت أن يغلقوا المحلات بالقوّة! والترهيب والتهديد والوعيد.. فياله من فأل ‏واعد! وياله من قادم راغد!‏

قل ماتشاء وافعل ماتشاء! فهذا زمانٌ لا يتكرّر.. إرفع شعاراتك السلمية هنا، وأشعل الحرب ‏هناك بلا إعلان، واقتل بلا رحمة.. ولكنْ بصمت! ولن يعاقبك أحد، ولا تَخْشَ شيئاً، فالدولة ‏مشغولةٌ بالحوار، والنُّخَب، والتقاسم،.. ثم إنها لا ترى شيئاً، لأنّ الظلام حالكٌ ، ولاتسمع ‏استغاثةً، لأنّ الصَخَبَ يبلغ عنانَ السماء!‏

في هذه البلاد، قل ماتشاء وافعل ماتشاء! لك أن تحتفل بعيد الإستقلال كماتشاء! وللطائرات ‏بلا طيّار أن تفعل وتقتل كما تشاء أيضاً! ألسنا نعيش زمان التقاسم!‏

لك أن تعلن الحرب على أمريكا وإسرائيل كما تشاء.. قولاً، وغناءً، وإنشاداً! في نفس الوقت ‏الذي تُرعِبُ قرى بكاملها في حجّه وصعدة كما تشاء.. وتزرع الألغام، وتقيم الحواجز للتفتيش ‏كما تشاء! وتمتهن المواطنين، وتُفزع الأطفال والنساء، وتسيطر على المساجد كما تشاء!‏

لك أن تحتفل بعيد الأعياد في السبعين كما تشاء، بينما تُقفل قلبك وتغلق عينيك عن بقع الدم ‏الكبيرة المزروعة بالرؤوس والعيون المهشّمة المحترقة وهي تَعْتِبُ صارخةً مِلْءَ الجرح الذي ‏لا يندمل أبدا،.. مِلْءَ هذا الفراغ الهائل.. مِلْءَ هذا النسيان القاتل.. هل وجدتهم.. هل ‏حاكمتهم؟..‏

لك أن تحتفل كما تشاء ولأهالي الضحايا أن يموتوا صبراً وانتظاراً.. وليس كما يشاءون!‏
لعبدالله شاكر الفنان الكبير، والكوميديان المؤسِّس أن يغادرنا وحيداً، غريباً بعد أن أضحك ‏الملايين لعشرات السنين.. ولنا أن نرثي أنفسنا لأننا نسينا أسماءنا وأجمل ثائرينا الرائعين .. ‏واريناه الثّرى وكان المطر يغسلنا أو أنّ السماء كانت تبكي معنا.. رجُلاً كانت ضحكته ترُجُّ ‏بلاداً، وتُزِلْزِلُ تاريخاً.. مات ضاحكاً من كلّ شيئ.. لكنه انفجر بالبكاء قبل أسبوع من وفاته ‏وأمام الملايين علّ أحداً يمكن أن يزور أو يسأل أو يتذكّر! ونسي أن البلاد غائبةٌ لا تكاد تتذكر ‏أحداً.. وبالكاد تتذكّر اسمها!‏

زر الذهاب إلى الأعلى