أرشيف الرأي

الوضع في سوريا.. وخطره على الأمن الإقليمي والعالمي

أسلوب القمع الدمويّ الوحشيّ البربريّ الذي يمارسه بشار الأسد على الشّعب السّوريّ والثّورة الشّعبيّة السّوريّة يؤكّد أنّ هذا الأسد المفترس على شعبه هو نعامة أمام إسرائيل مصداقًا لقول الشاعر:

أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ

وفي هذا الصدد يمكنني القول بأنّ أهم نتائج ومزايا الثّورة الشّعبيّة السّوريّة السّلميّة أنها أسقطت كل الأقنعة والشّعارات الزائفة والذرائع التي يتذرع بها النّظام السّوريّ (خيار المقاومة - القضيّة الفلسطينيّة - العدوّ الصّهيونيّ) بدليل أنّ هذا النّظام لم يطلق طلقة واحدة في اتّجاه العدو الإسرائيليّ المحتلّ للجولان طوال أربعين عامًا، لكنّه بمجرّد خروج مظاهرات سلميّة شعبيّة تطالب بإصلاحات سياسيّة واجه هذه المطالب الشّعبيّة المشروعة بعنف وقمع أذهل الرّأي العام العربيّ والإسلاميّ والعالميّ، حيث استخدم هذا النّظام البربريّ كلّ آليّاته وإمكاناته الأمنيّة والعسكريّة الخفيفة والمتوسّطة والثّقيلة على المظاهرات السّلميّة قتلاً للرّجال والنّساء والأطفال وقصفًا بالدّبابات والمدافع على القرى والمدن السّوريّة واعتقالاً للنّاشطين في المظاهرات وتعذيبهم حتى الموت بصورة وحشيّة هي أبشع من عمليّات القتل نفسها.

فهل يتصوّر أحد من السذّج بعد هذه الممارسات مع شعب أعزل أنّ هذا النّظام يقف مع خيار المقاومة وممارساته في أوساط الشّعب السّوريّ أبشع بكثير من ممارسات اليهود في فلسطين، وهل خيار المقاومة يسوّغ قتل شعب بأسره، كما أنّه من المعلوم أنّ من أبجديّات أيّ نظام يرفع شعار المقاومة أن يحرص على التفاف شعبه حوله لتنفيذ إستراتيجيّة المقاومة، وبالتّالي فإنّ عمليّة القمع هذه على مستوى الدّاخل السّوريّ هي في نفس الوقت إسقاط لخيار المقاومة على مستوى الخارج، ودليل على تخوّف هذا النّظام من شعبه أكثر من خوفه من عدوّه؛ إذ سارع لاستخدام كافّة إمكاناته القمعيّة ضد المظاهرات السّلميّة وتباطأ عن عدوه طوال أربعين سنة، ولم يطلق طلقة برصاصة من الجيش السّوريّ في الجولان، بما يؤكد أنّ أجندة هذا النّظام أجندة طائفيّة، لا وطنيّة ولا قوميّة تخدم إستراتيجيّة توسّع النفوذ الإقليميّ الإيرانيّ، لا الإستراتيجيّة التي تخدم الشّعب السّوريّ والقضيّة الفلسطينيّة.

ولذلك أقول لثوّار سوريا الأبطال: رجالاً، ونساءً، وأطفالاً الذين يخرجون يوميًّا في مسيرات شعبيّة هادرة، وهم يحملون أرواحهم على أكفّهم- إنّ أعظم إنجازات ثورتكم أنّها كشفت حقيقة هذا النّظام المهترئ، وحقيقة شعاراته الزائفة، وحقيقة تسلّطه واستبداده وإرهابه للشعب السّوريّ، وحقيقة استهانته بكافة المبادئ والقيم الداعية للحريّة واحترام حقوق الإنسان، ولذلك فلا تتصوّروا أنّ تضحياتكم من دون ثمن؛ لأنّ هذا المجرم السّفاح بشار الأسد ما أصابكم في مقتل ماديّ جسديّ إلاّ وأصبتموه في مقتل معنويّ هو أشدّ ضررًا عليه من الضّرر الذي يلحق بكم، فاحرصوا على مواصلة الثّورة السّلميّة بكافّة وسائلها؛ لأنّها تجلب لكم أكبر المكاسب بأقلّ الخسائر.

بل إنّني أقول لإخواني الثّوّار في سوريا: إنّ ثمار ثورتكم السّلميّة العظيمة قد امتدّ تأثيرها إلى خارج سوريا؛ إذ أصابت النّظام الإيرانيّ وحزب الله بمقتل معنويّ أيضًا؛ لأنّه من المعلوم أنّ بشار الأسد ونظامه المهترئ ما كان ليتجرّأ على تكشير أنيابه وإنشاب مخالبه في أبناء الشّعب السّوريّ لولا الدّعم والتّشجيع الإيرانيّ، والدّعم والتّشجيع من حزب الله، بحيث يمكننا القول دون مبالغة إنّ غرفة العمليّات ومركز القيادة الحقيقيّ هو في إيران ولبنان، وليس في سوريا؛ لأنّ إيران تعدّ سوريا بمثابة الرّئة التي تتنفّس من خلالها لتنفيذ إستراتيجيّتها السّياسيّة التّوسّعيّة في المنطقة العربيّة لإقامة إمبراطورية فارسيّة عبر التوسع والإمتداد في المنطقة العربيّة إبتداء من الهلال الشيعيّ المتنفّذ في العراق وسوريا ولبنان وانتهاءً بدعم أذرعها الشّيعيّة في بقية الدول، بما يؤدّي إلى الهيمنة على السعوديّة ودول الخليج العربيّ فتضع إيران يدها على منابع النفط في المنطقة العربيّة والممرّات المائيّة المتحكّمة في حركة التّجارة الدّوليّة (باب المندب – ومضيق هرمز) لتتحوّل إلى قوة إقليميّة مهيمنة على الشّرق الأوسط، ولمّا كانت إيران غير قادرة على التّوسّع في المنطقة العربيّة والتّأثير في الوسط السّنيّ الذي يمثل السّواد الأعظم من المسلمين عبر التّغلغل العقديّ فقط؛ لأنّ عقائد شيعة إيران تضرب قواعد وأسس الإسلام في العمق، ابتداء من طعنهم في القرآن بالزّعم أنّه محرّف ومبدّل، ومرورًا بطعنهم في السّنّة النّبويّة، وانتهاءً بتكفيرهم للصّحابة والطّعن في أمّهات المؤمنين، ورفضهم لمفهوم الشّورى والدّيموقراطيّة كأساس لمفهوم الدّولة الذي قرّره القرآن (وأمرهم شورى بينهم) أي أمر حكمهم ودولتهم شورى بين المسلمين، وهذه المشاورة وأخذ آراء المسلمين في أمر دولتهم لا يمكن تصوّره إلاّ عبر انتخابات عامّة، وبهذا يتّضح لنا مدى التّقارب بين مفهوم الشّورى والدّيموقراطيّة من النّاحيتين الموضوعيّة والإجرائيّة.. الموضوعيّة (حكم الشّعب نفسه بنفسه) والإجرائية (عبر انتخابات عامّة).

لكن إيران تاريخيًّا وواقعًا اليوم ترفض مفهوم الدّولة الشّورويّة الدّيموقراطيّة وتكرّس مفهوم الدّولة الثّيوقراطيّة ونظريّة الحقّ الإلهيّ الذي عانت منه أوروبا في القرون الوسطى.

لمّا كانت إيران غير قادرة على التّغلغل العقديّ بسبب هذا التأويل المجوسيّ للإسلام الذي قوّضه من داخله وشوّه تعاليمه العظيمة عندما رفع المجوس بعد سقوط الإمبراطورية الفارسيّة شعار (عجزنا عن مقاتلتهم على التّنزيل فسنقاتلهم على التّأويل)، وصدق الله العظيم القائل (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ).

فقد رفعت شعار القضية الفلسطينيّة؛ لأنها قضية العرب المركزيّة كمدخل سياسيّ يجلب تعاطف أهل السّنة معها مستغلّة للصّراع اليهوديّ مع شيعة لبنان الذي كان صراع وجود لا نفوذ، اضطرّ شيعة لبنان لخوض غماره، فقامت إيران بتوظيفه سياسيًّا كمدخل إلى قلوب أهل السّنة، مع أنّها في التّعامل مع أمريكا تكيل بمكيالين في العراق وفي لبنان؛ ففي العراق كانت إيران مطيّة أمريكا لاقتحام العراق وإسقاط نظام صدام، والمالكي العراقيّ الشيعيّ حليف أمريكا في العراق يذهب إلى أمريكا، ويخطب في داخل الكونجرس دون تغطية من الإعلام العربيّ لحقيقة ما يدور في العراق، وكيف ذبح الإيرانيّون ما يقرب من مليون سنيّ في العراق دون أن يطرف لهم جفن.

لكنّ الثّورة الشّعبيّة السّوريّة نجحت في إصابة النّظام الإيرانيّ في مقتل معنويّ؛ لأنّ القتل والعنف الذي يمارسه طاغية من طغاة العرب لا يتظاهر بالتديّن أمر يمكن أن يفهم، لكنّ القتل والذّبح اليوميّ للشّعب السّوريّ بمباركه ودعم إيراني غير مسوّغ من نظام يلبس أثواب الدّين ويتظاهر بالإسلام، ألم تقرأ قيادات إيران وحزب الله قوله تع إلى (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، فكيف بالنّظام الإيرانيّ المتلفّع بثوب الإسلام الذي قتل شعبًا بأسره في العراق، ويُقتل اليوم على مرأى ومسمع الشّعب في سوريا؟ إنّ أصدق وصف للنّفسيّة الفارسيّة المجوسيّة هو وصف المسيح -عليه السّلام- الذي قال: (احذروا الذّئاب الخاطفة التي تأتيكم في أثواب الحملان الوديعة)، وقد أعجبني تفسير أحد القساوسة المسيحيّين لهذا النّصّ عندما قال: (الذّئب الفارسيّ له فرو يشبه فرو الخراف، فتقترب منه الخراف متصوّرة أنّه خروف مثلها، فإذا اقتربت أنشب فيها مخالبه).

ومن هذه الزاوية زاوية الدّعم الإيرانيّ لنظام بشار الأسد أقول: إنّ على البعد الإقليميّ العربيّ والبعد الدّوليّ أن يدرك أنّه لولا هذا الدّعم الإيرانيّ لسوريا لما حصل هذا العنف وسفك الدماء، وبالتّالي فإنّ ما يجري في سوريا ليس أمرًا يتعلّق بأمن ومستقبل سوريا وأمن ومستقبل الشّعب السّوريّ، بل يتعلق بالأمن القوميّ العربيّ الإسلاميّ والأمن العالميّ؛ لأن من وراء سوريا مطامع سياسيّة واقتصاديّة إيرانيّة على النّحو الذي أوضحت آنفًا، وبالتّالي لابدّ من التّنبّه؛ لأنّ المنطقة العربيّة تمرّ بحالة تحوّل هامّة تُقَرَّر فيها مصائر دول وشعوب ومصالح عربيّة وإسلاميّة وعالميّة، وما يدور في سوريا اليوم هو فرصة تاريخيّة للقوى الدوليّة وللدّول العربيّة لتحجيم الدّور الإقليميّ الخطير الذي تمارسه إيران ببراعة وذكاء، منذ سقوط النّظام العراقيّ، حيث استطاعت توظيف كافّة الظّروف العربيّة والدّوليّة لصالحها.

فرصة تاريخيّة لتحجيم الدّور الإقليميّ الإيرانيّ عبر سوريا، وهي في ظروف الثّورة الشّعبيّة المواتية بدلاً عن الاضطرار لتحجيم إيران وكافة مواقع نفوذها وقد خمدت هذه الثّورة.

ولذلك فإنّني أدعو الدّول العربيّة والأمم المتّحدة وأمريكا وأوروبا إلى تدخّل عربيّ ودوليّ على غرار ما حصل في ليبيا؛ لأنّ الثّورة الشّعبيّة في سوريا بسبب الدّعم الإيرانيّ لن تؤتي ثمارها النّهائيّة؛ على الرّغم من أهميّة ما أنجزته، إلاّ عبر هذا الدّعم الإقليميّ والدوليّ عبر حظر جوّيّ دوليّ مضافًا إليه دعم عربيّ ودوليّ لتركيا، لتكون حاضنة للمعارضة السّوريّة ولتحويل الثّورة الشّعبيّة السّلميّة إلى ثورة مسلحة عبر فتح معسكرات للتّدريب العسكريّ في تركيا واستقبال الثّوّار لتدريبهم وتأهيلهم؛ لأنّ نهاية النّظام السّوريّ لن تتم إلاّ عبر الثّورة المسلّحة فيما يبدو.

وعلى تركيا ألاّ تتورط كثيرًا مع مشكلة الأكراد؛ لأن إيران بمجرّد تهديد تركيا لسوريا شرعت في دعم الأكراد لإشغال تركيا عن سوريا، وعلى الأكراد أن يتذكّروا أنّهم أحفاد صلاح الدين، وينشغلوا بالصّراعات السّياسيّة الكبرى، فيكفوا عن تركيا حتى تحسم المشكلة في سوريا على الأقلّ، وإذا قام الجيش السّوريّ بمنع الثّوّار السّوريّين من التدفّق إلى تركيا؛ فالحلّ هو إعلان جامعة الدّول العربيّة ومجلس الأمن وتركيا عن فتح باب التطوّع للثّوار العرب من مصر وليبيا وتونس واليمن، وكافّة الدّول العربيّة ليتدفّقوا إلى تركيا للتّدريب على السّلاح، مضافًا إلى هؤلاء المتطوّعين نخبة من الجيوش العربيّة المدرّبة، ونخبة من الجيش الباكستانيّ والجيش التركيّ لاقتحام الحدود السّوريّة نصرة للشّعب الذّبيح في سوريا على قاعدة (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)، وقاعدة (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا).

وقبل اقتحام المتطوّعين العرب والجيوش العربيّة والإسلاميّة لسوريا يفرض مجلس الأمن الحظر الجويّ، ويقوم حلف الناتو بتوجيه ضربات عسكريّة جويّة متوالية للآلة العسكريّة السّوريّة البريّة والبحريّة والجوّيّة، ومن بعدها تتمّ عمليّة الاقتحام لسوريا، وأنا أؤكد أن مجوس إيران متى شعروا أنّ هناك إجماعًا عربيًّا وإسلاميًّا شعبيًّا ورسميًّا ومتطوعين عرب مع جيوش عربيّة وإسلاميّة، مضافًا إلى ذلك إجماع دوليّ وقوات حلف الناتو فلن يتجرّؤوا على المواجهة؛ لأنّهم أحرص النّاس على حياة، وسيقبلون بالضّرر الأدنى في سوريا دفعًا للضّرر الأعلى الذي قد يصيب إيران ومكامن قوّتها العسكريّة والاقتصاديّة والسّياسيّة.

وأقول للجانب الدّوليّ: لقد تدخّلتم في ليبيا، وثبتت فاعليّة هذا التّدخّل الجويّ دون البريّ، كما حسّن هذا التّدخّل من صورتكم أمام العرب والمسلمين؛ لأنّه من الزاوية الشّرعيّة يُعدّ من قبيل التّعاون على البِرّ لا التّعاون على الإثم والعدوان كما حصل في العراق، وحلف فضول لو دُعي له المسلمون لوجب تلبيته؛ لأنّه نصرة للمستضعفين وحقن للدّماء، ولا يعيب هذا التّدخل أنّه يراعي مصالحه أيضًا؛ لأنّ مراعاة مصالحه في إطار يتوافق مع المصالح الوطنيّة والإقليميّة العربيّة خير من تغليبه لهذه المصالح في خطّ متقاطع مع مصالح العرب والمسلمين.

وإذا كان التّدخّل الدّوليّ في ليبيا قد تمّ مع أنّ الطّاغية القذافي لم يكن يشكل خطرًا إقليميًّا ودوليًّا كخطر الدّور الإقليميّ الإيرانيّ بل خطر على الشّعب الليبيّ وحسب، فمن باب أولى التّدخّل في سوريا وتلبية مطالب الشّعب السّوريّ الذي أطلق على جمعة من جمع الثّورة السّلميّة جمعة الحظر الجويّ لإنقاذ الشّعب السّوريّ من عمليّات الإبادة والقتل اليوميّ التي تتواصل من النّظام السّوريّ ومن إيران وتتصاعد دون وازع من دين أو ضمير، ولتحجيم إيران ومطامعها الإقليميّة اللامتناهية الرامية للسّيطرة على منابع النّفط والممرّات المائيّة والتّوسّع في المنطقة العربيّة، بما يؤدّي إلى قيام إمبراطوريّة فارسيّة مجوسيّة تلبس أثواب التّشيّع والإسلام وآل البيت كذبًا وزورًا.

فالصّراع الشّيعيّ السّنيّ في الحقيقة ليس صراعًا مذهبيًّا إسلاميًّا، بل هو لمن يدرك بواطن الأمور في حقيقته صراع مجوسيّ عربيّ؛ لأنّ التّشيّع هو التّأويل المجوسيّ للإسلام، وآل البيت هو الغطاء الدّينيّ الذي عبرت وتعبر من خلاله المطامع السّياسيّة الفارسيّة، ولو كان التشيّع عربيًّا لكان المجوس أوّل المطالبين بعدم حصر الولاية العامّة في العرب، فضلاً عن حصرها في الإمام علي وأولاده، لكنّهم انتحلوا هذا النّسب العلويّ بما يطابق تحذير الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) (انتحال المبطلين وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين) أو كما قال عليه الصلاة والسّلام، وليس أدلّ على كلامي هذا مثل الإمام علي -رضي الله عنه- وكرّم الله وجهه الذي كان وأولاده خير من جسّدوا معاني الإسلام؛ فقد كان الإمام علي يؤمن بالدّولة الشّوريّة الديموقراطيّة، لا بالدّولة الثّيوقراطيّة ونظريّة الحقّ الإلهيّ النّابعة من رؤوس مجوس الكوفة؛ فقد قال الإمام علي -كرّم الله وجهه- في كتاب نهج البلاغة المعتمد عند الشّيعة في رسالة إلى معاوية (إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشّاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ، وإنّما الشّورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إمامًا كان ذلك لله رضا، فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين وولاّه الله ما تولّى)، وصدق رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) القائل في الحديث الصحيح: (لكلّ أمّة مجوس ومجوس هذه الأمّة القدريّة).

وهذا التّنسيق بين اثني عشرية إيران ونصيريّة سوريا وزيديّة اليمن، على الرغم من الخلاف المذهبيّ قائم على أساس عرقيّ عنصريّ فارسيّ مجوسيّ، ولن نفهم خطر مجوس إيران في الواقع اليوم كسطح إلاّ إذا قرأنا التاريخ كعمق؛ فالجرائم والمؤامرات والفتن التي سبّبوها ابتداء من مقتل عمر بن الخطاب، ومقتل عثمان بن عفان، ومقتل الإمام علي وتآمرهم على الدّولة الأمويّة، ثم الدّولة العبّاسيّة باستدعاء التتار وخروج عبيد الله المهدي من سوريا إلى المغرب لتأسيس الدّولة العبيديّة ثم الدّولة الفاطميّة في مصر، وما كتبه العلماء والمؤرّخون عن حقيقة جدّ بشار الأسد هذا عبيد الله المهدي من أنه مجوسيّ ارتدى الثّوب العلويّ، وكيف تحوّلت المغرب ومصر إلى ساحات للحروب الدامية ومنابر للعن الصّحابة والسّخرية من تعاليم الإسلام في ظل الدّولة العبيديّة والفاطميّة، وهذه النّزعة المجوسيّة الحاقدة من بشّار هي التي تفسّر هذا السلوك الإجراميّ الذي فاق كلّ تصوّر، وتفسير هذا الدّعم والتّعاطف المجوسيّ الإيرانيّ.

والخلاصة أنّ الجانب الإقليميّ العربيّ الإسلاميّ، لا سيّما السّعوديّة وتركيا، والجانب الدّوليّ إن لم يستغلاّ هذه الفرصة لمناصرة الثّورة الشّعبيّة في سوريا لتأمين أمن سوريا والأمن الإقليميّ والأمن العالميّ، فسيضطّرون فيما بعد لوضع خطط وإستراتيجيّات لتحجيم الدّور الإقليميّ الإيرانيّ المهدّد لأمن ومصالح العرب، والعالم لكن بتكاليف أكثر مع نتائج أقلّ ومخاطر أعظم.

والله نسأل أن يجنّب سوريا والعرب والمسلمين والعالم من كيد الذئاب الخاطفة التي تأتي في أثواب الحملان الوديعة، والشّياطين الذين يلبسون لبوس الملائكة -على حدّ تعبير المسيح عليه السلام- الذي جاء وصفه في الكتاب المقدّس بهذا الوصف العظيم: (على أمّة منافقة أرسله وعلى شعب سخطي أوصيه).

زر الذهاب إلى الأعلى