آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الوحدة المُفْترى عليها! (2)

في ذكرى الوحدة اليمنية تتوارد الأفكار والخواطر؛ وخاصة مع الحملات الإعلامية الشرسة التي تصورها للعالم بأنها أم الكبائر ومصدر الشرور! وخلال الأسبوعيين الماضيين ناقشنا عددا كبيرا من دعاوى الانفصاليين وحيثياتهم المبررة لذلك.. ونواصل في ذكرى الوحدة استعراض المزيد من تلك الحيثيات!
***
من المفارقات أن الاعتراض على بعض مواد مشروع دستور الوحدة كانت قبل 23 عاما من علامات الخيانة، والعمالة، ومعاداة الوحدة المقدسة.. وكان الاعتراض على الدستور اعتراضاً على الوحدة ذاتها.. واليوم وبعد 23 سنة صارت الدعوة للانفصال، ورفض الوحدة مصحوبة باللعنات والشتائم خياراً سياسياً مشروعاً.. ويمكن لأي يمني أن يرفضها.. ويظل عضوا في مجلس الوزراء.. أو البرلمان.. أو مؤتمر الحوار الوطني.. ويجد من يدافع عنه ويهاجم منتقديه!

مشروع الدستور نفسه الذي أقاموا الدنيا والوطنية من أجله.. وأعلنوا أن (نعم) للدستور تعني (نعم) للوحدة.. وأنهم لا يقبلون بغيره بديلا إلا الموت (بدليل شعار: الوحدة أو الموت الذي رفعوه أيام الاستفتاء على الدستور).. اليوم صار ذلك الدستور عند البعض محاطاً بعلامات استفهام حول أنه لم يكن مناسبا بسبب إعداده عام 1981 في ظروف مختلفة.. والمفارقة أن الذين ظلوا يندبون الدستور الأول منذ تعديله عام 1994 ويعدون ذلك انقلابا على الوحدة السلمية الديمقراطية) هم أنفسهم الذين انقلبوا عليه مبكرا بعد انتخابات 1993، وفجروا أزمة سياسية طاحنة، وفرضوا حواراً (تحت تهديد السلاح والانفصال) أدى إلى إنتاج وثيقة العهد والاتفاق التي تختلف تماماً مع كثير من بنود الدستور الذي كاد يصير صنماً في الفترة الانتقالية!

في السياق نفسه يمكن أن نلحظ كيف أن بعض دعاوى الانفصاليين مثل: قلة مقاعد الجنوب في البرلمان مقارنة بمقاعد الشمال، وعدم مراعاة المساحة مقابل السكان.. تتناقض مع روح دستور الوحدة الأول، الذي لم ينص إلا على ما هو معلوم بالضرورة في أي ممارسة ديمقراطية أي أن التمثيل في البرلمان يقوم على تمثيل السكان وليس المساحة!

اتفاقية الوحدة تتضارب بشأنها اجتهادات الانفصاليين، فمرة يقدسونها ويقولون إنها أقامت وحدة ديمقراطية سلمية طوعية، وأن الخروج عليها وعدم الالتزام بها من الشريك الشمالي هو سبب البلاوي التي حلت بالجنوب.. وفي هذه الأيام صارت عند بعضهم –وآخر من رددها للأسف الشديد الرئيس السابق/علي ناصر محمد الذي حصل على وسام الوحدة بعد حرب 1994 وقلده إياه الرئيس السابق/علي صالح- اتفاقية هبلة ومكونة من صفحة ونصف فقط لا تكفي لعقد إيجار دكان! وبصرف النظر عن أن هؤلاء يتجاهلون أن الأمر ليس كما يحاولون إيهام الناس به، وأن هناك اتفاقيات كثيرة تم التوقيع عليها حول مختلف شؤون الدولة الجديدة (وفي مقدمتها مشروع الدستور أبي القوانين)، ورأى اليمنيون أيامها، وفود الشطرين تجتمع يومياً للتوقيع على تلك الاتفاقيات ثم يتبادلون الأحضان ويذرفون الدموع.. وهي اتفاقيات لو جمعت صفحاتها لبلغت الآلاف.. بصرف النظر عن كل ذلك؛ فهل يظن هؤلاء أن حجتهم هذه تفيد في منح دعوى الانفصال وجاهة ومشروعية، وخاصةً أن كل أصحاب هذه الدعوى اندمجوا في دولة الوحدة وتبوؤوا مسؤوليات مدنية وعسكرية، وبعضهم عقد صفقات مشاريع بالمليارات في بناء جسور وشق طرقات؟
***
الوحدة نفسها التي كانت فريضة دينية عند قيامها إلى درجة الترويج أن تحقيقها مقدم على تطبيق الشريعة الإسلامية ذاتها؛ لأن الوحدة أهم من الشريعة كلها وليس فقط أن تكون مصدرا رئيسيا أو فرعيا، وجلبوا يومها الفتاوى من الداخل والخارج لتأكيد ذلك، وحتى اتهم البيض يومها المعارضين للدستور بأنهم (منافقون).. تلك الوحدة التي كان دونها الموت وليس الزكام صارت الآن رجسا من عمل الشيطان (الأدق أن يقولوا: من عمل شيطانين اثنين!).. وصار فنان قارع نظام علي صالح مثل (فهد القرني) متهم بتمجيد الحرب ضد الجنوب وتسييس الدين لأنه قال في مسلسل (همي همك) إن الوحدة هي الركن السادس من أركان الإسلام! وبصرف النظر أيضاً عمن هو المسؤول أدبياً عن العبارة: الممثل أم المؤلف.. فما كان جزاء من يقول في الجنوب قبل الوحدة إنها الركن السادس فضلاً عن أن يقول إنها: وسخة ومؤامرة شمالية لنهب ثروات الجنوب؟ أقل عقوبة كانت أن يجعلوه يؤمن أن الوحدة هي الركن الوحيد في اليهودية والمسيحية والإسلام!

زر الذهاب إلى الأعلى