أرشيف الرأي

أرجوحة الحوار الوطني الشامل

"في كل مَرّة تُحَرّر فيها امرأة ، يٌحرّرٌ فيها رجل" (مارجريت مييد)

تابعت باهتمام بالغ الحوار الذي أداره جمال بن عمر مع شخصيات يمنية نسوية الخميس الماضي في إحدى قاعات الحوار بالموفمبيك بشأن الدور الذي ينبغي ان تلعبه المرأة اليمنية في بناء الدولة اليمنية الجديدة .وقد عبرت كثير من المتحدثات عن مخاوفهن من مدى مصداقية الأحزاب السياسية وقادتها وكذا صناع القرار في منح المرأة حقوقا متساوية مع أخيها الرجل في بناء المستقبل المنشود.

إن تلك المخاوف ليست من دون سند وبلا معاناة تاريخية. فالمجتمع اليمني هو واحد من أكثر المجتمعات العربية تشددا في مواقفه تجاه حق المرأة في الحياة العامة، وذلك ليس إلا انعكاسا لنمط الحياة التقليدي السائد والتحيز الثقافي المتكلس المناوئ للمرأة وبشكل أشد في محافظات شمال الشمال حيث القيم القبلية أكثر صلابة ورسوخا. فما زال كثير من القيادات التقليدية وشيوخ القبائل والأعيان وقيادات سياسية وبرلمانية واجتماعية ينظرون بانتقاص إلى المرأة ويتعاملون مع زوجاتهم كجوار ليس إلا وليس شريكات في الحياة ، بل أن البعض منهم يتجاوز كل الحدود بما في ذلك الحدود الدينية بحرمان بناته أو أخواته حقهن في الميراث ترجمة لتلك النظرة. . فأمثال هؤلاء الرجال محاربون أشداء من أجل مصالحهم وحقوقهم ، ولكن ما أن يظفروا بها حتى يكدسوا القوانين التي تسلب حرية المرأة.

على الرغم من الفرصة التاريخية الثمينة والنادرة التي يقدمها مؤتمر الحوار الوطني للمرأة اليمنية في سبيل نيل المزيد من حقوقها الطبيعية العامة ، فإنه وجب القول أن هذا المؤتمر كأرجوحة غير متوازنة تماما ليس بمقدوره نسف المسلمات الاجتماعية والثقافية الصلبة والراسخة الجذور دفعة واحدة ، لان المسألة هي أبعد وأعمق من مجرد الرغبة التي تعبر عنها النساء أو التصريحات التي يطلقها الرجال من ممثلي مؤتمر الحوار "كحلوى" سياسية ليس إلا. فالموانع الثقافية والاجتماعية وتلك المتخفية تحت " أقنعة دينية" هي من الحدة والصلابة ما تحتاج إلى مقاربة منهجية أعمق وأكثر بصيرة من مجرد النداءات والتوسلات لعالم الرجال في مؤتمر الحوار.

ففي ظل تبعية المرأة اقتصاديا للرجال تظل الحقوق المرجوة ليس إلا منح وعطايا يقدمها الرجل للمرأة متي شاء ، تماما مثل حال تلك الدول الفقيرة التي تعيش على عطايا ومنح الدول الغنية وتقبل بشروطها بما فيها خسران السيادة الوطنية لتلك الدول "المتسولة" بالرغم ما تحفل به أدبيات الأمم المتحدة من وثائق وحقوق ومبادئ.

إن الحركة النسائية العالمية كثيرا ما نظرت إلى الاقتصاد باعتباره قطاعا يحتكر الرجل بعد القوة فيه ، على الرغم من إسهامها المعروف فيه سواء في قطاع الزراعة أو في الاقتصاد المنزلي. والمبدأ العام أن من يهيمن على الثروة أو يحتكر توليدها أو عوائدها هو من يملك مفاتيح القوة والسيطرة على ما عداه. إن الواقع الاجتماعي والسياسي اليمني غالبا ما يقصي أو ينتقص المرأة إما من المشاركة الاقتصادية الفعلية أو من الحصول على عوائد مشاركتها في النشاط الاقتصادي مدفوع الأجر ، وهو الأمر الذي يحرم أو يضعف مركز المرأة الاجتماعي والعائلي أمام رفيقها الرجل. ولم تكن هذه القضية يوما ما مجرد قضية محلية ، بل هي قضية عالمية عانت منها المرأة كثيرا وحققت انتصارات بالغة الأثر في كثير من بلدان العالم المتقدم ، بينما تظل المرأة اليمنية ترزح تحت ثقله بمرارة.

إن نصف الصورة عن الحياة والنشاط الاقتصادي في اليمن تبدو معتمة ، حيث تُغيَب الملايين من قوة العمل النسوية (لا تتعدى 8% من إجمالي قوة العمل) من صياغة العالم المادي الذي ننتمي إليه. وفي ذلك رمز قوي لموقف الرجل هنا من قضية حقوق المرأة. وإذا كان الخطاب السياسي السائد اليوم يتباهى بمواقفه المناصرة للمرأة فإن ذلك الخطاب لم يدخل حيز الفعل حتى الوقت الراهن ، باستثناء تلك " الهدايا " المتواضعة التي توزع على شكل مناصب سياسية للمرأة لتظهر أخلاق الرجال وكرمهم إزاءها.

إن ما نعنيه هنا بنسونة الاقتصاد اليمني هو إدخال المرأة إلى مجال الإنتاج والتوزيع والتبادل وعلى قدم المساواة ، بحيث يغدو الاقتصاد كبنية مادية ومعرفية وثقافية وإيديولوجية غير محصور على عنصر الرجل فقط. ذلك أن من ينتج الثروة ويتحكم بها هو من ينتج المعرفة والثقافة والايديولوجيا. وما دامت المرأة مقصية عن مجال الاقتصاد ولا تشكل شريكا أسياسيا وفعالا كما الرجل في كل هذه المجالات، فإن موقفها سيظل ضعيفا وتابعا على الدوام ، وسيظل المجتمع بذلك سقيما ومعاقا على الدوام أيضا. ولهذا فإن على المرأة اليمنية الممثلة في مؤتمر الحوار أن تبحث مع شقيقها الرجل في طبيعة الدور الاقتصادي الذي يمكن أن تلعبه في المستقبل والسبل والآليات الممكنة للعب هذا الدور. " وحدها العواصف الثورية الجديدة امتلكت القوة الكافية لكنس كافة العقد والترسبات ضد النساء ، ووحده الشعب المكافح المنتج (وليس ذلك المستلقي على أريكة المقيل) هو القادر على تحقيق المساواة الكاملة والتحرر الناجز للمرأة ببنائه المجتمع الجديد" علقت ذات يوم الكساندرا كولونتاي أحد أبرز الحركة النسائية العالمية في مطلع القرن الماضي.

زر الذهاب إلى الأعلى