لم أتفاجأ بما حدث الليلة في مصر من خطة محكمة وناجزة لعزل محمد مرسي والإخوان عن السلطة قدر تفاجؤي بعدم مقدرة قرون الاستشعار الإخوانية على فهم المخطط الواضح منذ وقت مبكر وبالتالي العمل على الخروج بأقل قدر من الخسائر وليس إبداء الممانعة غير المجدية على النحو الذي أظهره الرئيس المعزول.
لا مجال هنا عن الحديث عن مشروعية ما حدث أو عن حجم الأخطاء التي ارتكبها مرسي أثناء عام من الحكم إذ الاهم الان في تقديري هو المساعدة على عدم انجرار الامور في مصر لتنحو منحى الجزائر بعد فوز جبهة الانقاذ واقصائها القسري عن السلطة قبل أن تتربع على كراسي الحكم.
ما حدث في مصر محزن لكل منصف بصرف النظر عن الموقف من حركة الاخوان وسياستها، ذلك أن المؤشرات تدل على أن نتائج خروج الـ30 من يونيو لن تقتصر على إقصاء قوة سياسية وشعبية كبيرة قسرا عن الحكم قبل ان يستكملوا فرصتهم في اثبات النجاح أو الفشل، بل يبدو أن الخطة تتعدى إلى إحكام القبضة بطريقة تحول دون وصول الاخوان إلى منصة التنافس من جديد، ويتم الان الدفع لاستغلال ادنى فورة غضب اخواني ازاء هذا الاقصاء ليتم انزال عقوبة تفوق الجرم، وهو ما يعني أن مصر فتحت صفحة جديدة من المظالم والاكراهات والتدخل القهري لتعديل ميزان القوى بطريقة لا تؤهل للاستقرار ولا تحقق أمل العدالة.
عاد العسكر إلى حكم مصر بحبكة محترفة تظافرت فيها عوامل داخلية وخارجية، وخرج مرسي والاخوان من قصر الاتحادية وكأن وجودهم القصير فيه كان طيفا أو خيالا.. ونسبة غالبة من الذين رفعوا شعار الدولة المدنية بالامس هم انفسهم رفعوا صور السيسي وهتفوا للعسكر اليوم، ليتبين لكل ذي عقل أن السياسة كتاب كبير لايزال "الاسلاميون" رابضين في الباب الاول منه.
نصيحتي للإخوان أن الحديث عن سرقة استحقاق لهم أمر لن يعيدهم إلى الاتحادية خلال أيام أو شهور، فالقصة لم تعد كذلك.. كما أن عودتهم المستحيلة في الوقت الراهن ليست لصالحهم ولا لصالح مصر.. عليهم أن يتجرعوا علقم الدرس مهما كانت مرارته، وأن يعملوا على تفادي المزيد من الأفخاخ المنصوبة لهم في هذه الظروف، وأن يقرأوا بعمق أسباب ما حدث.. غير مهوّنين من العوامل الذاتية أيا كان حجم العوامل الاخرى.
وأملنا من عناصر القوة الجديدة التي صعدت أمس في مصر ألا تستغرق وقتا كبيرا في الزهو جراء نجاحها السريع في ازاحة الاخوان.. وان تتذكر ان الاخوان هم جزء من الشعب الذي صاروا الان مسؤولين عنه، أملنا منهم ألا يتأخروا في نصرة الشعب السوري كما فعل الاخوان. ولا يسعنا أبدا أن نتخيل العكس.
وكلمة اخيرة نواسي بها الاخوان: خرجتم من الاتحادية ولم تخرجوا من المعادلة.. والخسارة الحقيقية هو أن تُحرموا أخذ العبرة السليمة من كل ما حدث.