التقى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الرئيس الأمريكي باراك أوباما الخميس يوم وذلك في ختام سلسلة من اللقاءات المكثّفة التي استمرت ثلاثة أيام. وقد جمعت هذه اللقاءات، والتي تمت في واشنطن العاصمة، الرئيس اليمني بوزراء الخزانة والخارجية والدفاع. وفي كل إجتماع من هذه الاجتماعات، كرر المسؤولون الأمريكيون دعمهم للعملية الانتقالية في اليمن، كما وعدوا بتقديم المساعدة لهذا البلد بشكل مستمر. وتجدر الإشارة إلى أهمية طبيعة هذه المساعدة والرسائل الخاصة الذي وجهها كبار المسؤولين إلى الرئيس هادي. لكن حتى الآن، لم ينتج عن زيارة الرئيس اليمني أي تصريح علني حول كيفية دعم الولايات المتحدة للعملية الإنتقالية السياسية في اليمن ما بعد الحوار الوطني الذي يجري حالياً والذي من المقرر أن يُختتم في 18 سبتمبر.
وقد صرّح المتحدث الرسمي باسم السفارة اليمنية محمد الباشا، بأن الهدف وراء زيارة الرئيس هادي يكمن بشكل خاص في التركيز على ما سيلي الحوار، وكيف يمكن للولايات المتحدة وللمجتمع الدولي مساعدة اليمن على تحقيق الإنجازات المنشودة من الحوار في المرحلة التالية. إلا أن معظم المناقشات قد تمحورت حول التعاون على الصعيد الأمني وعلى إطلاق سراح معتقلي غوانتانامو المحتمل، فيما تطرقت هذه المناقشات بشكل محدود إلى الإنتقال السياسي والمساعدة على النمو على الصعيدين الإقتصادي والديمقراطي.
ولا بد من الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية قد بذلت جهوداً كبيرة لتوسيع نشاطات الولايات المتحدة في اليمن لتشمل نطاقاً أوسع من الإطار الضيق الذي يقوم على التعاون لمكافحة الإرهاب، وذلك من خلال تقديم المساعدات المالية، وعبر التصاريح العلنية. وبالتالي، فإن الوقت الحالي هو الوقت الأمثل لتعزيز وتوسيع هذه الجهود. فالتصريح العلني الوحيد الذي تم مؤخراً كان من وزارة الدفاع الأمريكية، في وقت سابق من هذا الشهر، وهو يتعهد بمساعدة حرس الحدود اليمني. يتضمّن هذا التعهد تقديم 12 طائرة و100 مركبة عسكرية فضلاً عن نظام إتصالات متكامل بهدف «محاربة تهريب الأسلحة والمخدرات، ومنع تسلل الإرهابيين إلى داخل البلاد، ومحاربة الجريمة المنظمة».
وفي الإطار عينه، فإن أي إعلان على مستوى عالٍ من وزير الخزانة جاك لو أو وزير الخارجية جون كيري يتعهد بمواصلة دعم اليمن أو تعزيز هذا الدعم، من شأنه التأكيد على ما يشدد عليه البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة، في الواقع، تنظر إلى اليمن أبعد من شراكتها معه في مكافحة الإرهاب في شبه الجزيرة العربية.
وفي ظل القيود على الموازنة والعزل والمناقشات الأهم حول مصر وسوريا، فما من توجه كبير نحو المساعدة الخارجية في واشنطن، فمن الأسهل الإنتهاء من الإنتقال السياسي في اليمن والعمل على الموضوع التالي. ومن المعروف أن لواشنطن نطاقًا ضيقًا في التعامل مع مواضيع الشرق الأوسط، إلا أن عدم إدراكها للقيمة الحقيقية للعملية الانتقالية السياسية الناجحة في اليمن سيجعل من هذه العملية فرصة ضائعة.
وفي حين أن المسار في اليمن لا يمكن تكراره في مكان آخر، فإن فكرة انتقال السلطة بشكل سلمي وعبر مفاوضات، بلا رابح ولا خاسر، عبارة عن نموذج قيّم للمنطقة التي تشهد حالة من الإضطراب. إذ إن النجاح السياسي في اليمن هو شأن وطني حيوي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، بما أن الحكومة الفاعلة المستجيبة لشعبها من شأنها أن تؤدي إلى إستقرار كبير في البلاد. فمع التسلط الذي يزداد في مصر، والإضطراب السياسي في تونس، والعنف الميليشي في ليبيا، يبدو مسار اليمن الأكثر تفاؤلاً لذا، لا ينبغي إغفال مخاطر نجاحه.
لقد شكّل الحوار الوطني، والذي هو عبارة عن عملية تمتد على ستة أشهر ومن المتوقع أن تنتهي في 18 سبتمبر، عاملاً رئيساً في خطة الانتقال المدعومة من دول مجلس التعاون الخليجي والذي أعدّ تجريد الرئيس السابق علي عبدالله صالح من سلطته، وأمّن منصة لتطوير إجماعٍ لحل أعند المشاكل التي تعيق نمو اليمن. لكن حتى الوقت الراهن، لم يبدأ بعد العمل على بناء الثقة بين مختلف الفصائل اليمنية وعلى وضع النتائج التي توصّل إليها الحوار قيد التنفيذ. بالتالي، الوقت الحالي هو الوقت الذي سيكون فيه دعم الولايات المتحدة والمجتمع الدولية ذي أهمية كبرى.
إذ إن الولايات المتحدة قد أولت إنتباهاً كبيراً وتركيزًا كبيرًا للحوار الوطني، بما في ذلك تأمين الدعم المالي للأمانة العامة وتمويل مجموعات المجتمع المدني بهدف نشر التوعية وتعزيز قدرة منظمات المجتمع على المشاركة في عملية الحوار. وفيما كان 565 نائباً في «جمهورية الموفنبيك»، كما قال ديبلوماسي أجنبي ساخرًا مؤخراً في صنعاء، فقد كانت بقية البلاد منفصلة بشكل كبير عن أعمال الحوار اليومية. لذلك إنّ إيصال نتائج مجموعات العمل إلى المجتمعات المحلية المتباينة في البلاد والبدء بتنفيذ هذه النتائج سوف يتطلب مجهوداً واسعاً وموارد كبيرة. ويُذكر أن واشنطن تميل إلى تحويل الإستراتيجية التي تعتمدها في التنمية والمساعدة في اليمن بكثير متواتر كثيرًا، لذا نأمل ألاّ يتوقف الإنتباه الذي توليه واشنطن إلى العملية السياسية مع حفل اختتام الحوار.
وإن مستوى المساعدة التي قدمتها الولايات المتحدة لليمن خلال العقد المنصرم كانت تنحسر وتتدفق وفق رياح التغيير التي تهب في واشنطن ووفق درجة الخوف من التهديد الإرهابي، لذا، لا بد للإدارة من أن تعكس هذا النهج وتؤمن مساعدة مستمرة لليمن لكي يتمكن من الانتقال إلى المرحلة الثانية، حتى ولو كانت أعداد المنتسبين إلى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تتراجع.
في ظل قيادة الرئيس هادي، برهن اليمن عن أنه شريك يمكن الإعتماد عليه أكثر في الأمور الأمنية، إلا أن التقدم الحاصل على صعيد الإصلاح المؤسساتي وتحسين الوضع الإقتصادي والإنساني لا يزال محدوداً في أفضل الأحوال. إذ إن هادي يقبع تحت ضغوطات كبيرة، لكنه في الوقت عينه سمح لحكومته المنقسمة بالاستمرار بالعمل على الرغم من خللها الوظيفي مما عطّل إحراز المزيد من التقدّم في كلّ من هذه الأوجه. ويتوجب على الولايات المتحدة أن تؤمّن المزيد من الدعم التقني والمالي، مع الإستمرار في الضغط من أجل تحقيق الإصلاحات الموعودة. وبغية مساعدة اليمن على تحقيق النجاح الحقيقي من خلال عملية الحوار وما يتأتى عنها، لا بد للولايات المتحدة من أن تركز على نطاق رئيسة:
• تعزيز الفكرة التي تقوم على أنه لا بد للحكومة القادمة من أن تكون حكومة تكنوقراط، تقوم على الجدارة والكفاءة بدلاً من التبعية أو المناصب الحزبية، كما يجدر بها تشجيع الرئيس هادي على تشكيل حكومة جديدة فعّالة، بإمكانها الإشراف على المرحلة الانتقالية القادمة وتطبيق نتائج الحوار الوطني، ولربما قبل القيام بعملية إنتخابية.
• التركيز على ما تبرع به الولايات المتحدة: تطوير قدرة الإنسان من خلال التعليم والتدريب. فكما فعلت في ليبيا وتونس، على الولايات المتحدة أن تزيد من دعمها لبرامج المنح والتدريبات المهنية، في الولايات المتحدة كما في اليمن، بغية تحضير الجيل الصاعد من موظفي الخدمة المدنية وقادة الأعمال والناشطين الإجتماعيين، لقيادة اليمن في القرن الحادي والعشرين. فمن دون التنبه إلى قدرة الإنسان المتدنية وعدم تناسب المهارات سيكون من الصعب بالنسبة إلى اليمن أن يشق طريقه إلى الأمام.
• الاستمرار في الضغط على الرئيس هادي حول أهمية تحقيق معايير الإصلاح التي سبق له ولحكومته الالتزام بها في سياق إطار المساءلة المتبادلة الذي تم تطويره بالتعاون مع البنك الدولي بهدف توجيه مساهمات الجهات الدولية المانحة، ورفع شروط المساعدات إذا لزم الأمر.
• دعم برنامج توعية مستدام في مرحلة ما بعد الحوار يمكّن النواب من إجراء «الجولات» في مناطق مختلفة من البلاد لعرض الاستنتاجات التي توصلت إليها مجموعات العمل، ولشرح المرحلة التالية من العملية- أي عملية وضع الدستور والإستفتاء عليه إلى جانب الإنتخابات البرلمانية. والأهم من ذلك، أن هؤلاء النواب يكونون بمثابة مبعوثي هذه العملية كما ويمكنهم أن يكونوا حلقة وصل حيوية بين المواطنين العاديين والقيادة القائمة في صنعاء.
• إظهار التزام الولايات المتحدة طويل الأمد بالنمو الديمقراطي والدعم الإقتصادي من خلال حملات تواصل لها أهداف محددة تؤكد لليمنيين أن إهتمام الأمريكيين ببلدهم يتعدى أهداف محاربة الإرهاب على المدى القصير.
وفي إطار الملاحظات التي أبداها الرئيس هادي بعد الإجتماع بالوزير كيري، قال: «نحن نقيم هذا الحوار أملاً بأن تنتج عنه عناصر من شأنها أن توجّه اليمن نحو الاستقرار والأمن والنمو... وذلك بهدف القضاء على الفقر في البلاد».
ويُذكر أنه لا بد لأي حكومة تقود اليمن من أن تعطي الأولوية للأمن والإستقرار والنمو، ولكن من دون أن ننسى أن الآلاف من الناس احتشدوا للمطالبة بعملية سياسية ديمقراطية حقيقية بغية فتح الفضاء السياسي والقضاء على الفساد، وتحسين فرص العمل، وتجاوز الفريق الضيق من النخبة الذي كان يهيمن تقليدياً على المشهد الإقتصادي والسياسي في اليمن.
فحتى في الوقت الذي يعمل فيه اليمن على إعادة هيكلة الجيش وصياغة الدستور وبناء الموانئ، يتعيّن على الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء الدوليين المساعدة أيضاً في حث البلاد على التركيز على التزاماتها بالإصلاح واحترام حقوق الإنسان، والدفاع عن حرية التعبير.
يقوم تقييم عملية الإنتقال في اليمن على آلة القياس المعتمدة. فإذا كان المقياس هو تفادي حرب أهلية دموية محتملة ومثيرة للانقسام إلى جانب وقف التدهور الأمني، فنعم! إن العملية الانتقالية في اليمن تسير على المسار الصحيح. أما إذا كان المقياس هو تحول ديمقراطي حقيقي، وتغيير القوى، وفتح المجال السياسي ليتعدى القلة من النخبة التي يحكمها الولاء العسكري والقبلي، فاليمن بعيد كل البعد عن نقطة الوصول المنشودة.
بالطبع، يتطلب هذا الانفتاح السياسي الحقيقي أعواماً، لا بل عقوداً، لكن السؤال الجوهري هو إذا ما كانت الخطة الانتقالية الحالية ستؤدي في نهاية الأمر إلى هذا التوجه، أو أنها ستؤدي إلى مزيد من الفساد وسوء الإدارة وسوء استخدام السلطة، وهي العوامل التي سمحت لعلي عبدالله صالح بالحكم لثلاثة وثلاثين عاماً.
من هنا، لا بد للولايات المتحدة، ومنظمة الأمم المتحدة، وكل الدول الصديقة لليمن من أن تلعب دوراً في إبقاء هذه المسائل على جداول عملها، وفي تشجيع الرئيس هادي وحكومته على تجسيد الانتقال الثقافي الضروري للقضاء على مثل هذه الظواهر.
- نائب مدير مركز الحريري للشرق الأوسط.