تنصيب الرئيس حسن روحاني رئيسا جديدا للجمهورية الإسلامية الإيرانية لا يعني أن القيادة الإيرانية «الثابتة» ستتوقف عن برنامج التعبئة الذي تتبعه، والمتعلق بشكل خاص بالنشاط الشيعي الجهادي.. فالإيرانيون يستخدمون «كتائب حزب الله» لمحاولة تصدير الثورة إلى الدول العربية التي هي في نظرهم موالية للغرب، أو كما يسمونها في الفارسية «غرب زاده» مثل الأردن ودول الخليج، ويلجأون إلى أساليب عدوانية محاولين الاستفادة قدر الإمكان من حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
ثم إن دعم المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي لروحاني وقول الأخير إن إدارته ستنصرف إلى الاهتمام بالشأن الإيراني الداخلي، لا يعني جمع السلطات في يد واحدة؛ إذ يبقى مصدر السلطات متعددا في إيران، والحصة الأكبر والأقوى التي مهمتها الحفاظ على النظام وأهدافه تبقى محصورة في يد الحرس الثوري وخامنئي المشرف الأول على جميع المستويات. وسيكون الامتحان الأول لروحاني إسراعه في إطلاق سراح حسين موسوي ومهدي كروبي.
حاليا، يكثف «فيلق القدس» تدريبه وتحضيره لميليشيا تابعة لـ«كتائب حزب الله»، وهي منظمة جهادية شيعية ترعاها إيران، شاركت وبقوة في القتال في العراق. كانت تدريبات هذه المجموعات في السنة ونصف السنة الماضية في إيران والعراق مكثفة جدا بغية تعزيز القدرة العملياتية لـ«فيلق القدس» في أوروبا، ودول الخليج وأماكن أخرى في الشرق الأوسط.
بعض المقاتلين العراقيين الذين أشرف على تدريبهم إيرانيون شاركوا في الصراع داخل سوريا في تحالف مع القوات النظامية ضد «الجيش السوري الحر» و«جبهة النصرة» (المتحالفة مع «القاعدة») وجماعات مقاتلة أخرى.
ما أصبح معروفا منذ زمن أن «فيلق القدس» يرسل مقاتلين من العراق لمقاتلة الثوار في سوريا وهؤلاء ينتمون لـ«عصائب الحق» و«كتائب حزب الله». ومع بداية شهر أيار (مايو) الماضي، بدأت بعض جثامين مقاتلي «كتائب حزب الله» تعود إلى البصرة لدفنها.
من ناحية أخرى، شجعت إيران هذه المجموعات على العمل سياسيا وعسكريا داخل دول الخليج وذلك جزءا من استراتيجيتها لزعزعة الاستقرار الداخلي لأنظمة يقودها سُنة على «علاقات ودية مع الغرب».
وفي وقت تبقى فيه إيران ملتزمة بالحفاظ على النظام في سوريا، فإن لديها مصالح استراتيجية إقليمية أوسع نطاقا تسعى إلى تعزيزها. لهذا، حسب تقرير سري، اختار «فيلق القدس» وبعناية، نشطاء من الشيعة لتدريب متقدم وفقا لمتطلبات محددة، يجري تهيئتهم للمساعدة في الخارج في مهمات محددة.
هناك مجموعة اختيرت من بين آلاف اللاجئين العراقيين المنتشرين في كل أنحاء أوروبا منذ فرارهم من نظام صدام حسين. كما جرى تجنيد عناصر أخرى مباشرة من المنتمين لـ«كتائب حزب الله» في العراق. والتركيز هو على تجنيد أشخاص يحملون جوازات سفر أوروبية أصلية، فضلا عن كونهم مواطنين عراقيين أي أنهم يتمتعون بالجنسية المزدوجة.
تنظر إيران إلى الجاليات الشيعية العراقية - الأوروبية نظرة مميزة لصالح «فيلق القدس»، وتعتبرهم استثمارا مربحا لقدرتهم على الاندماج بسهولة وحرية أكثر في الدول الأوروبية والعربية من دون أن يثيروا الشبهات لدى الأجهزة الأمنية. فهؤلاء غالبا ما يكونون مندمجين ولديهم اطلاع جيد عن المناطق أو الدول التي يتحركون فيها، وبصفتهم عراقيين، فإنهم يستطيعون السفر إلى الدول الخليجية ودول عربية أخرى مثل لبنان أو الأردن من دون أن ينظر إليهم على أنهم غربيون ومن دون تورط إيراني مباشر.
يستغل «فيلق القدس» هذه التجمعات من المجندين الشيعة وسيلة لتعزيز عملياته والتخطيط عبرهم لا سيما في المجالات التي لا يستطيع إظهار قدراته فيها. أما الأنشطة التي يجري تدريبهم عليها فهي مماثلة لتلك التي يتدرب عليها «فيلق القدس»، ويقوم بها: جمع المعلومات الاستخباراتية لأنشطة محددة، وهذه تتطلب استعدادات دقيقة وإجراءات تهدف إلى مساعدة إيران على القيام بأنشطة غير مشروعة من أجل تجاوز العقوبات الدولية.. إذ تسعى إيران باستمرار للحصول على مواد موضوعة على القائمة السوداء لاستخدامها في مشاريعها النووية والصاروخية، ويلعب «فيلق القدس» دورا رئيسا في تجاوز لوائح مكافحة الانتشار المتفق عليها دوليا. وعلى هذا الأساس جرى تزويد بعض المجندين بمبالغ كبيرة من المال نقدا وبرؤوس أموال تُستعمل لإقامة علاقات واتصالات تجارية باعتبارها الغطاء المناسب للقيام بمهام محددة بعيدة المدى أو متصلة بالانتشار.
كثف الإيرانيون تجنيد نشطاء شيعة من الخارج لمهمات حول العالم في أعقاب كشف سلسلة من العمليات المنسوبة إلى «فيلق القدس». وعلى عكس شبكات الإرهاب «العابرة للحدود» مثل تنظيم «القاعدة»، فإن «فيلق القدس» يسعى في عملياته إلى عدم الكشف عن هويته من أجل تجنب تجريم الدولة الإيرانية.. ومع ذلك، فإن موجة من العمليات الإرهابية في واشنطن، وبانكوك، وتبليسي (جورجيا)، ونيودلهي، ومومباسا، وأبوجا، جرى تتبعها خلال العامين الماضيين، فأوصلت مباشرة إلى «فيلق القدس» الذي هو جزء أساسي من النظام الإيراني. ولم يتردد «فيلق القدس» في التنسيق مع «حزب الله» في لبنان الذي نفذ عمليات إرهابية في أوروبا كالتي وقعت في بورغاس (بلغاريا) وقبرص (صدر الحكم على من كان يزمع تنفيذ عملية إرهابية) ومؤخرا في نيجيريا، حيث اعتقل لبنانيون ثلاثة اعترف أحدهم بأن الخطة كانت اغتيال السفير السعودي.
نتيجة للدلائل المتزايدة على تورط إيراني في الإرهاب، تعرض «فيلق القدس» لضغوط كثيرة ليدير شؤونه بطريقة أكثر سرية ووعيا وكي يجد البدائل لاستخدام عناصره في طليعة العمليات. هذه الضغوط كانت الحافز لتبني وسائل جديدة حيث يُدرّب النشطاء الأجانب إلى أقصى حد ويجري تحريكهم عند الوقت المناسب، وعن بُعد.
وكانت «كتائب حزب الله» برزت عام 2003 على أنها قوة مقاومة عسكرية وسياسية لمواجهة قوات التحالف التي كانت تقودها الولايات المتحدة في العراق، وقد شنت هذه الكتائب هجمات متعددة بما في ذلك زرع عبوات قاتلة على جوانب الطرقات وإطلاق صواريخ وقذائف بالإضافة إلى عمليات القنص.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 استهدفت المنطقة الدولية في بغداد بهجوم صاروخي أدى إلى قتل اثنين من موظفي الأمم المتحدة. ومنذ انسحاب القوات الأميركية من العراق صار الهدف الرئيس لتلك الكتائب المصالح الأميركية في العراق، ورجال الدين السُنة والقوى السياسية في البلاد. ووجهت إيران قادة «كتائب حزب الله» لإرسال نشطاء في عمليات خارج الحدود العراقية، وهكذا نجح هؤلاء في تأجيج التوتر في الأردن، وفي البحرين، وفي مناطق أخرى، وفي الآونة الأخيرة ساعدوا النظام السوري.
وكما هي الحال مع معظم المنظمات الشيعية العراقية بما في ذلك مجموعة «عصائب أهل الحق»، فإن «كتائب حزب الله» تستمد الدعم من إيران. وعلى الرغم من استقلاليتها عن «حزب الله» اللبناني، فإن قادة الكتائب العراقيين يشتركون مع قادة الحزب اللبناني في الانتماء الآيديولوجي والنظرة الدولية. وقد أعلنت المجموعة ولاءها لنظام حكم «ولاية الفقيه» في إيران وهي ملتزمة بتوسعة حدود الثورة الإسلامية.
عُرف أن «كتائب حزب الله» انقسمت إلى فروع مختلفة، لكن ليس واضحا بُعد أو عدد الانقسامات.. اثنان من الفروع يعملان تحت قيادة «أبو إسلام» و«أبو مصطفى الشيباني» والولايات المتحدة صنفت «كتائب حزب الله» منظمة إرهابية.
في الخطاب الذي ألقاه روحاني كثير من تجاهل الوقائع والحقائق.. هو قال إن إيران «ساحة استقرار في منطقتنا المضطربة»، هذا صحيح على السطح، لأن «الحرس الثوري» نشط في العراق وسوريا ولبنان، إضافة إلى تكليف نشطاء بزعزعة استقرار المنطقة، وكثيرا ما يكون هؤلاء إيرانيين. قال للغربيين: «إذا أردتم ردا مناسبا، فلا تستخدموا لغة العقوبات؛ بل الاحترام». لم يكشف كيف أوصل النظام الإيراني نفسه إلى أن يكون مطوقا بسلسلة من العقوبات.
إن أنظمة المنطقة في السنوات العشر المقبلة ستكون مهددة من قبل مجموعات إسلامية متطرفة. الانشقاق المذهبي تتسع هوته، وعلى الأنظمة، لا تجنب الفتنة فقط، بل ردم الانشقاقات، إذ لم يعد البقاء مضمونا إذا فضل كثير من الدول العيش على حافة الخطر. بدأت الحافة تتآكل والهاوية صارت من دون قعر.