آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

أن تكون مدنيا ووحدويا في هذا الزمان..!!

تثير محاولة اغتيال باسندوة الكثير من الأسئلة والتساؤلات، أهمّها.. لمصلحة مَنْ .. ومن يمكن أن يقف وراء ذلك ؟ وبالطبع، فإنني لست بصدد الإجابة عن هذه التساؤلات .. ربما لأن ذلك هو عمل الأجهزة المختصة التي لم تقل شيئا حتى الآن ولا يبدو أنها سوف تقول ! وإذا قالت فلن تفعل شيئا.. وإذا فعلت فإن النتيجة ستسكن كالعادة في بئر الغموض والإبهام.. والنسيان !.

وإذن، فما الذي يحفّز واحدًا مثلي على الاهتمام وعلى غيرعادته بهكذا حادثة وهكذا شخصية ؟ .. ما حفّزني، سببان رئيسيان في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ اليمن : أولهما.. أن باسندوة يكاد أن يكون المدني الوحيد في الثكنة السياسية اليمنية الهائلة الآن ! ليس بمعنى عدم انتمائه الحزبي على الطريقة اليمنية البائسة فحسب.. بل في قطيعته النهائية أيضا مع المناطقية والجهوية رغم انتمائه لعروس المدائن اليمنية .. عدن . أما السبب الثاني لاهتمامي فهو أن الرجل وحدويّ يمنيّ لم تغيّر عقيدته الوحدوية عواصف الأيام وقواصف العهود منذ ستين سنة على الأقل قضى معظمها في صنعاء منذ وصلها هاربا بُعيد منتصف ستينيات القرن العشرين ! لم يذهب الرجل إلى دول الخليج كما فعل كثيرون من أبناء عدن ومثقفيها من شريحة التكنوقراط الإداري والسياسي الراقي كي يبحث عن من يكفله هنا أو هناك ! بل هاجر إلى شطر روحه الآخر صنعاء محمّلا بحلم الوحدة .. وهانحن الآن ويا للهول نكتشف معادن الرجال ونعرف الوحدوي من غير الوحدوي.

مدنية باسندوة الساطعة ووحدويته الناصعة تثيران إعجابي باستمرار .. وكلما تهافت أو تساقط البعض أمام اغراءات السياسة أو غوايات النخاسة في سوق يشتعل بالمزايدات ويحترق بالمضاربات .. زاد إعجابي بالرجل وإصراره على رؤيته ورؤياه . أن تكون مدنيا ووحدويا في هذا الزمان ! فأنت غريب الوجه واليد واللسان ! حتى بين أبنائك الشباب . وحتى حين يحاول البعض اغتيالك فإن أحدا لا يأبه ! بينما تقوم القيامة لأن أحدهم غادر البلاد حانقا ! وكأن البلاد تحت إبْطه والعباد في ممتلكاته ! يضع الحلول ويستمع إليه الجميع وهو الذي لم يقرأ كتابا واحدا في حياته ! .. كل ما لديه أنه غير مدني وغير وحدوي ! فياله من رصيد ويالها من قيمة !

إنّ آخر ما يمكن أن أفكر فيه أن أتحدث عن واحد من الناس باعتباره رئيسا للوزراء ! في حكومة إئتلافية أو خلافية .. وبالنسبة لباسندوة فإن حكومته لا تغري أحدا بالحديث عنها ! ولأسباب لا يد له فيها كما أظن ! فالشراكة السياسية على الطريقة اليمنية وفي كل الأوقات كانت شرَكاً للوطن وحفرة للمواطن ! وكانت قبل ذلك وبعده فخّاً لمن يريد أن يُنجز .

الكل في اليمن يغني على ليلاه .. بينما ليلى وحيدة كئيبة على قارعة الطريق ! وهكذا، نرى الشعب يذوي بالاهمال واللا مبالاة ويتساقط بالمرض والجوع والظلام .. بينما النخب السياسية تتناهش نُتف التقاسم مثل أسماك القرش ! في بحر متلاطم لاتلوح شواطئه أو تهدأ أمواجه !

لابدّ أن أشير مرّة أخرى إلى أن القيمة وفق معايير أضعها هي ما يثير إعجابي .. مثلا، .. لم ترِدْ على لسان باسندوة يوما كلمات مثل أقاليم أو تقسيم الثروة والسلطة والفيدرالية والدولة الاتحادية وفيفتي فيفتي ! بينما تساقط الرجال الكبار وتهاوت القامات تحت غواية مسايرة صخب الشارع وأزقة السياسة في اليمن . أما باسندوة فلم يفعل .. ربما لأنه واثق بالخبرة والتجربة والمعرفة أن المشكلة ليست هنا ! إنها ببساطة تكمن في الفساد المركب والنهب المرتب وعدم احترام القانون .. وتكمن في صانع القرار حين يعتقد أن وطنا بكامله هو مجرد ضيعة في أملاكه .

كنت أحب للشباب في مؤتمرهم أن يستمعوا لرجلٍ على مشارف الثمانين كي يتأملوا قصةً جديرة بأن تُروى قبل أن يرفع بعضهم صوته احتجاجا غاضبا وعنيفا لمجرّد أن أشار باسندوة للوحدة اليمنية ! أليس هذا هو الإرهاب بعينه ! رغم أنني لا ألوم الشباب بل ألوم النخبة الخائبة الدائخة التي كرّست بالالحاح هذا الجهل، وزيّنت بالصمت هذا الجنون !

أتمنى أن يذكّرني أحدٌ بوجود مدني وحدوي واحد في قلب السلطة الآن أو حتى في أطرافها !.. قد تجد مدنيا غير وحدوي .. أو وحدويا غير مدني ! أو مدنيا وحدويا بينه وبين نفسه ! وما أكثر هذه النوعية مثل أصنام لا تنطق .. وفي كل مرّة أرى فيها هذه الوجوه البليدة الصامتة أتذكر بيت المتنبي: أسيرُها بين أصنامٍ أشاهدُها .. ولا أشاهد فيها عفّة الصنمِ!

زر الذهاب إلى الأعلى