يسرفون في الكذب الفاضح ليدرجوه في موسوعة الحقائق الدامغة وينشئون مراكز تمتهن فن الكذب الصادق كي يكسروا إرادتنا ويشنون رهاب الخوف في نفوسنا إزاء فكرة الانعتاق من عبودية البشر، يكيفوننا على حقائق ترسمها عقولهم في مستقبلنا نحن ويفرضونها علينا دوسا بالاقدام أو حشوا في الرؤوس.
وكفئران التجارب يمارسون على رؤوسنا إختراعاتهم ويلقنوننا مبادئهم كي نتلوها في صلواتنا ثم يقلبون الامور على خياراتنا ويسجلون ردود الفعل العقيمة كي يثبتوا براءة اختراع (العربي الضعيف والاحمق) وجدوا اننا قوم مخلصون فإذا احببنا الفكرة عشقنا الموت من اجلها فوهبونا الكثير من الافكار الزائفة فمات الآلاف منا دون ان يذوقوا حلاوتها.
ووجدوا ان فينا حلماً وصبراً يتخطى حدود العقل الراكد فمنحونا مئات الاختبارات يبتلوا هذا الحلم الاعجازي واكتشفوا بدراية وذكاء ان العربي الاصيل كل ما اشتد عليه البلاء اشتد به الحلم والغباء (فإلى أي مدى يمكن ان يصل حلم الأحنف بن قيس العربي الأصيل وقد تحالم كثيرا لرؤية جثمان ولده مجندلا بسلاح ابن العم الاحمق المغرور. إلى متى يظل الحلم شعار الحكماء والعقلاء و إلى متى يظل الاحنف العربي رمزا للحلم المثقل بالاوجاع) وان كان ابن العم الجاني أو حتى الاخ الجار فلماذا لا يكون القصاص بندا اخر في حسابات الحكماء ( رميت نفسك بسهمك وقتلت ابن عمك) هذا كان تصريح الاحنف الوحيد والحليم جدا.
ما عاد فينا (ربيعة بن مكدم ) رغم جاهلية نعيشها رغما عن انوفنا قد تركنا خصال الجاهلية فلا يجهلن احد علينا ويدعي حمية الدم أو الشجاعة أو النجدة أو ما شابه من تلك الامور التي اصبحت تدعى مؤخرا تهورا وقلة عقل نحن شعوب تحفظ عراقة ماضيها وتتغنى بأمجادها، انما سقط منا سهوا دون قصد قصص خيالية للشجاعة والمروءة والنجدة وما عاد في سجل مآثرنا سوى قصص الصبر على البلاء والحكمة عند المصائب والشقاء، والصبر علامة مميزة وراع دائم لكل مأسينا. (فإلى أي حد قد يصل صبر أيوب فينا.. و ها قد ذهب الحرث وابيد النسل واثخن الجسد بالآلام.. والعلل نكابدها يوما بعد يوم وهل يكفي حمم الدم مغتسل حارق وشواظ نتجرعه ليل نهار ) حتى يعود القلب سليما والجسد العربي فتيا صحيحا يطرد عوالق الغرب واحذيتهم المهترئة. ماذا يمكن للعربي ان يغير من سمات جبل عليها وحفظها القاصي والداني واصبحت حياته مسرحا لكل لاعب أو ناهب يتوقع ردة الفعل وكيفية الرد والعود من حيث البدء.
حتى ثوراتنا صارت اعجوبة الزمان فقد تقوم ثورة لتقوم عليها ثورة و لتقوم عليها اخرى، حلقة مفرغة اخرى في حياة العربي العجيبة فكيف لا نجهل فوق جهل الجاهلينا.