يُثار موضوع الفيدرالية كحل مثالي للمشاكل و القضايا التي تواجهها اليمن، ويبدو أنه يوجد توجه قوي لتطبيق النظام الفيدرالي الذي يعني تقسيم البلاد إلى مناطق أو أقاليم، وهنا تبرز أسئلة هامة منها:
- ما هي الحاجة إلى النظام الفيدرالي؟ و ما هي مبررات الأخذ به؟
- كيف سيتم تقسيم البلاد؟ و كيف سيتم تحديد الاقاليم؟
- ما هي طبيعة العلاقات بين الأقاليم و السلطة الاتحادية ؟ و ما هي صلاحيات الأقاليم و هذه السلطة؟
هل توجد حاجة إلى الفيدرالية؟
ظهرت فكرة الفيدرالية بعد الوحدة كرد فعل على محاولة احتكار السلطة من أحد الأطراف المتشاركة في الحكم آنذاك، والاحتكار للسلطة كان قد حدث في كلا الشطرين الجنوبي و الشمالي قبل الوحدة من قبل الطرفين اللذين دخلا في الوحدة، ففي الجنوب كان حكم الحزب الشمولي وفي الشمال كانت هيمنة فئة حاكمة على كل مقدرات الدولة والمجتمع، وقد كانت المطالبة بتخفيف الحكم المركزي وتوسيع الحكم المحلي أو الفيدرالية كهدف للتصدي لمحاولات احتكار السلطة، إلا أن هذا التصدي لم يفلح و نجحت الفئة الحاكمة في إقصاء بقية الأطراف و الإنفراد بالحكم الشمولي بمظهر ديمقراطي كاذب.
السبب الآخر لطرح فكرة الفيدرالية الآن هو الهروب من الدعوات إلى حل القضية الجنوبية من خلال الفيدرالية بين الشطرين والذي يعتبر مقدمة للانفصال أو هي نصف انفصال.
بناء على ما سبق فإن الدعوة إلى الفيدرالية هي رد فعل على اشكالات في طبيعة الدولة المركزية، والحل الصحيح و الحقيقي لهذه الاشكالات هو في معالجتها بشكل مباشر باختيار صحيح لطبيعة نظام الحكم الحديث الذي يجب أن يكون قائماً على الديمقراطية الحقيقية الضامنة لعدم احتكار السلطة من قبل قوى متنفذة تهيمن على مقدرات الدولة و المجتمع وإنما يقوم بمشاركة سياسية من كل القوى الاجتماعية من خلال النظام السياسي المحقق لذلك.
التوجه نحو الفيدرالية سينتج عنه حل مفتعل سيكون مفروضاً على الشعب بشكل قسري وليس نتيجة لحركة طبيعية نابعة من حاجة المجتمع، حيث أن الحركة الطبيعية لنشوء الفيدرالية تؤدي إلى تشكل دولة من مجتمع مفكك و ليس العكس كما يراد الآن.
قبل المبادرة بطرح الحلول يجب أن تتحدد المشكلة، ونظراً لأن المشكلة الاقتصادية هي أُمّ المشاكل في اليمن بالإجماع، فإن تقييم حل الفيدرالية يجب أن يكون معياره الأول هو: هل سيساعد ذلك على حل المشكلة الاقتصادية وتحقيق النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي أم أنه على العكس سوف يعرقل ذلك؟
لننظر إلى سيناريوهات التقسيم إلى أقاليم قبل الإجابة على هذا السؤال:
التقسيم إلى أقاليم.
معايير تقسيم البلاد ستكون جغرافية وسكانية، فمن الناحية الجغرافية هناك المناطق التهامية والهضبة والجبال الغربية والنجود الجنوبية والسهول والصحارى الوسطى والهضبة الشرقية. ولا شك أن الطبيعة السكانية والخصائص الاجتماعية لها علاقة بالطبيعة الجغرافية والمناخ من حيث اختلاف الكثافة السكانية و الطبيعة القبلية أو البدوية أو الفلاحية للمجتمعات المحلية. كما أن الخلفية التاريخية أو الأصول القبلية والثقافية تؤثر أيضا على هذه المجتمعات و طبيعتها السكانية.
التقسيم انطلاقا من هذه الخلفيات سوف يوجد أقاليم متجانسة اجتماعياً وسكانياً وثقافياً، في المناطق الجغرافية المشار إليها، فيمكن أن يكون هناك إقليم للتهاميين وآخر لمذحج أوللقبائل البدوية وآخر للحضارم وآخر للقبائل الزيدية أوالشيعية في اليمن الأعلى وآخر للرعية الشوافع في اليمن الأسفل وغير ذلك من بقايا إفرازات التاريخ الغابر الكئيب بصراعاته المناطقية بين دويلاته المناطقية أوبين قبائله ومثال على ذلك: صراع همدان ومذحج الذي استمر قروناً وعلى امتداد مساحة واسعة.
أي تقسيم سوف يعني تنمية ورعاية هويات وتوجهات مناطقية تؤدي حتماً إلى نشوب صراع ينتج عنه عملية تمزيق متعمد وظالم للمجتمع اليمني تعرقل تطوره و تجهض نموه اقتصادياً واجتماعياً بل وتنهي إمكانية نشوء أي دولة تجمعه مستقبلاً، حيث أن المجتمع بعد عملية التقسيم لن يتمكن من التعافي من التمزق.
في حالة إذا ما كان التوزيع السكاني للأقاليم أقل تجانساً وكان خليطاً، فإننا سوف نواجه مشكلة أكبر وهي زرع الصراعات في كل إقليم، فمثلا إلحاق حجة أو جزء من المحويت أو ريمة أو وصاب بتهامة، سينتج الصراع بين التهاميين والجبالية، وإلحاق عمران وجزء من حجة بصعدة وجزء من الجوف سينتج صراعاً بين الشيعة والسنة أو الحوثيين والإصلاح، وإدماج تعز بالضالع ولحج وعدن سينتج صراعاً بين الجنوبيين والشماليين، وإدماج شبوة بحضرموت سيؤدي إلى صراع بين الحضارم وغيرهم، وإدماج إب بذمار سيؤدي إلى صراع بين اليمن الأسفل واليمن الأعلى، وِقسْ على ذلك داخل كل إقليم.
لا ننسى أن أي تقسيم إلى أقاليم سينتج عنه ليس فقط خلق هوية مناطقية اجتماعية محلية ذات تأثير سلبي، بل إن هذه الهوية قد تكون لها خلفية سياسية، فالمناطق الشمالية حوثية والتهامية مؤتمرية والوسطى إصلاحية والجنوبية حراكية، وهكذا سوف يؤدي ذلك إلى تقوية عوامل التصارع والتمزق.
يتضح بأننا أمام مشكلة ستظهر مهما كان التقسيم ومهما كان المعيار، فالإقليم إما أن يكون متجانساً سكانياً فتنمو هويات اجتماعية وليدة ماض غابر بعد أن كانت على طريق الاندثار، وبعثها من جديد سيؤدي إلى تمزيق البلاد وجر المجتمع اليمني إلى صراعات تعيق تطوره ونموه الاقتصادي والاجتماعي، أو أن يكون الإقليم غير متجانس اجتماعياً وثقافياً، فيؤدي ذلك إلى صراع داخل الإقليم نفسه.
الفيدرالية والاقتصاد
المشاكل الناتجة عن التقسيم إلى أقاليم هي مشاكل معيقة لعملية نشؤ اقتصاد قوي وكبير على مستوى اليمن، ومن هذه المشاكل: حصة كل إقليم من الثروات والبحار ومن التوظيف وتوزيع الميزانية على الأقاليم وتعيين الحدود بينها وغير ذلك، وهذه المشاكل ستكون معرقلة لإيجاد المشروعات الكبيرة الاستراتيجية ولتوسيع التبادل التجاري ولاستغلال الثروات بالشكل الأمثل ولإيجاد اقتصاد تكاملي بين الأقاليم قوي وكبير وعلى مستوى اليمن، ولن يخدم التقسيم إلى أقاليم أي توجه نحو حل المشكلة الاقتصادية مطلقا، بل سيزيدها تفاقما وقد يؤدي إلى صراع بين الأقاليم، خاصة في ظل تفاوت الكثافة السكانية والطبيعة الإنتاجية لكل إقليم.
إن اختلاف المناطق اليمنية جغرافياً ومناخياُ وسكانياُ هي وصفة مثلى للتكامل في النشاط الاقتصادي الذي يؤدي إلى إزدهار اقتصادي مع وجود دولة مركزية تقوم بالتخطيط المركزي الصحيح والسليم الهادف إلى تشجيع مبادرات الأنشطة الاقتصادية من مختلف قطاعات المجتمع لتتحرك بحرية اقتصادية في كافة أرجاء البلاد، والنشاط الاقتصادي هذا سيؤدي إلى تعزيز الاندماج والترابط الاجتماعي الذي بدوره يعزز من عوامل الازدهارالاقتصادي.
الرابط الأهم للمجتمع هو وجود الدولة المركزية التي لها طابع الحكم المحلي الفاعل، و الرابط المهم الآخرهو النشاط الاقتصادي على المستوى الوطني الذي يعمل على ربط مختلف القوى والشرائح الاجتماعية في عملية اقتصادية إنتاجية وخدمية فاعلة، أما الرابط المناطقي والقبلي فلم يعد كافياً لإيجاد مجتمع حديث وكبير ومتطور، وإنما يعرقل إيجاد ذلك.
خلاصة موضوع الفيدرالية - التي لانعرف لماذا يتم طرحها - نراه بأنه وصفة لتمزيق البلاد وعرقلة نموها الاقتصادي والاجتماعي ليس إلاّ وبدلاً من أن تكون الفيدرالية حلاً لمشكلة فهي المشكلة بعينها أما الحل الأمثل لليمن الذي عانى طويلاً من عزلة مكوناته الاجتماعية فهو دولة مركزية تعمل على صهره في نظام اقتصادي متكامل وبثقافة متجانسة وتكون هذه الدولة ديمقراطية غير خاضعة لاحتكار الفئات المتنفذة وتكون مرتكزة على حكم محلي فعال في المحافظات التي تنقسم لها البلاد والتي يمكن إعادة النظر في تقسيمها على أسس مدروسة، ولكن الأهم من ذلك هو وجود جهاز للدولة مؤسسي وفعال بكادر مؤهل غير فاسد يخدم الوطن كله وليس منطقته فقط ويتم اختياره بحسب هذه المؤهلات بغض النظر عن انتمائه المناطقي..