يبدو أن صناع أزمات اليمن في الماضي سيحققون لليمن ما عجزوا عنه في حروبهم وتأمرهم في فترة الوحدة الارتجالية سينفذون بنرجسيتهم وشهوتهم للسلطة اليوم بطريقه سلمية فالراصد لتطورات مألات الحوار الدائر منذ نحو ستة أشهر يلاحظ بأن ألوان الطيف السياسي قد وصلوا لنقطة حرجة أشبه بعنق الزجاجة..
يأمل الكثيرون التوصل لصيغة توافقية من شأنها تطويع مفهوم الفدرالية بما يرضى الكثيرون أي يكون حلا وسطيا مابين الحكم المركزي والفدرالية المطلقة بحيث يحق للأقاليم سلطات داخلية دون الرجوع إلى المركز والعبرة بمضمون كل القيم التي يأخذ بها اليمنيون ذلك ان التجارب دلت على المسميات لا تدل على واقع الحال ابتداء من الاسم الرسمي للدولة فالجمهورية غدت توريث وحكم اسري أكثر من الملكيات نفسها كما أن الديمقراطية لم تطبق روحا ومضمونا بل شكلا وديكور تمثل في احزاب وتفريخ أحزاب مواليه وتزوير للمرأة ونحو ذلك من مجملات ومكملات الدولة الحديثة! فأحزابنا لم تستطع حتى تجديد ونقد محطات مسيرتها عن طريق النقد الذاتي ، وهاهم اليوم بحجة الحفاظ على الوحدة وهو حق أريد به باطل كي يدقون المسمار الأخير في وحدتهم الارتجالية التي قامت على قناعات مسبقة لإقصاء الأخر .
وإشكال الحوار اليوم يكمن ببساطة في عبادة النص دون العودة لمرجعية روح القوانين ، فأشكال وهموم اليمن غداة الربيع العربي تختزل في سؤ الإدارة وغياب الدولة المدنية دولة المؤسسات والعدل والمساواة والتوزيع العادل للثروة وحل الإشكال الاقتصادي ، وليست في شكل الحكم أو الفدرالية والمسميات الأخرى وعليه فيمكن اعتماد التقسيم الإداري الحالي مع تعديل بسيط والتركيز على فكرة توسيع صلاحيات تلك المحافظات ولتسمى أقاليم والابتعاد عن المركز مع إعطاء مدينة عدن وضعية خاصة في ذلك الاتحاد وتبقى اليمن كما هى لفترة خمس سنوات قادمة ومن هنا نبتعد عن حساسية مصطلح الأقاليم كما هو الحالي في مصطلح العلمانية فقد دلت الإحداث لدى بلدان الربيع العربي الحساسية من بعض المفاهيم مع الكثيرون ربما لا يعرفون أو يدركون معانيها وإبعادها ، فالعبرة أما ما يسمى بالحكم المحلي واسع الصلاحيات فهي صيغة ناقصة للحكم المحلي بحيث يعكس ما توحي به التسمية، ويقصد به الحكم المحلي الجزئي، وهي درجة تأتي بين الإدارة المحلية والحكم المحلي أما عن النظام الفدرالي فقد يصل ليشمل اللامركزية السياسية في بعض تفاصيلها إلى جانب اللامركزية المالية والإدارية في مضمونيهما، في حين أنه يصبح من حق الوحدات الإدارية للدولة أن يكون لها دساتير خاصة تابعه لها، وحكومات لها وزراء محليين، إلى جانب برلمانات تشريعية، وكذلك حق تأسيس أحزاب سياسية تعمل على المستوى الإقليمي لكل وحدة إدارية من وحدات الدولة جنباً إلى جنب مع الأحزاب التي تعمل على المستوى الاتحادي الفدرالي وهو الأمر الذي سيعقد الأمور في مقبل الأيام بحيث انه سيكون بوابه للانفصال ونستطيع أن نقول بأن الفيدرالية انفصال مصغر يحضر للانفصال الكلي الذي تنادي به أطراف لتقطيع أوصال البلاد أو ربما لمصالحها الأنانية الضيقة أو ربما خدمه لقوى خارجية عرفت مقاصدها وأطماعها .
وأجمالا يمكن القول اذا كان هناك نية للانفصال فسيحدث عاجلا أما آجلا وكما ان الوحدة ليست مقدسة فأن الانفصال نفسه ابغض الحلال وقدرنا اليمنيون ان نعيش هذه اللحظات التاريخية فالانفصال الناعم سيحدث شئنا ام ابينا وسيلد من رحم تشريعاتنا العشوائية المتسرعة فدستور (بريمر) في العراق كان ملغما وبرغم ظروفهم الاقتصادية وتصديرهم عشرة أضعاف من النفط مقارنة باليمن الا ان تلك الموارد والدستور لم يرسم لهم طريقا مفروشا بالورود حيث يحق لكل إقليمين ان يشكلا كيانا سياسيا والاكراد يحلمون بالانفصال اليوم قبل الغد ولكن الظروف الديمغرافيه لقومية الاكراد في دول الجوار تركيا وإيران وسوريا لا تسمح لهم ذلك فضلا على انها ستكون في حال الانفصال لكيان مغلق (يعرف في الجغرافيا السياسية بالدولة القارية) وهى التي لاتطل على منفذ بحري بينما في اليمن لايوجد دول جوار تمنع الانفصال بل بالعكس تشجع عليه وسيكون للكيانات الناشئة منافذ بحرية سواء قسم اليمن لإقليمين أو أكثر وهناك مخاطر ومحاذير داخلية وخارجية فبالنسبة للاعتبارات الداخلية ستكون هناك معوقات في التنفيذ في جانبها الديمغرافي والاقتصادي والقانوني بينما الأسواء العامل الخارجي فجهة قد تتبع دول الجوار وأخرى ستكون مرجعيتها لندن أو واشنطن والبعض طهران وغيرها ، فطالما لم تطوع القيم السابقة من ديمقراطية ونظام جمهوري فبداهة ستكون الفدرالية مسخ في السيناريو المفترض..
وعليه فلا أرى انفراجا قريبا بل العكس في حال اقرار صيغة ملغمة ستكون لمجرد ترحيل القضايا العالقة كما نتجرعه اليوم وستكون بداية سلسلة من التداعيات سيندم عليها اليمنيون ، ففي العراق أصبح إقليم كردستان يصدر النفط دون اخذ الموافقة من حكومة المركز وحدثت إشكالات معروفة ولم يتجه الأكراد للانفصال ليس حباً في الاتحاد مع العراق التاريخي ولكن دول الإقليم في تركيا وإيران وسوريا تضم أكرادا وعليه فأن استقلال أكراد العراق سيمتد لتلك الدول ومن هنا فكل جوار العراق يعادي هذه الفرضية فضلا عن إنها ستكون دولة قارية غير بحرية بعكس الحالة في اليمن فالتوزيع الجغرافي المتوقع يتيح لكل إقليم المسوغات الجغرافية المطلوبة لتكون دولة كاملة الشروط .