بعد كل كارثة لا بد من وقفة من خلالها تتم محاولة فهم ما حدث واستخلاص الدروس والعبر أملاً في تفادي وقوعها مستقبلاً أو التقليل من آثارها السلبية بقدر المستطاع , ما حدث في المكلا من اقتحام لمقر قيادة المنطقة العسكرية الثانية من قبل عناصر إرهابية ليس بالأمر السهل الذي يمكن أن يمر مرور الكرام ولكنه أمر كبير وخطير وله دلالات كثيرة .
من الواضح أن هناك تراخيا ولا مبالاة و عدم شعور بالمسئولية أسهم بشكل كبير في تسهيل مهمة الإرهابيين ومنحهم الضوء الأخضر للبدء بتنفيذ عمليتهم الغادرة والجبانة فعلى مدى الشهور الماضية شهدت محافظة حضرموت أحداثاُ أمنية كثيرة سقط فيها العديد من ضباط الجيش والمخابرات شهداء في كمائن وعمليات اغتيالات نفذها متطرفون بل وصل الأمر إلى ظهور عناصر القاعدة بشكل علني في الشحر وغيل با وزير وأعلنوا عن نيتهم السيطرة على بعض المناطق كما فعلوا في زنجبار بأبين .
كل ما سبق كان يحتم على القيادة العسكرية أخذ المزيد من الحيطة والحذر وتشديد الإجراءات الأمنية حول الأماكن الحساسة والاستراتيجية تحسباً لأي طارئ ولكن يبدو أنه وكما أن للجيش اليمني أعداء كثر من خارجه إلا أن القيادات التي لا تقم بواجبها أو هي دون مستوى التحديات تعتبر عدواً داخلياً وغير مباشر .
أقولها بمرارة وحسرة إن وصول بضعة عناصر مسلحة إلى غرفة عمليات وأحدة من أهم المناطق العسكرية اليمنية وتدميرها وأخذ مجموعة من الضباط والجنود رهائن وإعدام البعض بصورة بشعة هو إهانة وصفعة كبيرة ومؤلمة للعسكرية اليمنية من القائد الأعلى إلى أصغر جندي مستجد وأمر محزن لكل مواطن يمني شريف يحب بلده وجيشه ويتمنى لهما الرفعة والسمو والنصر .
ومن خلال الأحداث التي جرت هناك وأظهرت ارتباكاً واضحاً في التعامل مع الأزمة بل وفشلاً مخجلاً في السيطرة على الموقف في وقت قصير الأمر الذي دفع نحو تفجير أجزاء من المبنى بغية التخلص من المسلحين وهذا يستوجب إعادة النظر في تدريبات الوحدات المتخصصة في مكافحة الارهاب والعمل على رفع مستواها القتالي بما يتناسب والتطورات والأحداث الجديدة .
كما يجب سرعة البدء بالتحقيق في الجريمة وتقديم منفذيها ومموليها ومن تسببوا أو ساعدوا في وقعوها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة سواءاً من الإرهابيين أو من العسكريين أو من تثبت التحقيقات تورطهم وجعلهم عبرة لمن يعتبر ويجب إعادة النظر في التعيينات وإقالة القيادات الغير مؤهلة حتى لا تتكرر المأسآة .
الآن وبعد أن وقعت الكارثة يجب أن نعي وتعي القيادة العسكرية والسياسية للبلاد بعض الدروس وهي:
1_ أن السكوت على الانتهاكات والتجاوزات والاعتداءات والجرائم التي تتعرض لها القوات المسلحة مرة بعد الأخرى أغرى المخربين والمتمردين والارهابيين على التمادي والاستمرار في غيهم وباطلهم وأن استعادة هيبة القوات المسلحة يجب أن تكون من أولويات القيادة السياسية والعسكرية من خلال منحها المزيد من الدعم والرعاية والرد بحسم وحزم وصرامة على كل من يعتدي على أفرادها و منشآتها لأن كرامة القوات المسلحة وهيبتها من كرامة وهيبة الوطن .
2_ أن هذه العمليات الإرهابية والتي تبدو وكأنها عملية انتحار جماعية تهدف إلى زعزعة الثقة في القوات المسلحة والنيل من روحها المعنوية من خلال استهداف أماكن ومواقع يفترض أنها آمنة ومحصنة بشكل جيد وما لذلك من انعكاسات سلبية على المقاتلين وعلى أمن الوطن واستقراره .
3_ أن القوات المسلحة يجب أن لا تكون في موقع الدفاع وكأنها الطرف الأضعف في معادلة الصراع بل يجب أن تستثمر إمكاناتها المادية والبشرية الكبيرة والانتقال إلى موقع الهجوم وتبدأ بشن أعمال عسكرية استباقية تستهدف الإرهابيين والمتمردين في أوكارهم وتحد من نشاطهم وحركتهم تمهيداً للقضاء عليهم .
4_ أن هذه العملية قد تكون جس نبض وبلونة اختبار ربما تتبعها هجمات أعنف وأخطر وأكبر وفي أماكن أكثر أهمية وتكون آثارها أكثر دماراً وضرراً لذا لزم التنويه والحذر واتخاذ كل الإجراءات الضرورية لتفادي ذلك .
5_ أن استسهال دماء العسكريين واسترخاصها هو أمر مخزي وعار على الجميع فلا يكاد يمر يوم إلا وهناك شهداء من القوات المسلحة والأمن وأصبح الأمر وكأنه أمر طبيعي وروتين يومي فهؤلاء هم إخواننا وآباؤنا وجيراننا وهم يقومون بأجل وأشرف عمل وهو خدمة الوطن وحمايته فيجب استنكار تلك الجرائم بحقهم ومعاقبة مرتكبيها بقسوة والتعالي على ثقافة العسكري بدله عسكري لأنه في الأول والأخير هو إنسان وليس خروفاًً يمكن ذبحه في أي لحظة.
كلمة لكل منتسبي القوات المسلحة والأمن مهما قلنا عنكم فلن نوفيكم حقكم ولكن يجب أن تكونوا على مستوى التحدي والمسئولية فأنتم من نعول عليكم في حماية أمننا ووطننا ولكن يا للخسارة !! أصبحنا نبحث عن من يحميكم ولن يحترمكم أحد حتى تحترموا أنفسكم وتحترموا وطنكم وتقدسوا مهمتكم وتخلصوا للزي الذي تلبسوه والعلم الذي ترفعوه .
ختاماً للقوات والمسلحة والأمن والشعب كل التهاني بحلول أعياد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وكل عام والوطن بألف خير .