من المخجل فعلاً أن تنجح يد الإجرام والإرهاب في توحيد اليمنيين بدمائهم المسفوحة وأشلاء ضحاياهم الممزقة ويفشل السياسيون في تحقيق أدنى اختراق لجدار لعبتهم السمجة الدائرة بين الشروط والشروط المضادة والتوافق حول خارطة طريق تحافظ على وحدة وطنهم وامنه واستقراره.
ومن المعيب حقاً أن تخترق مخططات التخريب والتدمير أسوار هذا الوطن ومؤسساته الأكثر تحصيناً ومهابة ويبقى السياسيون أسيري مواقفهم الفئوية والجهوية الضيقة ومنكفئين داخل جزرهم وأبراجهم العاجية بعيداً عن أوجاع البلاد وآلام العباد.
ومن العار أيضا أن تشرع أبواب العديد من المحافظات الجنوبية والشرقية أمام قوافل الإرهاب والسيارات المفخخة فيما يعكف الساسة على التفاوض حول تقسيم وفدرالية وتقطيع هذا الوطن في مملكة الموفنبيك، وفي المقابل ينهمك مناضلو الحراك في شن غزواتهم لتصفية أي تواجد لأبناء المحافظات الشمالية في الجنوب وإرغامهم على الرحيل قسراً بوصفهم غزاة ومحتلين إلى درجة صار فيها كل شمالي غير مرغوب به حتى ولو كان سائحاً.
كثيرون قلقون.. وكثيرون محبطون.. وكثيرون خائفون.. وكثيرون يتسألون حول ما يجري في هذه البلاد؟.. هل هي تداعيات ربيع اليمن الساخن أم هو صراع مناطقي اخذ دوره ليفرض أفكاره وشرائعه المتعددة أم هي مخاضات ثورة لم تكتمل.. أم غير ذلك؟ فإن كان ربيعاً فأي ربيع هذا الذي يدفع بالبلاد إلى حافة الانفجار والانهيار في أيام حبلى بالأحداث والأحقاد وحافلة بتناقضات وسجالات عقيمة تتهدد بسقوط السقف فوق رؤوس الجميع.. لا أحد سيخرج فيها منتصراً بل إن الجميع سيخرج خاسراً ومنكوباً ومهزوماً ومحطماً في كيانه وإرادته.. وإن كانت ثورة فأين هي قيم الثورة وأهدافها النبيلة من ذلك السلوك المتطرف الذى يظهر صارخاً وفضاً ومستفزاً في العديد من المقالات والتصريحات الإعلامية التي تنضح بنفس عنصري ومناطقي مقيت.. فأبناء الشمال مع الأسف الشديد صاروا ينعتون بكل ما هو مشين ومعيب ومخيف ومقرف، فهذا يحذر من استمرار أي شكل من أشكال الوحدة مع الشمال القبلي والمتخلف وآخر يصف أبناء الجنوب بالتحضر ويصف أبناء الشمال بالبدائية والجهالة والفكر الرجعي.
وإمام ما نسمعه ونقرأه ونشاهده فلم تعد الفتنة بين الشمال والجنوب والتي يقوم البعض بتغذيتها وإذكائها مجرد حديث يتداول في منبر خطابي ولا مجموعة هواجس وكلمات تقال في إحدى مقايل القات بل إن علينا أن نعترف بكل جرأة وإقدام بأن الوقيعة الخسيسة باتت تطرق أبوابنا دون أي نوع من الاستئذان إن لم تكن قد دخلت بيوتنا وتعمل اليوم على شق صفوفنا وتمعن في تمزيق نسيجنا فيما نحن نتفاخر أننا ورغم خلافاتنا نجلس على طاولة الحوار ولا نخجل من عجزنا على التصدي لأخطر الفتن التي إذا ما اندلعت فإنها قد تزلزل الأرض من تحت أقدامنا.
رغما عني أخذت أتساءل عن المستفيد من وراء تأصيل ثقافة الكراهية بين اليمنيين؟ فوجدت أن هناك من يعمل بكل دأب وهمة على قتل البقية الباقية من نبرة التعقل عن طريق الشحن المناطقي والعنصري الكريه باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد من وجهة نظر هؤلاء الذى سيجعل من الشماليين يرضخون لخيار فك الارتباط والقبول بانفصال اليمن والتسليم بان الوحدة صارت من الماضي ولابد وأن الذين يتحركون في هذا الاتجاه يسيرون في نطاق منهجية مدروسة تقوم أولا على إقناع الناس بأن ما يعتمل في اليمن هو صراع بين هويتين وثقافتين وثانياً على تزيف وعي البسطاء من أبناء المحافظات الجنوبية ودغدغة عواطفهم بأن الانفصال هو من سيجلب لهم السعادة والرخاء وبحبوحة العيش وأن الجنوب إذا ما انفصل فإن دخل الفرد فيه سيغدو قريباً من دخل الفرد في الإمارات أو قطر إن لم يتجاوزهما وتلك واحدة من الأكاذيب التي يجري تسويقها، خصوصاً منذ أن ظهر النفط في الجنوب مع أن كل المؤشرات التي ظهرت في بعض الدراسات تؤكد على أن ما يختزن في باطن الأرض من ثروات نفطية في الجنوب هي محدودة وهي أقل من ما يتوقع وجوده من مخزون النفط والغاز في المحافظات الشمالية والمثير حقاً أن نجد بعض السياسيين كعلي سالم البيض وحيدر العطاس وعبدالرحمن الجفري وغيرهم من جوقة المتاجرين بالقضية الجنوبية يتحدثون عن أن حرب صيف 1994م قد وأدت الوحدة وأنهت أي رباط بين الشمال والجنوب مع أنهم يعلمون جيداً أن البيض قد أعلن الانفصال في 21 مايو قبل أن تصل القوات المسلحة والتي كان أفرادها خليطا من أبناء الشمال والجنوب أي من المحافظات الجنوبية ومع ذلك فقد قبلنا بأن هذه الحرب كانت خطأ جرى الاعتذار عنه رسمياً من قبل الحكومة لأبناء المحافظات الجنوبية مما يعطي دليلاً على وجود رغبة في الذهاب إلى مصالحة وطنية تؤسس لمرحلة جديدة تجب ما قبلها إلا أن الرد على الاعتذار من أطراف جنوبية تصر على الانفصال جاء سلبياً ومؤلماً ومن دون أن يدرك هؤلاء أن الشماليين هم من تحملوا أعباء ثلاثة حروب شنها النظام الماركسي في الجنوب عليهم تحت إلحاح هذا النظام على الوحدة وفرضها حتى بالقوة فلماذا لم يتم الاعتذار لأبناء الشمال عما لحق بهم في حرب 1972م وحرب 1979م وحرب المناطق الوسطى وكذا التصفيات التي دبر لها النظام في الجنوب بدء باغتيال الرموز القبلية وانتهاء بتصفية الرئيس الغشمي؟ .
وخلال مقارنة بسيطة فلم أجد أن الإنسان الذى ينتمي للشمال يفرق شيئاً عن أبناء المحافظات الجنوبية فهو يدين بالعقيدة التي يدين بها أبناء هذه المحافظات ويتحدث بلغتهم وعاداته لا تختلف عن عاداتهم وجذوره تعود في الأصل إلى جذورهم وليست هناك طهرانية يتميز بها أبناء الجنوب عن أبناء الشمال كما أن هذ الشمالي الذى لا يميز بين جهات الوطن هو من حمل كل مدخراته بعد الوحدة للاستثمار في الجنوب فبنى العمارات والفنادق والمطاعم والمدن السكنية والأسواق ومختلف المشاريع التي كانت تفتقر إليها المحافظات الجنوبية.
بل إننا من رأينا مجموعة هائل سعيد أنعم تبادر إلى إقامة مجمع صناعي في محافظة حضرموت قبل أن يفكر مجرد التفكير أي مستثمر حضرمي بإقامة أي مشروع صغير في هذه المحافظة كما حرصت هذه المجموعة وغيرها من المستثمرين الشماليين على إنشاء الكثير من القلاع الاقتصادية والصناعية في مختلف المحافظات الجنوبية في الوقت الذي كان يتردد فيه العديد من التجار الذين ينتمون إلى هذه المحافظات والمتواجدين في دول الخليج أو خارجها عن المغامرة في إقامة أي مشروع لهم في هذه المحافظات التي تعود أصولهم إليها فهل أخطأ هؤلاء الشماليون لأنهم استثمروا أموالهم في الجنوب وأين الخطأ هنا اذا ما ادركنا أن أحدا من أبناء الشمال قد نقل تراب وأرض وبحار وسهول الجنوب إلى الشمال.
أما من يتحدثون من أن الشمال قد قام بإلغاء دولة كانت كاملة السيادة في الجنوب فنقول لهؤلاء إن الوحدة ليست من كان وراء انهيار دولة الجنوب فهذه الدولة انهارت قبل الوحدة ولم تكن هرولة قادة الحزب الاشتراكي إلى الوحدة سوى مؤشر على الانهيار النهائي لما كان يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والتي لم تكن كما قال أحد الصحفيين العرب لا ديمقراطية ولا شعبية بل كانت عالة على الاتحاد السوفيتي ومساعداته.
فيكفي ابتزازاً وتجريحاً بأبناء الشمال وإذا ما أردتم الانفصال فانفصلوا، فالجنوب تحت أيديكم بالكامل ولم يعد هناك مدير عام واحد أو حتى مدير قسم شرطة من أبناء الشمال في جنوبكم فيما يسيطر أبناء الجنوب على مفاصل السلطة المركزية بنسبة 55% إن لم يكن أكثر كما هو حال مؤتمر الحوار الذى يشكل فيه الجنوبيون الأغلبية فيما الشماليون هم الأقلية وطالما أصبحتم شعب الله المختار ونحن شعب الله المحتار فانفصلوا واتركوا الشمال يعيش في بدائيته كما تزعمون.