قبل أيام عقدت الجلسة العامة الثالثة والختامية لمؤتمر الحوار بحضور رئيس الجمهورية ومبعوث الأمم المتحدةجمال بنعمر في غياب ومقاطعة ممثلي الحراك الجنوبي والتيار الحوثي بذريعة عدم وجود إرادة سياسية لمعالجة القضية الجنوبية والأوضاع في صعدة على أساس الرؤى والأفكار والاتجاهات التي تقدما بها إلى مؤتمر الحوار.
وبعد يوم واحد فقط من الجلسة العامة عمد المقاطعون إلى إفشال التئام جلسة الحوار التالية في فندق موفنبيك قبل أن يجف حبر الكلمة التي ألقاها الرئيس عبدربه منصور هادي والتي دعا فيها أطراف العملية السياسية داخل مؤتمر الحوار وخارجه إلى تضميد جروح الماضي وفتح صفحة جديدة تخرج اليمن من المأزق الذى يتخندق فيها اليوم..
وليس هذا وحسب بل إن من قاموا بتعطيل تلك الجلسة, قد حرصوا على عقد مؤتمر صحفي للتشويش على كل ما صدر من رئيس الجمهورية من وعود لأبناء المحافظات الجنوبية ومحافظة صعدة بشأن تحقيق مطالبهم المشروعة من دون إبطاء أو تسويف وهي الوعود التي اقترنت بتأكيده على أن مؤتمر الحوار سيخرج بعقد اجتماعي جديد يقوم على المواطنة المتساوية واقتسام السلطة والثروة والشراكة الوطنية والتي ستتأسس في نطاق دولة اتحادية يجد فيها كل إقليم فرصته في تنمية ذاته وابتداع الخطط والبرامج الإنمائية والاقتصادية والاجتماعية التي تنسجم مع طموحات أبنائه بعيداً عن تدخلات المركز وهيمنته, كما أن الحوار سيفضي إلى إصلاحات دستورية تعالج الثغرات والأخطاء في القوانين والتشريعات وتحقق التوازن في المصالح والحقوق والواجبات.
ربما لم يكن يليق برئيس الجمهورية أن يرد على بعض مواطنيه في قيادة الحراك الجنوبي والتيار الحوثي, لكن ما لم يكن يتوقعه أحد أن يصل الغرور بالقيادي الجنوبي/ محمد على أحمد إلى ذلك الحد الذى أعطى فيه لنفسه الحق في إقصاء من رفضوا قرار المقاطعة للحوار وشتم كل من شاركوا في الجلسة المفتوحة وكل من يتحفظون على دعوته لفيدرالية من إقليمين على أساس شمال وجنوب ووفق حدود ما قبل عام 1990م لمجرد أنهم الذين رأوا في مثل هذا النظام بداية حقيقية للانفصال لشعورهم أن تقسيم الوطن إلى جزئيين سيدفع بنصف شعبه إلى ذبح نصفه الآخر..
والمثير للاستغراب هنا أن يمر ذلك الخطاب المستفز ودون الرد على صاحبه من قبل مصدر مسئول يتساءل عمن أعطى محمد علي أحمد, حق الحديث باسم الجنوب واحتكار تمثيله وفرض الوصاية على أبنائه على الرغم من أنه ومن معه لا يمتلكون الحق في ادعاء أو حتى تمثيل القرى التي ينتسبون إليها وبما يوضح الصورة للآخرين أن الجنوب ممثل في مؤتمر الحوار بنسبة تتجاوز 52% من قوام هذا المؤتمر وبعدد يصل إلى مائتين وخمسة وثمانين شخصية من مختلف مناطق الجنوب وأن التيار الذى يقوده محمد علي أحمد ليس سوى نتوء صغير في هذا التشكيل الذى يعبّر عن صوت الجنوب بكل حرية.
أن ندرك جسامة المهمة التي تقع على الرئيس هادي في ظل تعدد الأزمات والعاهات المستديمة التي تعبث في هذا البلد وما يتخللها من انفلات أمني وتدهور اقتصادي وانقسامات سياسية, فإننا كذلك من ندرك أيضا أن سموم المناطقية التي يجري بثها في سماء هذا الوطن من أجل تكريس القطيعة بين اليمنيين ليست كلها محلية الصنع وإنما بعضها قادم من لهيب الاحتقانات في المنطقة والتي أثبتت تجربة الأشهر الماضية أن بعض خيوطها تحركها جهات أجنبية لا تريد الاستقرار لليمن أو غيره من البلدان العربية ومع ذلك فليس أمام الناس الخائفين على مستقبلهم ومستقبل بلادهم الذى تفتك به النزعة الانفصالية المناطقية والتشطير النفسي سوى أن يلوذوا برئيس الجمهورية بصفته المسئول الأول والمؤتمن على أبناء شعبه الذين منحوه ثقتهم بعد أن وجدوا فيه الرؤية السديدة والرشد السياسي الذى يمكنه من العبور بهذا البلد إلى شاطئ الأمان وأنه القادر على إطفاء جذوة النار التي تشتعل يوماً بعد يوم وإيقاف حالة التسيب والفشل الأمني وإعادة الاعتبار لهيبة الدولة التي تتآكل على مرأى ومسمع من القائمين على الشأن العام في الدولة والحكومة والذين نجد بعضهم مع الأسف الشديد لا يحرك ساكناً أمام مسلسل التداعيات المتلاحقة التي تستنزف مقدرات هذا البلد وتتهدد مصيره الوطني برمته ويمكن استشراف سلبية هذا البعض من خلال اندفاع أكثر من 16 وزيراً إلى السفر للخارج لقضاء إجازات عيد الأضحى المبارك مع عوائلهم وأسرهم بهدف الترويح عن أنفسهم بعيداً عن صرخات وهموم مواطنيهم والتي كان يفترض أن تحملهم على الاعتراف بالإخفاق الذريع والإقرار بنصيبهم من مسئولية ما يعانيه هذا المواطن الذى فشلوا حتى في تأمين حصوله على خدمة الكهرباء وتوفير الأمن له والحد من تدهور أوضاعه بعد أن يئس من تحسنها.
وانطلاقاً من هذا كله نجد أن مسئولية كبرى ودوراً أساسيا يقع اليوم على عاتق رئيس الجمهورية/ عبدربه منصور هادي ليس لكونه صاحب القرار الأول في البلاد ولكن لأنه أيضا من يرى فيه الناس الملاذ الأخير الذي يشكون اليه همومهم بوصفه من يعلقون عليه آمالهم في إعادة الطمأنينة إلى نفوسهم لعلمهم انه الذى يحظى بإسناد وطني ودعم دولي وإقليمي قلما حظي به رئيس دولة آخر إلى جانب أنه الجهة التي تؤخذ مبادراته بعين الاعتبار والجدية وهو وحده من يعول عليه تبريد الجبهات وترميم العلاقات وتلطيف الخواطر وزجر من يحاولون الركوب على ظهر مؤتمر الحوار الوطني للظهور وكأنهم أكبر من اليمن وأكبر من أي إجماع وطني إلى جانب أن الرئيس هادي وليس جمال بن عمر أو مجلس الأمن من بوسعه إعادة تصحيح الاعتوارات التي رافقت إدارة المرحلة الانتقالية وبالذات انه الذى لا يجهل من أن تخبط هذه الإدارة قد جعلها ضائعة في لجة الأحداث وأنها بسبب ذلك التخبط قد شجعت من حيث لا تدري على تآكل هيبة الدولة أمام جموح الخارجين عن القانون الذين عقدوا العزم على إشعال الحرائق في البلاد كل بذرائعه ودوافعه.
وأمام كل ذلك فإن الواجب التاريخي يدعو رئيس الجمهورية إلى إطلاق مبادرة مصالحة حقيقية بين اليمنيين تفتح الباب أمام إنجاز استحقاقات مؤتمر الحوار يمهد لها بمخاطبة أهلنا في الجنوب مباشرة ومن دون وسطاء ووضعهم أمام مسئولياتهم الوطنية حيال المخاطر المترتبة على استمرار الشحن المناطقي والذي يعمل على تأجيج روح العداء والضغينة بين أبناء الوطن الواحد ومصارحتهم بأن أولئك الذين يتاجرون بقضيتهم لا يسعون إلى معالجة قضاياهم وإنصافهم وإنما هم الذين يبحثون عن مصالحهم ولا تهمهم سوى انفسهم وذلك هو من سيسحب البساط من تحت أقدام من جعلوا من القضية الجنوبية وسيلة للتكسب والثراء وابتزاز هذا الوطن خصوصا وانه لا وجود لأي مؤشر حتى الآن بان هؤلاء سيتجهون إلى تحكيم العقل وتغليب مصالح الوطن على مصالحهم وأنهم الذين سيتوقفون عن ألاعيبهم في إثارة الفتنة التي يتربحون من وراءها بعد مؤتمر الحوار الذى يراهن الرئيس على أن مخرجاته ستشكل البلسم لكل الجروح النازفة.
فقد حان الوقت الذى يجب أن يتحدث فيه الرئيس لأبناء المحافظات الجنوبية ومكاشفتهم بحقيقة أن قضيتهم قد حظيت بالإنصاف وان تحامل من يقودونهم على الشماليين هو تحامل غير مبرر إن لم يكن تحرشا أعمى في حق شركاء لهم في التاريخ والوطن والحضارة والحاضر والمستقبل وأنه إذا ما حصل تجاوزات في الجنوب فان مثل هذه التجاوزات قد حدثت أيضا في الشمال وإذا ما أحاق بهم ظلم فليس المواطن الشمالي البسيط الذى لا يجد ما يسد به رمقه هو من اقترف ذلك الظلم باعتبار أن مثل هذه المصارحة والمكاشفة صارت ضرورية لتفويت الفرصة على الجماعات والقوى التي تريد إحراق اليمن وتسعى إلى تفتيته إلى مقاطعات ومشيخات ودويلات كل واحدة منها تتناحر مع الأخرى.. أما من ينصحون الرئيس بغير ذلك, فهؤلاء لا يسدونه المشورة الصادقة والمخلصة بل إنهم الذين يتآمرون عليه.