يردّد بعض السياسيين اليمنيين المقولة التي مفادها أن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء.. والأرجح أنها في اليمن لم تعد للوراء حتى الآن.. لكن المشكلة كما يبدو أن العجلة لا تتحرك إلى الأمام أيضا !.. رغم أن دورانها جليٌّ وظاهر، وهدير حركتها يصمُّ الآذان.. فماذا يحدث إذن ؟.. ما يحدث أنها تنزل إلى تحت !.. فالعجلة تدور وتدور وتتحرك في مكانها حتى احترق الإطار وتصاعد الدخان والغبار، واتسعت الحفرة وتعمّقت ! وأصبح الركّاب أكثر عصبية وعنفا قبل أن يصبحوا صرعى دائخين.
ولأن الكل صرعى ودائخون بفعل عوادم الدخان المحترق والسموم والغبار المتطاير فقد بدأوا بالتفكير في تقاسم العربة وتفكيكها بدلاً عن رفعها من الحفرة ! مع أنهم يعرفون أن التفكيك لا علاقة له بالمشكلة وأسبابها.. وربما أودى بما تبقّى من أمل في نجاةٍ أو حياة أو مستقبل.
كان يمكن بقدرٍ من الحب والشعور بالمسؤولية والإخلاص ومبدأ المساواة بين الركاب وبقليل من الحزم والحسم من قائد العربة ومعاونيه أن تنهض العربة من عثرتها.. لكنّ غلبة الأثرة والأنانية وعدم الشعور بالمسؤولية والتكالب لدرجة تقاسم العربة ذاتها أضاع الأمل في السير نحو الأمام والخروج من الحفرة المميتة.
العجلة غارقةٌ في الرمال، والعربة توشك أن تحترق، وقائدها ما يزال يرجو من الجميع التوافق !.. فهو لا يريد أن يُغضِبَ أحدا حتى بعد أن سلّ أحدهم خنجرا وخطف مفتاح التشغيل ! وآخر امتشق مسدساً ووضعه على العنق الذي أمامه !.. وكان يمكن بإشارة حازمة، وإرادة حاسمة منه أن يغلق أبواب الجحيم,.. فالتوافق ليس الحل في كل الأحوال !.. وإلا لما كانت هناك قيمٌ يجب احترامها، وقوانين وشرائع تحاسب وتعاقب.
المضحك المبكي أن التوافق بالنسبة للمتجادلين يوشك أن يفضي إلى تقسيم وتقاسم العربة بالفعل !.. والاختلاف فقط أصبح على كم قطعة لكل متقاسم !.. ناسين أن العربة لا يمكن أن تنهض من عثرتها إلاّ بتكاتفهم جميعاً ورفعها والارتفاع بها ومعها !.. لكنهم وبعناد، مصرّون على تفكيكها بعد أن أصبحت طريحة غبائهم، وضحيّة حمقهم وأنانيتهم.
حتى هذه اللحظة ما تزال العجلة تهبط بالعربة ومن فيها إلى الأسفل بينما يظن الجميع واهمين أنها تدور وتتحرك للأمام.. وقائد العربة لا يكفّ عن حثّ الجميع على التوافق بالحسنى.. وكأن الجميع ملائكة !.. وحتى الملائكة طلع لهم إبليس ! فما بالك بالبشر في اليمن !.. هل كان لا بدّ أن تتوافق الملائكة مع إبليس ولو بالتواطؤ ؟!.. إذن لفسدت السماء والأرض !
حقائق الحياة والتاريخ تؤكد جدليّة الخطأ والصواب، الحقيقة والزيف، المنطق والجنون، الصدق والكذب.. التقدم والتخلف، العلم والجهل، التوحّد والانقسام.. ما يجب وما لا يجب !.. ولو توافقت وتواطأت هذه الحقائق على الطريقة اليمنية لما تقدم العالم الذي نراه ولا نعيشه للأسف !.. ولما وصل الإنسان إلى المرّيخ.. تذكّروا هذه الحقائق أيها الواقعون في حفرة التواطؤ والتوافق !
احترقت العجلة وتوقفت العربة، وما يزال الجدل محتدماً والبحث عن التوافق جارياً.. وقع البعض مغشيا عليه، وطعن أحدهم الآخر وأمسك الجميع بتلابيب بعض، وما يزال الجدل محتدما والبحث عن التوافق جارياً !.. يوشك الجميع أن يموت عطشاً وجوعاً ويأساً بانتظار التوافق !.. التوافق على ماذا ؟ على تقاسم وتقسيم العربة ؟!.. يا جماعة العربة واحدة ويستحيل أن تقوم من عثرتها بتفكيكها وتقسيمها !.. ولا يمكن أن تقوم لكم أو لها قائمة إلا بتكاتف وتعاضد الجميع.. وبكون العربة كاملةً سليمةً للجميع.. لكن لا أحد يسمع أو يفهم أو يعي.. كأن مسّاً أصابهم، أو ذئباً أولغ في دمائهم.. فاشتعلوا نَهَمَاً وطمعاً، وأنانية وفتكاً بكل قيمة ومعنى !
ها نحن في اليمن نشهد وفي لحظةِ مصيرٍ فارقةٍ وكئيبة، وبأمِّ أعيننا أن حركة التاريخ لا تعود للوراء فحسب.. بل تنزل إلى تحت !.. وللأسف فإن النخبة الخائبة تظن بالوهم أنها تتقدم للأمام.. وبأحلام اليقظة أنها تعانق بيارق النصر !.. ووحدهم الأطباء النفسيون قادرون على دراسة الظاهرة.. واقتراح المعالجة !