من الأرشيف

طائرة بلا طيار .. وطن بلا سيادة !

بدايةً، فإن مقتضى الإنصاف أن نقول إن هذه المشكلة أورثها نظامٌ سابق لنظام لاحق . والفارق أن الرئيس السابق كان يزعم أن الدولة هي التي تنفذ ضربات الطائرة بلا طيار ! وهي كذبةٌ لم تعمّر طويلا ! بينما أعلن الرئيس اللاحق وفي حوار تليفزيوني صريح أن ذلك تنفيذٌ لاتفاقية أمنية لم يكن له يدٌ فيها بين الولايات المتحدة الأميركية واليمن .. وأكد أن الضربات في عهده لا تحدث إلا بعد موافقته !..

لكننا وبعد أن تأكدنا من فداحة النتائج العكسية لهذه الضربات نطلب منه وباعتبارنا مواطنين في هذا البلد، وباعتباره رئيسا منتخبا لدولةٍ مستقلة ذات سيادة أن يعلن إلغاء الموافقة على العمليات العسكرية الأميركية عبر الطائرات بلا طيار على الأراضي اليمنية، وأن يتكفل الجيش والأمن في اليمن، ومن ورائهما الشعب كله بهذه المشكلة التي تتفاقم بسبب الصواريخ العابرة للقارات القادمة من البحر وكذلك قصف الطائرات بلا طيار التي تجاوزت هذا العام ولأول مرة عدد مرات القصف في باكستان وأفغانستان ووفقا لتقرير المنظمة الدولية هيومن رايتس ووتش الصادر منذ أيام عن اليمن وفي صفحاته الموثقة والتي تجاوزت المائة صفحة.

التقرير مدعّمٌ بالصور والمقابلات والشهود ويخلُص إلى أن أعداد أفراد القاعدة في اليمن تضاعف ثلاث مرات خلال الثلاث سنوات الماضية بسبب قصف الطائرات بلا طيار والصواريخ العابرة للقارات القادمة من البحر !

ويُبيّن التقرير أن نتائج قصف الطائرات فادحة، وأخطاءها كارثية، وأن ضحاياها من المدنيين الأبرياء أكثر من المسلحين الأشقياء وأن القضية في الغالب أصبحت عملية ثأر وردّة فعل مدمّرة تستغلها شراذم من القاعدة كي تضم المئات وربما الآلاف الغاضبة التي تُقسِم على الأخذ بالثأر والانتقام !

الثأر من الدولة والانتقام من جنودها ومعسكراتها بينما تدار هذه العمليات من غرف مغلقة وآمنة ومستفيدة من المساعدات الأميركية .. هذه فحوى التقرير !

إن نار الثأر الغاضب، وحمم الحقد اللاهب في صدور الجموع من أهالي وذوي الضحايا الأبرياء وجد في شراذم القاعدة النصير والمعين والمتنفس، ولذلك فإنه لا شيء يسعد القاعدة المحصورة والمحاصرة أكثر من قصف الطائرات العمياء التي أصبحت مثل مدافع القرن السابع عشر .. تدمر ماخلفها أكثر مما هو أمامها ! فالضحايا المدنيين الأبرياء أكثر من المطلوبين الأشقياء !

يجب ألا ينبهر البعض بتكنولوجيا القتل الأعمى لشعبه وأهله .. فالنتائج وخيمة وعكسية ويكفي أن أشير إلى تحذير لم يلتفت اليه أحد للأسف من قائد المنطقة السابعة الأربعاء الماضي ينبه إلى احتمال سقوط محافظة البيضاء في يد القاعدة !.. ولا عجب إذا عُرف السبب .. فالثمرة ناضجة بعد أن أحرقها الكيماوي وأنضجتها القنابل العنقودية !

التنسيق الأمني مشروع بين الدول بما لا يتناقض وسيادة هذه الدول، والتعاون الفني جائز لمصالح واستقرار الشعوب، ولكن إذا خرجت النتائج عن الأهداف فإن الاتفاقيات ليست زواجاً كاثوليكياً لا يمكن الفكاك منه ! ثم إن الطائرات العمياء ليست الحل الأوحد ولن يظل الشعب اليمني حقل تجارب إلى الأبد .. فهذا لا يجوز ولا يليق !

لعلّ الأوان قد آن لفتح حوار حقيقي مع هذه الجماعات التي لانعرف عنها شيئا والتي يقال أن بعضها تابع لمراكز قوى معينة ! لكن الأجهزة الأمنية عاجزة عن إثبات ذلك فما بالك بإعلانه ! هل هي عاجزة حقا ! نريد حوارا يتلمّس المشكلة، وينير سُبُل الفهم للآلاف من الغاضبين الموتورين .. وهذا ليس شأن الدولة وحدها فحسب، بل شأن كل منظمات المجتمع المدني، وأحزابه، وجامعاته وهيئاته, وإعلامه وأعلامه .

لا أتوقع كثيرا من مؤتمر الحوار الحائر أو قليلاً من مجلس النواب الخائر .. فالتقاسم ألهاهما عن الوطن وسيادته، والشعب ومعاناته، كما أن السقوط مدوٍّ لقامات ورموز كانت ذات يوم طلعة الأمل، وإشراقة المُقل لأجيال وعقود .. وللأسف، فإن الكل غائص وغارق في مستنقع المناطقية بأسمائها البالية والجديدة !

لقد ولّى زمن " كل شيء تمام يا فندم " ! ويجب أن يذهب هذا الزمن إلى غير رجعة .. ولأن البلد لا يحتمل المزيد من المجاملات والكذب فإن مهمة رائد القوم أو من يُفترض أنه كذلك أن يدق أجراس الخطر, وأن ينبّه إلى طُرق السلامة .. والندامة على حدٍّ سواء ! أما الذين يدسّون رؤوسهم في الرمال فلا تتوقع أن يفعلوا شيئاً .. لأنهم يرون بأقدامهم بدلاً عن عيونهم ورؤوسهم المغروسة المنكوسة !

زر الذهاب إلى الأعلى