من الأرشيف

شباب تحت الشمس

استطاعت نخب التقاسم العاثر والتحاور الحائر أن تهيل التراب على ثورة شباب اليمن 2011 .. ونجحت في أن تُسدل ستائر النسيان على أروع صفحات اليمن الحديث على الإطلاق.

من ينسى تلك الوجوه التي أضاءت شوارع اليمن بالحلم والأمل أو ينسى تلك العيون التي أسالت نُبل شجاعتها ونقاء أحلامها على إسفلت المواجهات الأسود المغمور بالرعب والموت , والرصاص والملثمين في شوارع صنعاء وعدن , وتعز , والحديدة , وعتق , والمكلا , وإب , وذمار .. ودار سلم !..

من ينسى مسيرة الحياة الراجلة من تعز .. تلك المسيرة التي لم يحدث مثيلٌ لها في أيّة ثورة أو دولة في العالم !.. تعز !.. ماذا فعلنا بتعز ؟!.. يريدون تغييبها في قبو الأقاليم ودهليز المخاليف وهي التي فاضت حتى غمرت بلادا , وأحيت تلادا .. كيف نسينا أجمل ما فينا , وأروع ما اختلج في قلوبنا وأضاء في عيوننا .. أحلام الشباب وثورتهم وتضحياتهم في سبيل يمن جديد وليس يمنا مهترئاً تائها وحائراً !

ليت المتقاسمين المتحاورين تذكّروا ولو لهنيهة تلك الصباحات المشرقة بالحلم والعنفوان أو استعادوا ولو لبرهة تلك المساءات المشتعلة بالنقاء والشجاعة والمسؤولية , والتضحية والإيثار .. ليتهم يفعلون ! ربما لغسلوا أرواحهم من أدران الأثرة والمناطقية , وتذكروا أسماءهم ووصايا جدّاتهم !

لم يكن للشباب يدٌ في ما يحدث الآن !.. انتشار فيروس الأقاليم لم يكن من أحلام الشباب أو في خلدهم .. وإن أُصيبَ بعضهم بالفيروس بعد إلحاحٍ وإغواء !.. وهذا ما يجب أن يعرفه البعض ممن حمّلوا وزر ما يحدث وما سيحدث على ثورة الشباب بدلا من تحميله على النخب المصلحية المتقاسمة , وضباع السياسة الهائمة القادمة من أصقاع الجهل والحمق والأنانية.

كانت مهمة الشباب أن يدقّوا أجراس الخطر وأن يضربوا بأكفّهم خزّان الموت كي ينتبه الشعب من غفوته , وتستيقظ البلاد من رقدتها.

في قصة "رجال تحت الشمس" لغسان كنفاني مات الثلاثة رجال داخل خزان المياه الفارغ والقادم من البصرة إلى الكويت.. ماتوا اختناقاً جرّاء انعدام الهواء وبفعل حرارة الشمس بعد أن حاول السائق تهريبهم داخل الخزان في طريقهم للغربة في الكويت.. صرخوا ولم يسمعهم أحد,.. ودقّوا بأكفهم جوانب خزان الموت الحديدية ولم ينتبه لهم سائق أو سائس أو عابر !

في اليمن لم يصرخ الشباب فحسب.. بل صدّعوا جوانب خزّان الموت حتى أطلّت قبضاتهم المجرّحة الدامية من خلاله !.. بينما السائق ومعاونوه غافلون غائمون لا يسمعون ولا يعُون.

لو أن النيّة كانت حسنة لَأعطي الشباب نصف الحكومة وإدارة المحافظات على الأقل , وحتى تكون فترة انتقالية مثالية تعيد للبلاد روحها وآمالها ونقاءها .. ولكن الضباع المتطفلة العرجاء التي تقتات بقايا المعارك وتعيش على رمم الضحايا أطلّت بأعناقها الملتوية وأنيابها المشْرعة ولم تُبقِ على لحمٍ أو عظم !

الآن يشكل الشباب الثائر أقل من 5%من أعضاء مؤتمر الحوار , ذلك المؤتمر المدين لدماء الشباب وتضحياتهم .. وهو المؤتمر الذي يشارك فيه حتى بعض مرافقي مَن جلس على منصّة المؤتمر وأدار حواراته ! بل ويشارك فيه مَن لا يعرف من دنياه سوى أن يصنع كوشة الأعراس وتزيين السيارات !.. يا له من عُرس !

زر الذهاب إلى الأعلى