[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

مخاض عسير لولادة متعسرة

في أجواء محبطة وتساؤلات الرأي العام حول مآلات الحوار السياسي اليمني المُتعثر والذي ‏انطلق في مارس الماضي والمفترض أن ينهي أعماله قبل نحو شهرين ولكن ما ان وصل ‏لعنق الزجاجة لوحظ انسداد الأفق السياسي لجملة اعتبارات منها ان المتصارعين في المشهد ‏السياسي اليوم لم يستوعبون طبيعة المرحلة بل لم يعترف البعض اصلا بحتمية التغيير ‏وضرورة التحولات التي هى سمة الحياة،..‏

وقد وصف مبعوث الأمم المتحدة بأن هناك شخصيات يمنية معرقلة ليس للحوار فحسب بل ‏للعملية السياسية برمتها متزامنا بتداول مواقع وصحف تلك الأسماء المكونة من نحو خمسون ‏شخصية سياسية الطريف إنها من كل ألوان الطيف والمتصدر للمشهد السياسي سواء ممن ‏يحسبون من الحرس القديم أو ممن ناصروا الثورة وجهوياً من كل أنحاء اليمن شمالاً وجنوباً ‏عسكر ومدنيين وقبائل ومن يحسبون أنفسهم من التيار الديني وغيرهم وبغض النظر عن تأكيد ‏وصحة تلك الأسماء أو الافتراض بأن البعض ليس منغمسا في تلك المناكفات ولكن المؤكد بأن ‏اغلب تلك الأسماء هي المتصدرة للواقع السياسي اليوم، وبالفعل فأن لسان حال اليمني البسيط ‏أن هؤلاء هم من يتحكمون في مصير اليمن ومن يسيرون الحوار وفق أجندتهم وأهوائهم ولو ‏بنسب مُتفاوتة رغم اختلافهم الظاهري، ولا يُعتد بأطروحاتهم ومنابرهم وأعلامهم فأغلب ‏هؤلاء يبدون للسذج لأول وهلة بأنهم حريصون على وحدة اليمن ولكن كل منهم له أهدافه ‏وطموحاته،أو على الأقل رؤيته التي لا يريد أن يزاحمه احد فيها، صحيح أن رحيل كل هؤلاء ‏القوم يعد ضربا من المستحيل وأنها تدخل في سياق الأماني والتمنيات ولكنهم في واقع الحال ‏هم سبب الحالة آلت إليها الأمور على النحو الذي نعيشه من تأكل الدولة وانهيار المنظومة ‏الأمنية بشكل مخيف ومقلق فعلا وعليه فاليمن مقبلة على تحولات كبيرة وهى في منعطف ‏حاسم رغم محاولات الطابور الخامس من الحرس القديم العودة لقمة السلطة ولو بواجهات ‏مختلفة.‏

فالربيع العربي في نسخته اليمنية فريد في مسبباته ومآلاته التي اسُتهلت بتخلي النظام السابق ‏بشروط تعتبر لصالحه وبحصانه لم يكن يحلم بها أي رئيس نظام شمولي سابق فلم يكن ذلك ‏التنازل حبا في اليمن أو بدافع حسن النوايا بل من طبيعته ودهائه هو الانحناء أمام العاصفة ‏وهو ما ميزة عن بعض رؤساء الأنظمة الاستبدادية المُطاح بها، لقد كانوا بالفعل مكرهين لا ‏أبطال.‏

فاليمن منذ تدويل الأزمة اليمنية وصدور قرارا مجلس الأمن رقم 2014 في أكتوبر من العام ‏‏2011 دخل في وضع استثنائي وتحت الوصاية الإقليمية والدولية كما أن الآلية التنفيذية التي ‏يتشدق بها أعداء التغيير والتحولات هي أيضا حق اريد به باطل وهى في حقيقة الأمر سيفا ‏مسلطا عليهم وبمثابة إعلان دستوري استند إلى قرار مجلس الأمن المشار إليه حيث علق ‏بعض القوانين النافذة وكل ما من شأنه عرقلة العملية السلمية في اليمن أي إنها بمثابة خارطة ‏طريق لحين الانتخابات المقررة والمفترضة في فبراير 2014، وهم بهذا يلعبون في الوقت ‏الضائع..‏

‏ ومن هنا فتهديد الرئيس الحالي لمعرقلي العملية السياسية لم يأت من فراغ كما انها ليست ‏من بنات أفكار المبعوث ألأممي جمال بن عمر بل أتت بدفع إقليمي ودولي وليس مزاحا ولن ‏تنفع من تضرروا بهذه التحولات تدفق أموالهم، وقوتهم المادية التي لا زالوا يسيطرون عليها، ‏لقد كتبت في مقال سابق بأن اليمن لن تقوم لها قائمة إلا بتواري ورحيل من عبث بمقدرات ‏اليمن زهى ثلث قرن من الفساد المطلق وتلاعب في بنية الدولة والمجتمع ووأد حلم اليمنيين ‏بالوحدة، بل وكفروا بالديمقراطية (الديماغوجية) التي غدت مجرد اسطوانة مشروخة لا ‏تنطوي على شعب يرنو للاستقرار والنمو وكأنهم منتقمون من هذا الشعب الذي كافئوه (بجزاء ‏سنمار) حيث منح جلاده حصانة لا يحلم بها ومع ذلك يظل يمارس العبث والتأمر، وقريبا قد ‏يقدم مجلس الأمن على عقوبات بناء على التقرير الذي سيقدمه مبعوث الأمم المتحدة لليمن ‏السيد جمال بن عمر وعليه يفترض وفق ذلك ان يخضع هؤلاء تحت الفصل السابع من ميثاق ‏الأمم المتحدة في حق أي طرف يعترض التسوية السلمية واستكمال عملية انتقال السلطة ‏سلمياً..‏

في هذه الظروف الحرجة والفلتان الأمني والانهيار الاقتصادي تحتاج اليمن وغيرها من ‏بلدان الربيع العربي إلى التوافق بين النخب على رؤية واحدة سياسية واقتصادية واضحة، ومن ‏ثم الولوج لأولويات تنموية محددة تقوم على تداخل الانفتاح السياسي والأخذ بالديمقراطية ‏والتنمية الاقتصادية، فالمواطن البسيط تواق لرؤية مؤشرات في تحسن أحوالهم المعيشية التي ‏تسوء من يوم لآخر.‏

فاليمنيون ضاقت بهم حالة البرزخ بين ماضٍ مؤلم ومستقبل مؤمل ومنشود بعد عقود ‏لسيطرة نظام مسخ استطاع بديماغوجية مفضوحة ان يمزج بين الأنظمة الشمولية والشكل ‏الديمقراطي، وأن يأخذ بعيوبها كلها ومن هنا فقد كان منذ بدايته فاقد الشرعية المفقودة أصلا، ‏وهو كسائر الأنظمة الاستبدادية تتناقض في طبيعتها مع الديمقراطية وفلسفة حقوق الإنسان، ‏والأمثلة على ذلك كثيرة في اليمن وغيرها التي تمجد الرئيس القائد الضرورة، الأمر المضحك ‏والمستغرب بأنه في ظل هذه الأوضاع المتردية ومؤشرات انهيار الدولة يسعى للعودة وكأنه ‏المنقذ مع انه سبب وصول اليمن لهكذا حالة!‏

فصعوبة المرحلة وتداخل المشاكل وتقاطع المصالح فأن اليمن بالفعل على مفترق طرق ‏ويبدو انه يسير نحو المجهول والهرولة لما سمى بالفدرالية مع ان مشكلة اليمن ليست بشكل ‏الدولة ولا بنوع النظام وإنما في غياب الدولة المدنية التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق ‏والواجبات ويسودها العدل والإنصاف وقيم الديمقراطية والدولة اللامركزية، ومن هنا فأن ‏جميع اليمنيون المؤمنون بوحدة اليمن أرضاً وإنساناً دولة ومجتمعاً مطالبون بتجنب السقوط ‏في مستنقع المشاريع الصغيرة وفي فخ الحلول الجاهزة والتي تجعل من الفدرالية حلاً وحيدا ‏مع ان هناك حلولا بديلة للخروج من المركزية المفرطة ومنها خيار اللامركزية الإدارية الذي ‏نعتقد أن من شأن الآخذ به أن يُمكن سكان كل محافظة من إدارة شئونها المحلية بصلاحيات ‏إدارية كاملة، وبصورة تقضي على الفساد والمركزية التي كانت سبباً تمركز وتمحور السلطة ‏لدى دائرة ضيقة وكانت أيضا احد أسباب إعاقة التنمية وتكريس التخلف ليس في المحافظات ‏الجنوبية بل في جميع محافظات اليمن.‏

فالدولة الوطنية التي شكلت بعد استقلال هذه الدول التي اندلعت فيها ماعُرف بثورات الربيع ‏العربي يفترض في إنها قامت في البداية على أساس تحقيق الدولة المدنية والحرية وحماية ‏استقلال اليمن ولكنها في اليمن فشلت للأسف منذ أكثر من نصف قرن في سلسلة من ‏الإخفاقات، وحالت دون قيام دولة القانون والمؤسسات، وأصبحت النقيض المهدد للحريات، ‏وعرضت الاستقلال من جديد لمخاطر حقيقية، ونجني ثمار ذلك اليوم في انتهاك حرمة الوطن ‏أرضه وسمائه ومائة وإذلال أبناء اليمن في دول الجوار، كل ذلك نتاج سياسة ممنهجة لعقود ‏كان ثمنها استمرار النظام وكان الثمن ارتهان القرار اليمني فمن عوائق الديمقراطية في اليمن ‏وغيرها من بلدان الربيع العربي هي عدم ترسيخ قيم الثقافة الديمقراطية الحقيقة، وتمحور ‏السلطة في الزعيم والعائلة والحزب والجيش، وهذه بداهة كوابح للحد من المشاركة والمنافسة ‏وتحول دون مبدأ التداول السلمي للسلطة، ويراد من هذه الحكومة المُسخ التي نصفها من ‏الحرس القديم والنصف الآخر من المعارضة الغير متجانسة أن تقوم بضربة سحرية في إبداء ‏حلول لمشاكل تراكمت منذ عقود فلا يصلح العطار ما أفسده الدهر.‏

زر الذهاب إلى الأعلى