من الأرشيف

التحالف الاضطراري بين المؤتمر والإصلاح لإنقاذ الدولة

تزداد التحركات الدبلوماسية والسياسية في اليمن مع احتدام مواضيع مؤتمر الحوار المنعقد في صنعاء وترتفع حدة الضغوطات الأجنبية التي تمارس على القوى اليمنية للقبول بحلول مفصلة من جهات أجنبية تحاول أن تختم التحولات في اليمن بحلول كارثية تهدد بطور أعمق من الأزمات.

الطريق الكارثي والذي يبدو أن أطرافاً خارجية تعمل على توجيه اليمنيين إليه، هو خيار "شكل الدولة"، إذ تم تعليل كافة الأزمات والتحديات بشكل الدولة، لجعل الحل وحيداً وهو التنازل عن الدولة البسيطة وبدء تأسيس دولة فيدرالية مركبة، وهو الحل الذي تقول إغلب المؤشرات أنه ليس أكثر من خارطة طريق تؤدي إلى التشظي واللادولة في ظل وضع اقتصادي وأمني هش وفي ظل انعدام أية ضمانات. والعذر هو إرضاء الأصوات الانفصالية والجماعات المسلحة!

هذا الطريق الكارثي يأتي ضمن الحلول الفندقية التي اخترعتها الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها للدول العربية التي تشهد صراعات أو أزمات وهي السودان والعراق والصومال .. وكلها تجارب ناجحة في توسيع دائرة الصراعات وطريق الفوضى الهلاكة والتشظي المتعدد الأوجه.

لقد اعتاش السياسيون اليمنيون زمناً من علف شائعات تخديرية كحرص "المجتمع الدولي" على أمن واستقرار اليمن، ثم اتضح مع الأيام أن الوصاية الأجنبية (ولا وجود لمجتمع دولي) تحاول فرض الحلول التي ترسخ أسباب الفوضى.. وبالنسبة للمصالح فإن من يدعي الحرص عليها يستطيع السيطرة على المناطق الاستراتيجية بنفسه بعد إيصال البلاد إلى الصفر وإقامة مناطق خضراء. وإلا أين الدعم الاقتصادي ولماذا تقديم اشتراطات اقتصادية على الحكومة تؤدي إلى مزيد من الضغط عليها؟

ومنذ البداية كانت النتيجة الأولية لمؤتمر الحوار والتدخل الغربي في اليمن هي نقل الصراع من الأطر السياسية بين سلطة ومعارضة وثورة ونظام ليصبح التصنيف جغرافياً على أسس شمال وجنوب، ويصبح اجتماعياً من خلال مسارات التقسيم. بينما في الأصل الأزمة اليمنية هي أزمة سياسية واقتصادية وليست أزمة مجتمع وهوية. ولم يكن شكل الدولة يوماً هو السبب الذي يشتكي منه المواطن، باستثناء الأصوات التي كانت محسوبة على جهات خارجية قدمت مثل هذا الطرح.. إلا أنه أصبح في عهد الوصاية الدولية في هذه المرحلة الانتقالية الخيار الأوحد والمفروض وإن كانت كل المؤشرات تقول إنه حل كارثي في ظل هذه الظروف!

خلال الأيام الماضية بدا واضحاً ارتفاع حجم الضغوطات والتحركات الأجنبية التي تضغط على أبرز القوى السياسية للقبول بالحلول المعلبة والجاهزة والتوقيع على إلغاء ما تبقى من المؤسسات الدستورية وإلغاء شرعية الجمهورية اليمنية بوثائق تعد ارتداداً عن الوحدة، وإحلال شرعية الجماعات الخارجة على الدولة وكل ذلك كان حصيلة التدخلات الأجنبية والصراعات المحلية بين قوى العمل السياسي.. وربما أن السياسيين لم يكونوا يتوقعوا هذه الجرأة من قبل الوصاة باستغلال المرحلة لاقتسام البلاد ونقلها إلى المجهول!.

**
إن هذا التهديد الوجودي الذي يواجهه اليمن يتطلب أولاً إعادة تشخيص سريعة والإجابة على السؤال: لماذا حدث كل هذا؟ ولماذا وُضع اليمنيون أمام خيار كارثي مُلح؟ هل عليهم بالضرورة أن يتنازلوا عن كل المكتسبات الوطنية دفعة واحدة؟ أو يكونوا مهددين بتقارير المبعوث الأممي جمال بنعمر والعقوبات الدولية وعصا مجلس الأمن؟

الجواب الواقعي هو أن كل هذا حدث على هامش الصراع الحزبي بين القوى السياسية التي وصلت خلافاتها في 2011 إلى الميادين وبدايات إلى الصراع المسلح.. الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه للأطراف الخارجية بالتدخل السافر والسعي لتمزيق البلاد وسحب البساط على الجميع.. وما دامت هذه القوى متناحرة فيما بينها فإنه يمكن تحقيق هدف أكيد للأعداء بإسقاط اليمن وتقسيمه بدون حرب. كل ما يحتاجه الأمر هو الضغط على هذا الطرف باستخدام الطرف الآخر بقضايا لا تخدم يمنياً واحداً بقدر ما تهدد الجميع بلا استثناء.

إزاء ذلك فإن الحل الإجباري في طريق إنقاذ البلاد هو التحالف بين أبرز القوى السياسية التي تصارعت فيما بينها ونخص بالذكر المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح كخيار إجباري البديل عنه هو سقوط البلاد وتحقيق أهداف أعداء اليمن والعروبة والإسلام .. واكتمال دائرة الفوضى والتقسيم على الدول العربية. (لا قدر الله)..

المصلحة الوطنية العليا تقتضي أن يتصرف الحزبان الرئيسيان اللذان تصارعا، كأنهما ولدا اليوم، رغم كل الجراح ورغم كل الصراعات والوفاء للشهداء يفرض أولاً الحفاظ على البلاد، لأنه إذا ما قورنت الأزمات والتضحيات التي جرت خلال السنوات الماضية بما يمكن أن تصير إليه البلاد فإنها لا تساوي شيئاً.. ولنا أن نقارن العراق ما قبل الاحتلال بعراق ما بعده، والصومال الذي كان يشكو الصراعات والاستبداد في عهد الدولة وصومال ما بعد السقوط.

وذكر الإصلاح والمؤتمر لا يعني إهمال بقية القوى الوطنية والتي على رأسها الأحزاب كالتنظيم الناصري وكذلك بقية التيارات والقوى الاجتماعية والدينية.. ولكن بدرجة أساسية يجب أن يلتقي الإصلاح والمؤتمر كأنهما بدأ العمل السياسي اليوم. ذلك أن الضغوطات الخارجية على القوى بالتوقيع على وثيقة مخرجات الحوار التي تمزق البلاد وتلغي ما تبقى من المؤسسات الدستورية أمر لا يجب السماح بتمريره.

وننبه هنا الإصلاح والمؤتمر بأن الفرص مهما كانت ضيقة الآن إلا أنها ستكون أصعب بعد التوقيع على أية وثيقة تقر رسمياً التصنيف الشطري وتمهد لإلغاء الدستور.. ذلك ان الطرف الذي يضغط للتوقيع على هذه الوثيقة يستعد للتدخل العسكري لفرضها. ويدعم توسيع بؤر الصراع في محاولة لإيصالها إلى مرحلة اللاعودة.

إلغاء شرعية ما تبقى من المؤسسات الدستورية كمجلسي النواب والشورى وإلغاء شرعية الدستور الحالي يعني إحكام السيطرة للوصاية الأجنبية التي تمارس أنشطة مشكوك فيها والتمديد كذلك هو تمديد لها. وعلى قادة القوى السياسية أن يدركوا أن عليهم تقديم التنازلات ونسيان الماضي من أجل المصلحة العليا للبلاد، وإلا فعليهم تحمل المسؤولية التاريخية أمام الله وأمام الشعب وأمام أحزابهم.

ونشير في هذا السياق إلى أنه، حتى الأطراف التي تطالب بالانفصال وتحمل السلاح، كالحراك والحوثي لن تستفيد من هذا الطريق، بل يتم استخدامها كأدوات لتحقيق أهداف معادية وصراعات محلية لن يسلم منها أحد. وبصورة أشمل: لن تستفيد أية قوة أو منطقة أو مجموعة من السكان من هذا الطريق الذي يفرضه الوصاة. الكل سيعود إلى حلقة يعجز عن السيطرة أو التحكم بها. حتى أصحاب النوايا الشريرة لن يربحوا في نهاية المطاف، ما يحدث ليس مطلباً شعبياً ولا هدفاً تقدمياً ولن يحقق انتصاراً لأي جانب محلي، بل هو استهداف للدولة وانتصار للفوضى وقفز إلى المجهول. وجميع الأدوات التي يتم استخدامها لشد الأطراف وطعن البلاد من الإمام ومن الظهر، ستمحى فور تحقيق الهدف، للتخلص من آثار الجريمة.

في الفترة الماضية كان الحديث عن التقارب أو التحالف يواجه بالاستخفاف نتيجة التعبئة، لكن التهديد الوجودي يجعله أمراً من الواجب أن يعمل الجميع لأجله مهما كانت الصعوبات. مع الإشارة إلى أن الماضي ذهب ولن يعود أحد للاستئثار بالسلطة ولن يتكرر الماضي، لكننا الآن أمام خطر كبير: إما يتقارب الداخل أو تنجح إسرائيل ومن معها في تقسيم اليمن والفتنة بين اليمنيين، ولنا أن نستفيد من العراق.

زر الذهاب إلى الأعلى