من الأرشيف

ثوراتنا الحزينة

من المؤسف ان الطبيعة البشرية يعتريها بعض القنوط واليأس أو الكثير منه رغم اليقين ‏بحكمة الله وقدره، ولذا تسيل اقلامنا ألما لحال المسلمين وما جنته ثوراتهم الشقية فهي لم تزدهم ‏الاشقاء وخرابا، رغم اليقين بوجوب قيامها أو حتمية التغيير، ولكن اعداء الحياة من حولنا ‏يحفرون الاخاديد تلو الاخاديد حول اكتمال الامر أو انقضاؤه على خير.‏

لقد اضحت ثورات الربيع العربي سببا في وصول العرب إلى المراتب السفلى في المعايير ‏والمقاييس الانسانية للدول وبدلا من خلق حالة من التفاؤل والامل خلقت هذه الثورات مزيجا ‏من الاحباط والنقمة على الوضع برمته وتفاقمت المشاكل المرضية للمجتمعات العربية اكثر ‏او فاحت رائحتها حتى اوجعت القلوب والعقول واستفحل داء الفساد كأنما انعشته دماء جديدة، ‏حينها ردد البعض ان شعوب العرب وقعت فريسة سهلة لمؤامرة عالمية صهيوأمريكية لزعزة ‏امانها واستقرارها الافسادي المميز

وتوقف العقل العربي عن التفكير في مخرج غير نزاع قائم على من يحكم في النهاية ومن ‏جهة اخرى حوارات فاشلة منفصلة عن واقع الحال بل صار الامر اكثر سوءاً عندما ردت كل ‏اسباب الفشل لفكرة التغيير والثورة نفسها وبالتالي صب الغضب على مشعليها كجماعة معينة

خلال عشر سنوات ونحن نبكي حال العراق وما فيها من نسف للبني التحتية وفقدان مروع ‏للأمان والحياة الكريمة في ابسط صورها تلك التي وفرها نظام صدام حسين البعثي فقد كانت ‏العراق في المصافي الاولى للدول العربية في حضارتها العمرانية والثقافية ودمرتها حرب ‏التحرير الملفقة حتى اتى علينا اليوم الذي نبكي فيه عهد صدام حسين بكل مساوئه ومحاسنه.‏

العراق التي كانت حاضرة العرب في الثقافة والادب اصبحت معلما للموت والدمار ‏والخراب تنهش اجساد ابنائه المتفجرات والعبوات الناسفة في الاسواق والتجمعات البشرية ‏حتى صار العراقي يفكر في الانفراد بنفسه في كوكب بعيد خوفا ان يتبعثر جسده اثر انفجار ‏مجهول قام به مجهولون في زمن مجهول .‏

وللأسف عدو العراق المجهول ابو لؤلؤة معلوم للعيان خاض ضدها الحروب قبل سنوات ‏طويلة فلما اوجعه صمودها عاد بوجه آخر و بين يدي حليفته راعية السلام ومحررة الشعوب ‏من كرامتها عاد ليعيث في العراق فسادا من داخلها ومن فوق كرسي الحكم .‏

الان اصبحت اغلب الدول العربية إن لم يكن كلها صورة اخرى لما تتعرض له العراق أو ما ‏يحدث فيها، هي ذاتها المؤامرة الطائفية وإذكاء النزاعات بين مختلف الطوائف، تفجيرات ‏مجهولة هنا و هناك واغتيالات في ظل انفلات امني وصراع على السلطة مع تتبيلة من ‏التقطعات القبلية الخاصة بالدول الاكثر تعصبا وتخلفا .‏

انما الشعب العراقي لم يثر ضد صدام حسين فلم يكن الدمار الحاصل عليه بفعل هذه الثورة ‏بل كانت ثورته مستوردة وغير محلية الصنع مما يعني جودة افضل في الإداء فلماذا نصيب ‏الاسد في الخراب والدمار طيلة اكثر من عشر سنوات ؟

هل لأن أمريكا وحلفائها يتآمرون على بلاد العرب بتصدير ثورات ظاهرها الخير وباطنها ‏الشقاء وانها تسعى لتشكيل شرق اوسط جديد بعد اغراقنا في فوضى عارمة وتخبط اشد ..ام ‏اننا نمر في فترة نقاهة بعد مرض عضال وهذه اعراض جانبية لعلاج قوي التأثير فلا ينبغي ‏ان نغرق في اليأس والاحباط ونستسلم لفكرة المؤامرة.‏

زر الذهاب إلى الأعلى