قيل أنّ مُبشّراً إنجليزياً حاول مراراً أن يُقنع أحد الهنود باعتناق النصرانية دون جدوى. ولمّا لمْ يُفلح في إقناعه سأله: ألا تحب الذهاب إلى الفردوس! فقال الهندي: لا لا! فسأله باستغراب.. ولماذا!؟ فأجابه الهندي: لأني لا أحب الاجتماع مع الإنجليز في مكانٍ واحد فقد يفكرون باستعماره إذا استطاعوا!
بالطبع هذه مجرّد نكتة، وربما قيلت ايام كانت بريطانيا امبراطورية لا تغيب عنها الشمس كما قيل! لكنني تذكرت النكتة قبل ايام وأنا أتابع النشاط المعلن ونصف المعلن لبعض السفراء إخوةً وأصدقاء! يلتقون بأبناء محافظات يمنية محدّدة ويركّزون على مدينة بعينها مثلا! وأظن أنه لا ضير في ذلك من حيث المبدأ لو كانت أحوال اليمن مستقرّة والدولة تسيطر على كل شاردة وواردة في البلاد، لكنّ ما يُقلق حقا أن يحدث ذلك والدولة خارج نطاق التغطية!
لكنّ بعض السفراء يستحق التحية، وبعضهم التحية والإشادة. وما زلت أتذكر مقالاً لديبلوماسيّ الماني غادر صنعاء قبل أشهر وودّعها بمقال طويل نشرته جريدة الثورة في صفحاتها. تحدث الديبلوماسي الالماني المغادر بصراحةٍ مُحبّةٍ رائعة عن مشاكل اليمن واليمنيين وكأنه يكتب عن بلاده! تحدث بعقلِ إداريٍّ، وروح مفكّر! قال ما معناه.. علاجُ اليمن كامنٌ في دولة المواطنة المتساوية واحترام القانون وتطبيقه، والديمقراطية، والتنمية، وأنه لا يهم بعد ذلك شكل الدولة! قالها الديبلوماسي الالماني ولمْ يقُلها غيرُه!
الالماني يتحدث عن المواطنة المتساوية في وطنٍ واحد، وغيرُهُ للأسف لا يكاد يرفع عينه عن زاويةٍ هنا من اليمن أو ركنٍ هناك!.. ذلك لا يليق حضرات السفراء المبجّلين! والحليم بالإشارة يفهم! من فضلكم تعاملوا مع الدولة أولا وثانيا ورسميا.. ذلك ما تعارف عليه العالم.
لسنواتٍ طويلةٍ، كانت دول مجلس التعاون الخليجي تُصرّ على ضرورة تأهيل اليمن كشرطٍ مسبق لانضمامه للمجلس.. سنوات طويلة من الحديث عن ضرورة التأهيل دون البدء في التأهيل! حتى وصلنا إلى هنا! اي حتى تم تأهيلُنا إلى مكان آخر للأسف!
يُذكّرني ذلك بحكاية طريفة عن رجلٍ كان يمشي على ضفّة نهر حين سمع صوت استغاثة. التفت الرجل ناحية النهر، فأبصر رجلاً يُخرِج ذراعيه ويصيح طالبا النجدة.. فسأله الرجل: لماذا تصيح ؟! أجابه: ألا ترى أنني أغرق! فسأله الرجل: لماذا لا تعوم! هل تريد أن أشرح لك كيف تعوم! إنني مستعد أن اشرح.. هل أنت مستعد لتسمع!.. كان الغريق قد انتهى إلى قاع النهر وهو يعاني سكرات الموت بينما الرجل على الشاطئ يشرح شروط التأهيل للسباحة الماهرة!
المراهقون السياسيون الجاهلون بالتاريخ، والذين هلّلوا طويلا للاستفتاء في السودان واحتفلوا بتقسيمه بعد ذلك حائرون هذه الايام وواجمون! فهم لا يعرفون سببا لاندلاع المعارك الشرسة في جنوب السودان الدولة المستقلة الجديدة.. عشرة آلاف قتيل خلال عشرة أيام! لقد نكش ذلك أوهامهم!.. يتساءلون بغباء: لماذا يتقاتلون! لقد حقّقوا حُلمَهم في أن يصبحوا دولة مستقلة.. ويتقاتلون!.. غريبة!.. أقول لهم: أنتم الغرباء عن الفهم والتعلم! تقتاتون الحماقة وتغتذون بالكراهية ولن تفلحوا أبدا!