من الأرشيف

لعبة الدم إلى أين؟

هي لعبة، ولعبة قذرة تتنافى مع كل القيم الدينية والأخلاقية، وتتصادم مع مبادئ التعايش والمواطنة. ولم تشهدها بلادنا في تاريخها القديم والوسيط والحديث. كانت هناك حروب ومنازعات وانقسامات لكنها لم تأخذ هذا الطابع الإجرامي القذر، طابع الاغتيالات العشوائية بكل ما تثيره من رعب وشكوك، وتبذره من دوافع للثأر والتأصيل لعداوات داخل المجتمع الواحد المتجانس. وما يبعث على الفزع، إن الغموض ما يزال يكتنف ملف الاغتيالات حتى الآن . وهو ما يجعل أصابع الاتهام تتجه إلى أكثر من جهة، وهنا مكمن الخطر وما سوف تسفر عنه الأيام -إن استمر المسلسل في التصاعد- من تداعيات واحتمالات لا حدود لآثارها وردود أفعالها. ويبدو أن الذين يمارسون هذا الفعل الشنيع لا يهدفون من ورائه إلى زعزعة النظام وإقلاق حالة الأمن بقدر ما يحاولون تحويل الوطن إلى مسرح شامل للاغتيالات والاغتيالات المضادة.

نحن أبناء شعب عربي مسلم لا أقليات بيننا، ولا وجود لأثنية عرقية، وليس لنا من كتاب سوى القرآن الكريم، هو مرجعنا جميعاً، به نهتدي ونسترشد، وله في موضوع قتل النفس البشرية أكثر من درس تقشعر له المشاعر والأبدان، ويكفينا منه، تلك الموعظة الخالدة عن ابني آدم عليه السلام، وما كشفت عنه من أبعاد منطقين اثنين هما: منطق الحقد والإصرار على الإثم والجريمة، ومنطق العقل والحكمة. الأول منطق قابيل القائم على القتل والتخلص من أخيه، والثاني منطق هابيل الذي أوضحه القرآن بجلاء لأهمية ووضوح صحته: قال تعالى: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنّيَ أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ * إِنّيَ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظّالِمِينَ}، ياللمفارقة الصارخة بين منطق ومنطق، ويا لهذا الصوت الإنساني الجليل وما يتضمنه من درس عظيم ليس للمسلمين وحدهم وإنما لكل البشر دون استثناء فئة أو طائفة، فالخسران، كل الخسران، هو للقاتل الذي يبوء بإثمه وإثم قتيله.

ومن هنا لا أظن أن إنساناً يحمل في قلبه ذرة من الإيمان يقبل أن يكون داعية للقتل أو أداة للقتل تحت أي زعم أو غرض لما للنفس الإنسانية من قيمة معنوية عند خالقها من ناحية، ولما يتركه القتل من ترويع للجنس البشري على اختلاف ما بينهم من شرائع واتجاهات. وإذا كان الاختلاف من طبائع البشر، ومن سنن الكون وقوانينه الثابتة فإن مواجهته لا تكون باجتثاث الطرف المختلف أو اجتثاثهما معاً، لما في ذلك من عدوان على حق الإنسان في أن تكون له وجهة نظر تجاه أمور الحياة تختلف عن وجهة نظر أخيه، ولما في ذلك أيضاً من يأس مطلق بعد إمكانية وصول الأطراف مهما تباعدت وجهات نظرها، إلى حلول وسطية معقولة تمنع أي طرف أو تمنعهما معاً من الوصول إلى المواقف العدوانية البغيضة، وما يترتب عليها من إصرار لا تقف عند حدود أطراف النزاع وإنما تتعداها إلى الآخرين، وهو ما يحدث في واقعنا المحلي وفي الواقع العربي والإسلامي.

أن يهتم المواطن بوطنه، ويسعى جاهداً إلى حمايته ومقاومة حالات الركود والإغماء الشعبي تلك مهمة نبيلة ومطلوبة، لكن وفق قواعد وضوابط وطنية وأخلاقية لا تسمح للأحقاد الشخصية والتطلعات الذاتية في إفساد مبدأ المقاومة والخروج، ولا تتيح للفوضى مجالاً يندس من خلاله أصحاب النوايا السيئة من القتلة، والباحثين في الأحداث عن منافذ لإشعال الفتنة والتمكين للفوضى، وما يصدر عنها من إخلال بالأمن وتعطيل للأعمال وإفساد لمشاريع التنمية إلى آخر المؤثرات المخيفة التي بدأنا نشهدها منذ وقت غير قصير، ونتابع مجرياتها بقدر هائل من الشعور بالخوف والقلق لا على مصير الأفراد بل على مصير الوطن نفسه.

الدكتور مقبل العمري في ديوانه الأول:
«السفر إلى أيام الضباب» هو عنوان الديوان الأول لأستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة جامعة الحديدة. ويضم الديوان مجموعة من القصائد الوطنية البديعة والمحافظة على النظام العمودي في أحدث تشكيلاته الفنية، ومن أجمل قصائده تلك التي حاكى بها شاعر اليمن الكبير الأستاذ عبدالله البردوني «أبو تمام وعروبة اليوم» وأنكر فيها ما حدث من خلاف بين مصر والجزائر بسبب كرة القدم فأسمى القصيدة «كرة القدم وعروبة اليوم» يقع الديوان في 163 صفحة ومن إصدار مكتبة خالد بن الوليد.

تأملات شعرية:

خدعوك إذ قالوا:
تحرَّرت البلادْ.
خدعوك إذ قالوا:
توحدت البلادْ.
هذا الدم المسفوك
فوق الأرض يكتب
ما يخالف قولهم
وبأحرفٍ حمراء داميةٍ
يسّجل أننا لماَّ نزل
في عهد عادْ!!

زر الذهاب إلى الأعلى