أرشيف الرأي

الحوثيون.. بين الفعل ورد الفعل!!

على الرغم مما قدمته حركة الحوثي أو (أنصار الله) كما اطلقت على نفسها مؤخراً من رسائل وما تبنته من المواقف وما اظهرته من مرونة في سياق طرحها السياسي والاستشرافي لمستقبل اليمن اثناء مشاركتها في مؤتمر الحوار الوطني إلا انها في كل هذه الرسائل والمواقف لم تفصح عن مشروعها والإطار المرجعي والسياسي والأيديولوجي الذى ستستند اليه في نشاطها خلال المرحلة القادمة، وهل ستتحول إلى حزب سياسي وتندمج في معترك الحياة المدنية وتتخلى عن السلاح الذي حصلت عليه من بعض الاطراف الاقليمية أو عن طريق الحروب التى خاضتها ضد الدولة في السنوات الماضية، ام انها التي لن ترضخ لمطلب كهذا حتى وإن اقتضى الامر منها مواجهة الدولة وجيشها باعتبار انها التي اعدت نفسها أو اريد لها ان تشكل فصيلاً مسلحاً يحاكي نموذج حزب الله في لبنان؟

وفيما تحرص حركة الحوثي على الالتزام بخطاب سياسي تغلب عليه اللغة الهادئة والسلمية فإن الشعار الذى يرفعه مقاتلوها في صعدة وحاشد وعمران وارحب (الموت لإسرائيل.. الموت لأمريكا)، ويموتون دونه هو (أي الشعار) برنامج عملي وتطبيقي متكامل يحمل الطابع السياسي والتثقيفي بصورة تعكس التلازم بين الحالتين الامر الذى جعل من نوايا هذه الحركة محل شكوك وريبة لدى بعض القوى السياسية والمدنية على الساحة اليمنية والتى ترى في إصرار الحوثيين على توسيع نفوذهم في المحافظات الشمالية انما يجسد الرغبة في فرض نفوذهم على تلك المحافظات بعد ان وجدوا في المشهد السياسي المعتل فرصة العمر لفرض مثل ذلك النفوذ والاستقواء بضعف الاخرين للظهور كقوة مؤثرة على ارض الواقع توازي قوة الدولة إن لم تتفوق عليها بل ان هناك من يعتقد ان مشاركة الحوثيين في الحوار لم تكن سوى تقية تروم إلى التمكن وتكريس مشروعها خارج اسوار محافظة صعدة.

عند تحليل مسارات الحركة الحوثية سنجد انها من تميزت بقدرة فائقة في إرهاق الخصوم وهو ما تجلى في سعيها الواضح إلى حسم السيطرة على بعض مناطق شمال اليمن قبل الاعلان عنها كإقليم ضمن النظام الاتحادي الجديد من خلال المواجهات التى خاضتها مؤخراً ضد قبيلة حاشد كبرى قبائل اليمن التى تتزعمها تاريخياً اسرة آل الاحمر حيث ان رمزية هذه المعركة تتمثل في استهدافها لمكانة تلك القبيلة التى ظلت تحتفظ بحضور قوي في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ان لم تكن قد تجاوزت في بعض المراحل حضور الدولة ولابد ان اجتياح الحوثيين لكل مناطق نفوذ اكبر مشايخ اليمن الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الاحمر بتلك السرعة المذهلة قد احدث خلخلة قوية وهزة غير عادية في بنيان التوازن الذى ساد اليمن خلال العقود الخمسة الماضية وهو ما فسره البعض على انه مقدمة تفتح الطريق امام توازنات جديدة ستشهدها الساحة اليمنية في المرحلة القادمة وهو ما استشعرته الرموز القبلية بعد الضربة القاسية التى تعرضت لها قبيلة حاشد من قبل المليشيات الحوثية ما دفع بها إلى التداعي والالتقاء على وجه السرعة لمطالبة الدولة بالتدخل والتصدي للتمدد الحوثي.

ومع اننا لسنا ضد استنجاد القبيلة بالدولة.. لكن ما يؤسف له حقاً ان من يتحدثون اليوم عن دور الدولة في مواجهة تمدد الحوثيين هم من نسوا أو تناسوا انهم من كانوا وراء إضعاف الدولة وإسقاط هيبتها وإظهارها ضعيفة امام سطوة القبيلة وتمرد المليشيات المسلحة ومنها مليشيات الحوثي التي وإن لم تتأطر في اطار حزبي وسياسي يلتزم الدستور والقانون فإنها التي ستسقط بثأر القبيلة والدولة..

زر الذهاب إلى الأعلى