[esi views ttl="1"]

حضور الدولة في أماكن الخطر

زيارة وزير الداخلية إلى عدن وأبين تعكس أهمية أن تكون الدولة في الواجهة، وأن يذهب ‏مسؤولوها إلى أماكن الخطر. أي مسؤول يعين بقرار جمهوري لابد أن يذهب إلى أماكن ‏الخطر، لممارسة دوره بحيوية بين الناس وأماكن الحاجة إلى دوره ومسؤوليته؛ لا أن يذهب ‏للمعاملة على الامتيازات والسيارات المدرعة والمصفحة. ‏

يذكرني وزير الداخلية الذي لم يستقر بمكتبه منذ تم تعيينه بالشهيد سالم قطن الذي اغتالته ‏أيادي الغدر والإرهاب في عدن 18 يونيو 2012. كتبت حينها مقالاً عن الشهيد الذي ذهب ‏إلى خوض المعركة مع الإرهاب ولم يضع باعتباره أمنه الشخصي كما فعل سلفه الذي اهتم ‏بالسيارات المدرعة والمصفحة والمواكب المموهة وكأنه وأمنه الشخصي هو الهدف وليس ‏المهمة والمسؤولية التي عُين من أجلها.‏

يذكرنا وزير الداخلية عبده الترب بالشهيد سالم قطن، ولابد من قول كلمة في حقه؛ وأرى أن ‏رد الفعل الإيجابي الذي لاقاه في أوساط الرأي العام كان مهماً لكي يدرك أن العمل الجاد ‏والمسؤول الذي يحترم مسؤوليته يجد صدى لدى الجمهور الذي بإمكانه تمييز وفرز المتربعين ‏على مواقع المسؤولية العامة من خلال أدائهم وليس من خلال الدعاية والاستقطاب الحزبي.‏

عبده الترب من صنف الشهيد سالم قطن، والشهيد الحي محمود سالم الصبيحي قائد المنطقة ‏العسكرية الرابعة الذي نجا من عدة محاولات اغتيال، وأصيب هو عدة مرات وكان يمكن أن ‏يكون بجوار رفيق سلاحه الشهيد سالم قطن و «الرفيق الأعلى» لولا عناية الله التي جنبته ‏الموت المحقق عدة مرات.‏

التواجد في مناطق الخطر إلى جوار الجنود والضباط هو أكبر تضامن معهم من قبل وزير ‏الداخلية، وينبغي أن يحذو حذوه كل المسؤولين، ذلك أن استهداف الجيش والأمن والمذابح التي ‏تعرضوا لها يهدف إلى تقويض المؤسستين العسكرية والأمنية، وهو الهدف الأساسي ‏للجماعات الإرهابية «وحلفائها».‏

وأجدني هنا أسترسل في ذكر الشهيد سالم قطن؛ لأقول إن اليمن لا تخلو من الرجال الذين ‏يبرزون ليقولوا لنا إنهم استوعبوا معنى التضحية الذي ضرب مثله.‏

والدرس الذي أراد سالم قطن أن يعلمنا إياه درس مزدوج يتجاوز الواجب العسكري وتفاني ‏القائد الكبير في القيام به، إلى معانٍ أكبر تتعلق بتقديم نموذج قيمي وأخلاقي يتوخى من خلاله ‏ترسيخ قيم جديدة تكون مثالاً يحتذى للجيل الجديد من شباب اليمن، قيم جديدة تبنى على أنقاض ‏القيم النفعية التي نتجت وترسخت في المجتمع خلال السنوات العجاف، وكرست القيمة العليا ‏لقاطعي الطريق والشطار الذين يلهثون وراء المصالح الذاتية، ضاربين عرض الحائط بكل ‏القيم والأخلاق والمصلحة العامة، وغير آبهين بما ينال الآخرين من أضرار نتيجة أفعالهم..!‏

التواجد في مناطق الخطر هو واجب الدولة ومسؤوليها؛ وليس اللهث وراء بدلات السفر. من ‏المخجل أن تكون السفريات لمسئولين إلى خارج اليمن أكثر من السفريات إلى محافظات اليمن ‏ومواقع مهامهم ومسؤولياتهم، حتى أنهم ضربوا رقماً قياسياً في السفر تجاوز الحكومات ‏الفاسدة كلها.‏

ننتقد الحكومة ووزراءها كما فعلنا دائماً منذ بدايات المرحلة الانتقالية؛ من «موقع الحرص ‏على تحقيق المصلحة العامة لليمن واليمنيين؛ وليس من موقع « الكامنين تحت السطح» من ‏مطابخ الرئيس السابق ومنظومته الذين يقفزون إلى كل فراغ ليملأوه، وإلى كل خلل ليوضفوه ‏من أجل « باطلهم » الذي يتوخون «غسله» ليغشى عيون الناس فيصير «حقاً» وليفسحوا ‏أمامه طريق العودة بهذه الصيغة أو تلك.‏

وفي هذا السياق تتبدى أجندات العائلة الكامنة التي فقدت السلطة وتعمل بكل ما في وسعها ‏من أجل العودة إلى الواجهة؛ تتبدى أجندتها وكأنها قد أثمرت إلى حد بعيد من خلال استثمار ‏كل سجل التعثر والإخفاقات، و خلط الأوراق، واتساع التشققات، واضطراب التحالفات، ‏وتداخل الأجندات الإقليمية مع السلطوية المحلية، مع الطائفية؛ لتنتج خلطة غريبة وعجيبة ‏خلاصتها كلها هي عودة الطرف الأكثر تماسكاً والأكثر دراية بألعاب السلطة والأكثر إمساكاً ‏بأدواتها : الرئيس السابق ومنظومته؛ عودة الرئيس السابق ومنظومته هو النتيجة الطبيعية ‏لالتحام الأجندة الإقليمية الاستئصالية مع الوضع الداخلي المرتبك والغامض؛ وهذه العودة ‏ستأخذ أكثر من صيغة مموهة فيما لو قُدر لبرنامجها أن يمضي دون عوائق حتى نقطة النهاية.‏

‏***‏
لا يحتاج المانحون ورعاة المبادرة إلى زيارات جمال بنعمر لكي يدركوا خطورة الوضع ‏القائم في اليمن؛ وضرورة الوفاء بالتزاماتهم إزاءه.‏

إحجام الدول المانحة ورعاة التسوية في اليمن يحولهم إلى شريك في العرقلة والفوضى التي ‏تلف اليمن بأحابيلها وشرورها؛ وليس كما يظهرون بكونهم شركاء في دعم اليمن وتمكينه من ‏تجاوز مرحلة الخطر والانهيار.‏

انتهت المرحلة الانتقالية فيما «الدعم المنتظر» لم يأت. هذا الإحجام والتنصل يحيلنا إلى ‏الشك بأجندات «الداعمين» ورعاة «التسوية» وحقيقة أهدافهم من الانغماس في الشأن اليمني ‏إلى قاع «الفصل السابع» ودلالاته.‏

لا طريق لإنقاذ اليمن وتصويب المسار المهرول نحو الهاوية سوى بمراجعة جميع الأطراف ‏في اليمن لحالة الاستقطاب والسعار والصراع المدمر التي انخرطوا فيها حتى لكأنها تكاد أن ‏تغرقهم وتغرق البلد كلها في هاويتها السحيقة!‏
الاعتماد على الخارج خيار غير مجدٍ. والذي لم يأتِ قريباً، لن يأتي بعد ذلك.‏

زر الذهاب إلى الأعلى