مجتمعاتنا العربية حساسة جداً تجاه المصطلحات، وغالباً لا تبذل جهداً كافياً في تعريف هذه المصطلحات، وتفكيك مضامينها بالشكل الصحيح.
تستطيع أن تروج مفهوماً ما، وتعبئه بما تشاء من حمولة، فينتشر هذا المفهوم بين الناس، ويتحول تهمةً، يمكن إلصاقها بمن تشاء من المخالفين، من دون أن يُدقَّقَ جيداً في مضمون هذا الاتهام، من حيث واقعيته، أو كونه اتهاماً من الأساس.
وقد لعبت الأنظمة هذه اللعبة طوال العقود الماضية، من استخدامها الشيوعية والقومية والناصرية والليبرالية، وغيرها من المصطلحات في تحطيم مخالفي سياساتها، ونجحت في تحقيق أهدافها في غالب الأحيان، لذلك، هي مستمرة في هذه الأساليب.
أخيراً، ازدهرت التهمة "الإخوانية" في الساحة العربية، وفجأة، أصبح كلّ ما له علاقة بجماعة الإخوان المسلمين رجساً من عمل الشيطان، فلا يجب الاقتراب منه، أو الحديث عنه، أو التوقف لحظةً عن إدانته والإساءة له. وأصبحت لهذه التهمة اشتقاقات لا نهاية لها، فمن الممكن أن تكون قومياً إخوانياً، وليبرالياً إخوانياً، بل وحتى نصرانياً إخوانيّا! إنها حفلة جنون لانهائية، يمكن فيها أن تقول ما تشاء، طالما أن السيد قرر شيطنة هذا الطرف، وإقصاءه عن الساحة.
دعونا نعارض الفكرة من داخلها، من زاوية الموافقة على جملة الاتهامات الموجهة ل "الإخوان"، لا من باب من مخالفتها، ونسأل الأنظمة الحبيبة على قلوبنا، إذا كان كل هذا الخطر مرتبطاً بالجماعة، وتنظيماتها المختلفة، فأول من يستحقون السقوط أنتم: كيف لم تنتبهوا لهذا الخطر طوال تلك السنين، وكيف تحالفتم مع "الإخوان" في أكثر من بلد خليجي وعربي، وكيف سمحتم، بل ساعدتم، على انتشارهم، وتغلغلهم، في المواقع المختلفة للدولة؟ نحن موافقون على خطر الإخوان، وأنتم– لا "الإخوان"- أول من يجب أن يعاقب، فقد صنعتم هذا الخطر، وتواطأتم معه طوال عقود.
إنكم لا تستحقون ثقتنا التي منحناها إياكم، وأول من يجب أن يرحلوا هم أنتم! نخرج، الآن، من عباءة النظام، ونتحدث من خارجه.
لا مشكلة لهذه الأنظمة، أيها السادة، مع أحد، ومستعدة لقبول كل طرف.
إنها منفتحة إلى أبعد مدى، وقادرة على التعامل مع الجميع، الإخوان واليسار والليبراليين والقوميين، المسلمين والمسيحيين، العرب والعجم، الإنس والشياطين، بشرط واحد، ومن دون نقاش حوله، الموافقة على سياساتها وعدم الاعتراض عليها إطلاقا. افعل ذلك، وتفضل معنا، هذا هو الشعار المرفوع، وإلا فالشيطنة بانتظارك، وما بعد الشيطنة أيضا، وعلينا أن نتذكر، دائماً، وجود إخوان "صالحين" وطيبين، يزوّرون النظام ليلاً، يردّدون كلاماً طيباً، ويسمعون مثله، وهؤلاء لا تشملهم تهمة "الأخونة"، المتوحشة في خطابنا السياسي والإعلامي، ويتحولون إلى حليف ودود وموثوق به، وتصبح المسألة معهم إسلاماً نقياً معتدلاً مدعوماً، طالما أن الشرط الأساسي تحقق، فلا سياسة ولا مشاركة.