الجاهزية الذهنية التي يمتلكها محمود ياسين لا تضاهى. ليست فقط ثقافته وقدراته ككاتب وأبعاده المتعددة ومنابعه العميقة ، بل والأهم جاهزيته الذهنية وقدرته على الإحتشاد وجمع إمكاناته وأدوات حفره وعدته اللغوية في اللحظة الموضوعية التي يريدها ؛ الجاهزية الذهنية والروحية التي تمكنه من مزج كل هذه الأبعاد ودمجها في جملته ككاتب لا تملك إلا أن تأخذ نفساً عميقاً مرفوقاً بنظرة إمتنان وإعجاب وأنت تفرغ من آخر كلمة في مقالته ، بوسته ، روايته ، سرده أياً كان.
إنه يسحرك ويملأ وجدانك بالغبطة ؛ في الوقت نفسه الذي يرتقي فيه بالمنطق إلى ذروته ، وبالجدل الفكري والسياسي إلى مستوى عالي من قوة الحجة ؛ وفي الوقت نفسه أيظاً يحرر الجملة السياسية من جفافها المألوف والمعمم ، لتقرأها وهي نابضة بالمعنى ، وغنية بالإحالات المتعددة والإبداع الذي يمتلك اللغة إضافة إلى قوة الفكرة ووضوحها.
لا أعلق هنا على مقالة بحد ذاتها ، أو بوست محدد ؛ بقدر ما أعلق على محمود ياسين كظاهرة إستثنائية في حياتنا الثقافية وفضاءنا السياسي العام. وقبل ذلك كله كشخصية أصيلة ؛ كأستثناء بحد ذاته مفصولاً عن ما يكتبه في إطلالته المتميزة والمستمرة على القراء طوال عقد ونصف العقد ؛ وكذلك منجزه الأدبي الروائي الذي وجد النور مؤخراً : " تبادل الهزء "
كان الفنان المعلم هاشم علي يقول دائماً ؛ أن شخصية الفنان وأصالته كذات متفردة هي اللوحة الأولى ، والقصيدة الأولى ، والرواية الأولى ، والمقالة الأولى ، والإبداع الأول.
وبدون ذات أصيلة يغدو الحال أشبه بالتلفيق والتزوير.
ومحمود ياسين ذات أصيلة إبتدائاً وشخصية إستثنائية ، بل وطاغية في حضوره وتدفقه وأناقة روحه المندمجة في نكتته الإبية الممتزجة بدهاءه كمثقف وفيلولوجي " علم المشاعر والأحاسيس " من الطراز الإنساني النادر