يحدث أحياناً أن يكون الفعل الارتجاعي الذي ولّده الفعل الأساس أهم منه أو على الأقل مكملاً له، والفعل الأساس في حالتنا هو الحملة العسكرية التي يخوضها الجيش اليمني ضد تجمعات الإرهابيين في بعض مناطق أبين وشبوة.
أما الفعل الارتجاعي الأهم الذي ولد كنغمة ارتجاعية لمهمة الجيش الوطنية فهو الالتفاف الشعبي الواسع النطاق حول الجيش اليمني من كافة شرائح المجتمع وفئاته وقواه المجتمعية والسياسية والشعبية.
هذا التلاحم بين الجيش والشعب أهم بكثير من الفعل الأساس المتمثّل بالحرب ضد الإرهابيين؛ لأنه يتجاوزهم إلى مستوى أعلى يتوخّى تحقيق نصر شامل؛ لا على تجمعات الإرهابيين فحسب؛ بل فتح المجال للنصر الأكبر: استعادة هيبة الدولة وقدرتها؛ والخطوة الأولى في ذلك استعادة مؤسسة الجيش لفاعليتها وانتظامها ضمن مهمّة وطنية ينصهر فيها الشعب وجيشه.
ذلك أن الانتصار على الإرهابيين إذا لم يؤسّس لمسار شامل لاستعادة هيبة الدولة والسيطرة على الاختلالات الأمنية في البلد واستعادة الأمن والاستقرار؛ لن يكون مجدياً في تحقيق أهداف الحرب الثانية من منظور المصلحة الوطنية العامة؛ بل إن الإرهابيين أنفسهم سيعاودون تنظيم صفوفهم سواء على مستوى التمركز في المناطق الجغرافية، أو على مستوى نشاط خلاياهم السرية التي تفجر وتقتحم وتغتال وتقوض حياة اليمنيين بكافة السبل وتكدّر عيشهم اليومي وأمنهم واستقرارهم.
نظرة خاطفة إلى الخلف تكشف فداحة ترك ثغرة الجانب الأمني مفتوحة على كافة الاختلالات، انتصر الجيش في الحرب الأولى؛ غير أن التراخي الأمني أدّى إلى اغتيال قائد المنطقة الجنوبية آنذاك الشهيد سالم قطن، وتمكنت فلول الإرهابيين من إعادة تمركزها، وشن سلسلة عمليات إرهابية امتدت من صنعاء إلى حضرموت، وكانت تهدف بشكل رئيس إلى زعزعة المؤسسة العسكرية والأمنية وبث الإحباط واليأس في صفوفها وشل فعاليتها ودفعها نحو الانهيار عبر الاغتيالات واقتحام المناطق العسكرية والسيادية بشكل أساس ووجبات ذبح الجنود والضباط.
هذا المسار الكارثي الفاصل بين الحملة العسكرية الأولى ضد الإرهاب في منتصف 2012م والحملة الثانية التي تدور الآن؛ أثر على مسار المرحلة الانتقالية بمجمله؛ ذلك أن استعادة فعالية الدولة وقدراتها كان هدفاً رئيساً للمرحلة الانتقالية التي حدّد زمنها بعامين ومدّت لاحقاً مع نهاية مؤتمر الحوار عاماً آخر.
الدولة الضامنة هي الدولة القوية القادرة على فرض نفوذها وسلطتها على كل شبر فيها؛ والقادرة على القيام بمسؤوليتها في حماية مواطنيها وإنفاذ سلطة القانون وحماية حدود البلد وموارده وبنيته التحتية ومقدّراته.
والدولة القادرة القوية شرط لبقاء الكيان الوطني، سواء كانت الدولة البسيطة أو الدولة المركبة «الفيدرالية» والدخول في نظام الأقاليم يحتاج إلى تصحيح مساري المرحلة الانتقالية؛ الأول على مستوى الأرض باستعادة هيبة الدولة التي اهتزت كثيراً في العامين الفائتين، والثاني مسار مخرجات الحوار وإعداد الدستور الجديد، بتلافي الغموض المريب في صياغات بعض الوثائق التي تضمنتها المخرجات؛ والالتزام بمحدّدات وحدة البلد ووحدة هويته ونسف الهيمنة وحكم الغلبة العصبوي المركزي الاحتكاري في وقت واحد.
وفي كل تفاصيل المسارين النظري الحواري والعملي الواقعي؛ تبرز قضية بناء الدولة باعتبارها أمّ القضايا كلها بناء الدولة وليس فقط شكلها، فالشكل لا معنى له إن لم تُبن الدولة ابتداءً.
***
هذا الشغف والحماس لمناصرة الجيش ودعمه ومساندته يعبّر عن حاجة اليمنيين إلى الدولة وحضورها في حياتهم اليومية، هذا الاندماج والتلاحم بين الجيش والشعب ينطوي على رغبة شعبية جامحة لمحو لحظات الانكسار التي روّعت الأطفال والنساء والصغار والكبار برؤية جنودهم وضباطهم مجندلين في عمليات الإرهاب الوحشية القذرة التي طالتهم في معسكراتهم ومناطقهم العسكرية ونقاط أدائهم لواجبهم، وبكواتم الصوت وعمليات الاغتيال.
نتحدث عن الإرهابيين، وكل من يُقدم على تلك الجرائم يندرج في إطار الجريمة الإرهابية أياً كانت مسمّياتهم وخلفياتهم ودوافعهم المصلحية والسياسية من التحالف مع الإرهابيين ودعمهم والتنسيق معهم.
هذا النداء الشعبي الكبير للجيش اليمني يعبّر عن حاجة اليمنيين الملحّة للدولة والأمن والاستقرار؛ ذلك أن تقويض أمن المجتمع ودفع ما تبقّى من دولة نحو الانهيار وتهديد الكيان الوطني بالتمزُّق؛ كل ذلك لا يبقى معه أي معنى لا للثورة ولا لمخرجات الحوار ولا لنقل السلطة ولا لأي "طنطنات" ينظر بها هذا «المنظّر» أو ذاك «المحاور» أو ذاك «المتحاصص» أو رابعهم «الانتهازي».
هاهُنا نحن وقد وحّدنا
وطن أصبح منا أثْمَنَا
وغدت أصقاعه معبدنا
لم ولن نعبد فيها وثنا
أو يرى نخاس أرضٍ أننا
نأخذ الدنيا ونُعطي اليمنا
عبدالله عبدالوهاب نعمان