الملاحظ لتصريحات المسؤولين اليمنيين وعلى رأسهم رئيس الدولة، يتبين مدى خطورة الخطط والمؤامرات من الداخل والخارج لتحقيق أجندة معادية ضد الأمة العربية وليس اليمن فقط، ولذا نجد أن هناك تفاهماً على تقسيم المصالح بين الدول الكبرى وإيران في المنطقة فأصبح الأمر مكشوفاً. إن وضع اليمن وإثارة الفتن فيه له أبعاد كبيرة وهو ما لا يدركه - للأسف - اليمنيون الذين انساقوا وراء المخططات والفخ المرسوم لهم تحت مسمى أحلام.
ولعلنا إذا وجدنا ما جرى في السودان من انفصال الجنوب ظن أهل جنوب السودان أن هناك رفاهية وسعادة تنتظرهم فإذا بالغرب يتخلى عنهم وتتحول بلادهم لحروب أهلية وفقر ومجاعة ومشردين ولاجئين، وأصبح الوضع صعباً جداً وأسوأ مما كان.
ولذا فإن السعي لإقامة دولة طائفية بصعدة وفق المصالح الإيرانية والتي تتقاطع مع مصالح الغرب، لإشعال المنطقة بصراعات تبعد هذه المنطقة عن دورها في المشروع الحضاري تعيق جهود المخلصين وكذلك تأمين تفوق إسرائيل بأقل التكاليف، ولذا فوجود كانتونات ودويلات ذات أهداف طائفية وعنصرية يخدم ما يريده خصوم الأمة، أما فيما يتعلق بالجنوب، فإن إيران مهتمة جداً بانفصال الجنوب وتعتبره قضية استراتيجية من حيث كون انفصال الجنوب سيؤمن لإيران تواجداً في البحر الأحمر من جهة ميدي قرب صعدة ومن ميناء عدن، وكذلك بحر العرب من خلال سواحل حضرموت والمهرة وهذا سيحقق الهدف الغربي بتدويل الممرات في البحر الأحمر وبحر العرب، وكذلك فإن أنصار الشريعة والصراعات سيشجع على وجود أرض لوجود الجماعات الموالية لإيران في صعدة.
ولعل المهتم سيطرح سؤالاً ما فائدة الغرب من هذا؟ إن هناك قواعد كبيرة أهمها استنزاف دول المنطقة في صراعات جانبية وحروب إقليمية مما يخفف أو يبعد أي دعم للفلسطينيين، إضافة إلى القبول بوجود إسرائيلي كأخف الضررين من خطر إيران الوحشي البعبع الذي يخوف به الغرب دول المنطقة، وأيضا فإن شركات الأسلحة والشركات الأمنية ستحقق هدفها من زيادة المبيعات لمنطقة استهلاكية وغير منتجة.
إن المنطقة اليوم تواجه ضغوطاً كبيرة وأبعاداً من خلال خداع العوام واستغلال فقرهم ومعاناتهم فهؤلاء المساكين الذين عانوا من ظروف قاسية من فقر وجوع وأمراض وبطالة، إضافة لمحنة القات وقلة المياه وعدم استخدامها في المكان الصحيح وعدم الإنتاج وتوزيع مبالغ من المال لإثارتهم وتعبئتهم بأفكار الحقد والحروب والقتل والدم لصالح أجندات خارجية ما هي إلا خدعة، وبتنفيذ ساسة فاشلين يبحثون عن المجد بأي طريقة، خاصة أن عند العرب صمغ يلصق القادة بالكراسي وجنون السلطة والشهرة وعدم الاقتناع بثقافة تداول السلطة سلمياً، وأكبر مشكلة اليوم هي استغلال الطائفية والعرقية والمناطقية في أمة دينها واحد ونبيها واحد ولغتها واحدة، والمصيبة الكبرى أن الأحزاب والقبائل والتجار والعلماء ورجال الإعلام قد وقعوا حلفاً لتدمير شعوبهم، وهذا ما نراه في اليمن وهو جزء مما يجري في ليبيا والعراق وغيرها.
القضية اليمنية لم تعالج بطريقة صحيحة، ويئس العرب الخليجيون من اليمن فابتعدوا عنها كردة فعل، إضافة إلى عدم قدرة المسؤولين اليمنيين على تقديم برنامج أي مشروع واضح يساعد على استقرار اليمن وخطة مشاركة واقعية بين اليمن وجيرانه، فقد سعت جهات عديدة لرسم سياسة عدم الثقة بين اليمن وأشقائه الخليجيين من خلال التشكيك في عمق هذه العلاقة، من خلال الإعلام والقنوات والصحف وشبكات التواصل حيث نجد الشائعات والحملات المغرضة والأكاذيب المفبركة والإساءة لهذه العلاقة في ظل غياب دور إعلامي خليجي، وحرصت أجهزة الإعلام وبعضها معروف ومشهور في دعم هذه العناصر وتلميع أشخاص معروفين بجهلهم وحقدهم لتحقيق هذه الأهداف..
هذه المحطات والقنوات والصحف لا تفتح صفحاتها لأي برنامج أو منهج توافق وأخوة وتراحم، وإنما ما يخدم أجندات الفتنة والفرقة وإيجاد شرخ في العلاقات بين اليمن وجيرانه والبحث عن الجوانب والأخبار والتحليلات التي تؤجج نار الفتنة.. ولا تحبذ ولا توافق هذه القنوات والمجلات على العناصر التي تحمل برنامج الأخوة والشراكة لأن هذه بعيد عن الإثارة لتحقيق سبق إعلامي وإنجاز إعلامي، لقد سقطت هذه الصحف والمواقع والقنوات في وحل الفتنة وشق الصف وبتمويل من جهات ذات أهداف سيكولوجية نفسية ضد شعوبنا.
ومن العوامل التي ساعدت على الوضع السيئ هو أن عدداً من القائمين على السلطة في اليمن ممن يحرصون على بدل السفر والشهرة وعدم خبرتهم قد اهتموا كثيراً بالشكليات والفنادق والصور والظهور في أجهزة الإعلام، ولا نجد لهم أي عمل في الميدان سوى أنهم قدموا لشعبهم مليون سمكة بالبحر ومليون طائر بالهواء، ولم يقدموا برنامجاً عملياً واقعياً للشراكة وحل المشاكل العالقة، وكان بالإمكان حل مشكلة العمالة من خلال لجان مشتركة بتأهيل العمال اليمنيين وفق حاجة السوق والتعاون وتبادل المعلومات الأمنية لعدم تسرب عناصر معادية، وإن ذلك سيطمئن دول المنطقة من الهواجس الأمنية وذلك من خلال تعاون عمالي مصحوب بتطمينات وضمانات أمنية، وكذلك عدم وجود شفافية في آلية تنفيذ البرامج التنموية والمساعدات، وكذلك فإن عدم وجود تعاون مع أهل الخبرة والتجربة، إضافة إلى إيجاد خطة واقعية لتطمين المانحين لوصول مساعداتهم لأهدافها، فللأسف مازالت العقلية والمنهج السابق الذي ساعد في عدم تشجيع الشركاء والأشقاء في دعم اليمن، ومن هنا نجد أن هؤلاء قد وقعوا في أخطاء كبيرة منها أن التعامل مع الجيل الجديد من حكام المنطقة لا يتم بالعواطف مثل السابق، ويجب مراعاة اختلاف المنهج والتطور في التعامل والنظر إلى القضايا وفق التغييرات التي هي من سنة الكون، أضف إلى تغيير أوضاع اليمن والمنطقة.. وعدم قراءة الأحداث يضر كثيراً.
وللأسف لقد صدم الجميع بأسلوب وطريقة بعض الوزراء الجدد في اليمن الذين نظروا للأمور بطريقة لا تتفق مع الواقع وعدم انفتاحهم على أهل الرأي والخبرة واعتمادهم على الطرق القديمة واهتمامهم بأشخاصهم الذاتية وقلة الخبرة مما فوت على اليمن فرصاً كثيرة، وقد صدمت مثل غيري بوزراء أردت أن أقدم لهم نصائح مثل غيري فوجدت فيهم نوعاً من الكبر والاستعلاء، وهو عكس ما كان في عدد من المسؤولين فيما قبل التغيير في اليمن، وللأسف خاب ظن الناس في هؤلاء ووصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، وكان الأولى أن يتحلوا بالشجاعة وينسحبوا حرصاً وحباً لليمن وسيجل التاريخ لهم ذلك، اليمن فقدت عبدالعزيز عبدالغني وحسن مكي والجنيد وفرج بن غانم وغيرهم، وفقدت شيوخاً كعبد الله بن حسين الأحمر، نحن بحاجة في اليمن إلى مصالحة وطنية برعاية خليجية وعربية، ونحن بحاجة إلى حكومة ذات خبرة بعيداً عن المحاصصة وإلى إشراك الجميع في العمل للنهوض بالبلاد ووضع خطة أمنية محكمة وتحالف شعبي وقبلي للقضاء على المظاهر المسلحة من الجميع لإنقاذ البلاد من الفقر والبطالة، وتحمل دول مجلس التعاون دوراً أكبر في دعم اليمن واستقراره ومنع أجهزة الإعلام من إشعال نار المهاترات وإثارة الفتنة فالوضع لم يعد يتحمل.