من الأرشيف

مأساة الحروب الداخلية العربية

يعيش العالم العربي اليوم مأساة كبرى لم يشهدها إلا في أواخر العهد العباسي أو أيام ‏الحروب الخارجية وفي ضياع ‏الأندلس. ‏

إن المتأمل اليوم يرى أن الأمة العربية بكل أطيافها قد قررت أن تعلن الحرب على ذاتها ‏دون ‏خصومها، فنرى حروب تأخذ أشكال وأنواع من اللافتات والعناوين فهناك حروب إبادة لم ‏نشهد مثلها حرب ‏تصفية مذهبية في العراق تشنها إيران لتصفية السنة والعرب وضم هذا البلد ‏لها وبمباركة غربية ودعم، وما يجري ‏من تدمير المساجد والقرى والتشريد والتهميش ‏والصمت العربي عما يجري لهذا الشعب أم مخيف إذ أن خطة ‏تدمير وتشريد القبائل العربية ‏السنية يسير وفق مخطط إيران. ‏

وهذا هو نفس المخطط في سوريا من تدمير حمص ‏وحماة ودرعا وحلب وغيرها بهدف ‏القضاء على هؤلاء وإنهاء وجودهم بأوامر من رستم الجديد قاسم سليماني ‏ومن كسرى قم ‏روحاني وخامئني وهو ما يجري في اليمن من تدمير لعمران وهمدان وأرحب وغيرها وهدم ‏‏المساجد مثلما يعمل ويجري في أفريقيا الوسطى، وهناك جرائم ترتكب لا يسأل عنها أحد كلها ‏استنزاف طاقات ‏وحروب أهلية إضافة إلى الحروب القبلية والإرهاب في ليبيا وجنوب اليمن ‏والبيضاء ورداع. ‏

هذه الحروب ‏أصبحت تكدر الأمة، وهناك دعوات لتمزيق السودان ودعوات لتقسيم العراق ‏ودعوات لتقسيم اليمن ‏وغيرها. من يقف وراء ذلك. وكذلك الجماعات الإرهابية التي تأخذ ‏يومياً أسماء ولافتات مختلفة وتبذل جهد ‏لتقديم الإسلام بشكل مشوه لجهات لها أهداف. فالغرب ‏يريد أن يقول هذا هو الإسلام تطرف وعنف ‏وإرهاب وموت. وغيران تريد القول نحن أفضل ‏لأن السنة إذا حكموا هذا هو برنامجهم، ولذا فهي تدعم ‏الجماعات الإرهابية بخدعة المقاومة ‏ولها أهداف بعيدة وهو ما تصنعه بسوريا والعراق واليمن ولبنان من صناعة ‏جماعات سنية ‏متطرفة إرهابية تدعمهم بالمال لتحقيق أهداف إستراتيجية تخدم الهيمنة والمصالح الإيرانية ‏‏التوسعية.‏
الحروب في العالم العربي اليوم أصبحت أسوأ ما عرفته الأمة على مدى التاريخ، ولذا نحن ‏بحاجة إلى مراجعة لهذه ‏الأوضاع. ليس هناك رابح في هذه الحروب وفيها صفة العناد ‏والمكابرة، فما يجري بليبيا ومصر هو عناد من ‏جميع الأطراف بهدف فرض الرأي. والأمر ‏العجيب أن ترى الأمور تزداد توتراً في مصر التي هي قلعة عربية هامة ‏وإصرار كل طرف ‏على فرض رأيه، وهناك اضطراب مواقف وتستغل ذلك لافتات تريد إدخال مصر في متاهات ‏‏الحروب والإرهاب وتفكيك هيبة الدولة من خلال جر البلاد لحروب أهلية بدلاً من الخلاف ‏المشروع وفق ‏المؤسسات الدستورية. وكذلك نرى الحرب الإلكترونية التي تنقل الأخبار ‏المثيرة ومعظمها غير صحيح تؤجج ‏نيران الفتنة والحرب والصراع والكراهية وتؤجج ‏الصراع وكأن المتحاربين في معركة مع عدو وليس أخوة أبناء بلد ‏واحد.‏

اليوم الإعلام والمواقع وشبكات التواصل أصبحت غير مقبولة في تصرفاتها ولا عقل يصدق ‏ما تشنه هذه ‏الحملات فيما بين أبناء البلاد العربية وليتها تصرف عشر ذلك على العدو ‏الصهيوني وإعداد الأمة، وكأن ما ‏يجري في فلسطين وغيرها ليس دماً حلالاً وكأن هذا الشعب ‏الفلسطيني والمقدسات لا علاقة لهم بالعرب وفي ‏كوكب آخر. ‏

لقد وصلت الحالة إلى التنكر للقيم والمبادئ والأخلاق وكرامة الأمة ودينها وتاريخها. هذه ‏هي الحالة التي نحن ‏عليها لم يصدق الآخرين وعلى رأسهم إسرائيل أن ترى العرب بهذا ‏المستوى من الصراعات والحروب في زمن ‏العلم والثقافة وتكاتف الدول والحوار. وللأسف ‏بعد موت الجامعة العربية وذهاب القيادات لم نجد رجل رشيد ‏يجمع الناس ولا قيادات راشدة ‏تجمع الشمل وتصلح ذات البين .‏

وأما الإعلام كما قلنا فهو يكرر نفس الأخبار يومياً والمواقع والسب والشتم وأخبار الإثارة ‏للحرب لاتتوقف ‏والمظاهرات والتدمير وتعطي المصالح أمر لا يصدقه عقل. ومن المؤلم أن ‏نرى القنوات الكبيرة تأتي بشخصين ‏شخص مؤيد وشخص معارض يكرروا نفس الكلام ولم ‏يخلو برأس أحد. ‏

وماذا ما بعد وما الحل وما المخرج لأن الهدف هو الإثارة والفتنة وهذه البرك من الدماء ‏والدمار الهائل في ‏دمشق وبغداد وصنعاء وطرابلس وبيروت، أمر يبعث على الحسرة ‏والخوف للمستقبل.‏

زر الذهاب إلى الأعلى