أرشيف الرأي

توسيع مجلس الشورى.. الجدوى، الشرعية، الأهداف

قبل أكثر من شهرين تقدم الرئيس هادي لمجلس النواب بطلب تعديل المادة (126) من ‏الدستور بغرض مضاعفة عدد أعضاء مجلس الشورى. ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن لم يصدر ‏عن القوى السياسية، أو النخب الفكرية – حسب ما أعلم – أي تعليق أو سؤال حول جدوى هذا ‏التعديل، ومراميه، وشرعيته. ‏

ويبدو أن هذا التعديل سيمر بكل سهولة ودون ضجيج في الأيام القادمة. وكل ذلك يشير إلى ‏حالة الغيبوبة السياسية التي تعيشها الطبقة السياسية والفكرية في اليمن.‏

وكمحاولة بسيطة، وأخيرة، لإفاقة هؤلاء من غيبوبتهم، ستحاول هذه الورقة الإجابة على ‏الأسئلة، التي أشرنا لها عبر النقاط التالية:‏

‏1- أول سؤال يتطلب الإجابة عليه يتعلق بشرعية هذا التعديل، والشرعية التي سنناقشها هنا ‏هي الشرعية الإجرائية (المشروعية السياسية) والشرعية الحقيقية (الشرعية السياسية). ‏

فمن الناحية الشكلية البحتة فإن الدستور الحالي - الذي يُفعل أحيانا ويُجمد في معظم الأحيان ‏‏- يمنح الرئيس حق الطلب من البرلمان لتعديل الدستور؛ غير أن هذا الحق يفترض أن يتم ‏استخدامه حين يكون رئيس الجمهورية ومجلس النواب لديهما الشرعية السياسية والقانونية ‏الكاملة. ‏

وفي الوضع الحالي لا الرئيس ولا مجلس النواب لديهما شرعية كاملة؛ فوجودهما في ‏مواقعهما لا يعدو من أن يكون وجود فرضته ظروف استثنائية، فيما يمكن اعتباره شرعية ‏الأمر الواقع. فالرئيس وصل إلى السلطة ضمن اتفاق بين القوى السياسية وعبر انتخابات غير ‏حقيقية، ولمدة محددة انتهت في 21 فبراير من هذا العام. ووفقا لذلك؛ فإن شرعيته السياسية ‏ناقصة الأمر الذي يجعله غير مخول لأن يتقدم بطلب لتعديل الدستور، خاصة وأن المادة المراد ‏تعديلها تصب في خانة المصلحة المباشرة له – كما سنشير لاحقا.‏

وأما مجلس النواب فإنه هو الآخر يعاني من شرعية ناقصة، فهذا المجلس انتهت مدته ‏الدستورية في عام 2009، وقد تم التمديد له حتى 2011 عبر إجراء تعديل دستوري. وفي عام ‏‏2011 واصل المجلس عمله دون إي غطاء قانوني واضح ووفقا للأمر الواقع. ولكون المجلس ‏على هذا النحو؛ فإنه لا يملك الشرعية الدستورية الحقيقية التي تخوله إجراء تعديلات ‏دستورية، فوضعيته تلك تخوله تسيير الأعمال الضرورية والعادية فقط، وعدم البت في القضايا ‏المصيرية.‏
‏ ‏
‏ برر الرئيس مطالبته بالتعديل بأنه تم استنادا إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وهذا ‏التبرير يعد مغالطة مقصودة، فنتائج مؤتمر الحوار، خاصة في الجوانب التي تتطلب تعديلات ‏دستورية، ليس لها أي قوة قانونية أو شرعية، فمؤتمر الحوار لا يملك أي صفة دستورية أو ‏تشريعية، ونتائجه لا تصبح شرعية إلا في حال تمت إجازتها عبر استفتاء شعبي. وتمرير ‏بعض مخرجاته قبل الاستفتاء تجاوز لإرادة الشعب، وفرض أمر واقع يراد فرضه لأغراض ‏وأجندات سرية كما يبدو، وإفراغ لعملية الاستفتاء من مضمونها وأهدافها. ‏

‏2- وجود غرفة في السلطة التشريعية (مجلس الشورى) بتعيين من قبل رئيس السلطة ‏التنفيذية ترسيخ للاستبداد كونه يتناقض وجوهر الديمقراطية التي تقوم على ضرورة أن تكون ‏السلطة التشريعية منتخبة من الشعب. كما أن هذا التعيين يتنافى ومبدأ فصل السلطات؛ حيث ‏أن منح رئيس الجمهورية حق تشكيل أحد غرف السلطة التشريعية، يلغي هذا المبدأ. وعلى ‏ضوء ذلك؛ فإن منح الرئيس هادي سلطة تعيين نصف أعضاء مجلس الشورى – بعد الإضافة ‏‏– هو امتداد للعهد الاستبدادي السابق، والذي يدعي هادي ومعظم أفراد الطبقة السياسية أنهم ‏يتولون تفكيكه، فيما النتيجة المنطقية لهذا التعديل هي تكريس لذلك العهد. ولكون الأمر على ‏ذلك النحو؛ فإن تعديل المادة (126) لا تحمل أي محتوى شرعي وتعتبر انتكاسة وعودة ‏للماضي، وليست خطوة للأمام. فالمفروض أن تكون السلطة التشريعية منتخبة من الشعب، ‏وهو ما يعني ضرورة حل مجلس الشورى الحالي المعين لا زيادة أعضائه وتوسيع صلاحياته. ‏
‏ ‏
‏3- بحسب ما هو معلن؛ فإن الدستور الجديد سيُعتمد في مدة لا تتجاوز ستة أشهر من الآن، ‏ووفقا لذلك؛ فإن مجلس النواب، ومجلس الشورى سيتم حلهما وإعادة تشكيلهما، استنادا إلى ‏مواد الدستور الجديد. وبما أن الأمر على ذلك النحو؛ فما الداعي إلى تعديل الدستور، وتعيين ‏أعضاء جدد (101 عضو) بما يمثله ذلك من أعباء مالية، لهذه الفترة القصيرة، إلا إذا كان في ‏الأمر أجندة سرية، وهو ما سنشير له في النقطة التالية.‏

‏4- منذ تسلم الرئيس هادي للسلطة لوحظ انه يمتلك أجندة سرية تهدف إلى تعزيز مركزه ‏السياسي، والاستفراد بالسلطة، والخلود فيها. واعتماد الرئيس هادي على أجندة سرية ناتج عن ‏ضعف أرضيته السياسية، والتي يحاول تقويتها عبر هذه الأجندة. وقد نجح حتى الآن في مسعاه ‏نتيجة لحالة الغيبوبة السياسية التي تعيشها الطبقة السياسية، وغياب الفصل الواضح بين ‏السلطة والمعارضة منذ تأسيس المرحلة الانتقالية الأولى، والتي من أكثر مظاهرها سخرية؛ ‏تعيين رؤساء الأحزاب الكبيرة مستشارين للرئيس، وقيام الرئيس بضمان المصالح الخاصة ‏لكل أو معظم أفراد الصف الأول من قيادة الأحزاب، ومراكز القوى، وهو ما أدى إلى غياب ‏أي شكل من أشكال المعارضة السياسية. ‏

وقد أدى ذلك؛ إلى غياب أي رقابة أو تمحيص لما يقوم به الرئيس هادي، ففي خلال حكم ‏الرئيس صالح كانت القوى المعارضة (أحزاب اللقاء المشترك) تنظر بعين الشك والريبة لكل ‏إجراء أو سلوك يُقدم عليه، خاصة إن تعلق الأمر بتعديل الدستور. وكانت شكوك المعارضة ‏تلك تخدم العملية السياسية وتحد من طغيان صالح. ‏

وما يؤكد ما ذهبنا إليه؛ حالة القبول الكامل لجميع القوى السياسية لطلب الرئيس هادي ‏بتعديل المادة (126)، فمجلس النواب وافق بالإجماع ودون إي سؤال أو استفسار على إحالة ‏المادة للجنة الدستورية، ولم يصدر عن هذه القوى، أو أي منظمة مجتمع مدني، أي تعليق على ‏هذه التعديل، ومن الممكن أن يتم تمرير هذا التعديل بكل سهولة، إن لم تحدث صحوة متأخرة ‏في أخر لحظة تعيق تمريره، وهي الإعاقة التي أجد لها المبررات الكافية والمشروعة فيما يلي:‏

أ‌- أن الحذر والشك من السياسيين هو أمر طبيعي، ويمنع تأسيس الاستبداد والدكتاتورية، ‏فالممارسة السياسية لم تتطور في الغرب إلا حين تم الإيمان بأن السياسيين يميلون بطبعهم نحو ‏الفساد والاستبداد، بغض النظر عن إيديولوجيتهم وأديانهم وشخصياتهم. فالتاريخ البشري يؤكد ‏لنا – إلا فيما ندر - بأن غياب الرقابة والقيود على السياسيين تحولهم إلى فاسدين وطغاة؛ فكم ‏هي الشواهد التاريخية التي برهنت على تحول أشخاص مرهفي الحس، وغزيري المعرفة، ‏إلى سفاحين قتلة بعد أن استفردوا بالسلطة. ‏

ووفقا لذلك فإن علينا في اليمن (قوى سياسية، ونخب فكرية) التحلي بغريزة الشك والريبة ‏تجاه إي سياسي بغض النظر عن شخصيته وتوجهاته السياسية.‏

ب‌- هناك الكثير من الشواهد التي تؤكد أن الرئيس هادي يسعى لتعزيز مركزه السياسي ‏الخاص، فبالنظر إلى التعيينات التي قام بها خلال فترة حكمه، يتضح أنها كانت تهدف إلى ‏تعزيز سلطته من خلال تعيين الأقارب وأصحاب البلاد والمواليين له في معظم هذه التعيينات، ‏وبالذات في المواقع الحساسة. وهذا السلوك يتنافى والدور الذي كان يفترض أن يقوم به بصفته ‏رئيس مؤقت وتوافقي. كما أنه يكشف عن غياب أي مشروع وطني، ورغبة حقيقية لإعادة ‏استنساخ نظام صالح الاستبدادي. ‏

وبما أن الأمر على ما ذكرنا؛ فإن ريبتنا وشكنا في طلب الرئيس هادي تعديل المادة (126) ‏له ما يبرره، وهو الشك الذي يجعلنا نتكهن بأن هناك مرامي سرية من وراء هذا الطلب، وهي ‏مرامي، لا أدعي اكتشافها، فالأجندات السرية تبقى مخفية لدى أصحابها. ولهذا سيبقى ما ‏سنذكره عبارة عن تخمينات تحمل الصح والخطاء، ومن هذه التخمينات:‏

‏1- من المحتمل أن هناك طبخات يتم سلقها في لجنة الدستور، والتي تمارس عملها بسرية ‏مطلقة، ومنها إسناد دور أو أدوار لمجلس الشورى تعزز من سلطة الرئيس هادي، وتجعله ‏المرشح الوحيد، أو الفعلي للانتخابات الرئاسية القادمة. وقيام الرئيس بطلب تعديل المادة ‏‏(126) هي خطوة في هذا المسار. وسيتسنى لهادي القيام بذلك، من خلال منحة حق تعيين ‏الأعضاء الإضافيين، والذي سيتم اختيارهم بعناية، مثلما حدث حين أختار الرئيس هادي ‏أعضاء مؤتمر الحوار، واللجان اللاحقة. فهذه الاختيارات حملت سمات محددة تقوم على: ‏اختيار الموالين للرئيس هادي في المراكز الحساسة (نموذج تعيين أحمد بن مبارك أمين عام ‏دائم لهذه اللجان) وإضافة لفيف من الأشخاص الهامشيين، تحت عناوين (الشباب ، النساء ، ‏منظمات المجتمع المدني) والذي يسهل توجيههم عن طريق شراء مواقفهم، أو الضغط عليهم، ‏وبعد ذلك يتم تطعيم هذه الهيئات بعدد من الحزبيين، ليتم إيهام الجميع بأن هذه الهيئات واللجان ‏تمتلك الحرية والاستقلالية وتمثيل المجتمع؛ فيما الحقيقية أنها ليست سوى هيئات صورية، ‏مهمتها شرعنة رغبات الرئيس هادي وتوجهاته. ‏

وعلى هذا الأساس فإن من المتوقع أن يتم تعيين العدد الإضافي من أعضاء مجلس الشورى ‏بنفس الآلية إن لم تكن أسوا. والمحصلة أن مجلس الشورى بعد التعديل سيكون مجلس تحت ‏سيطرة الرئيس هادي ونفوذه.‏
‏ ‏
‏2- يمكن التكهن بأن هناك نية لحل مجلس النواب عقب الانتهاء من الاستفتاء على الدستور، ‏والإبقاء على مجلس الشورى، ويمكن أن يتم ذلك وفق صيغ واضحة أو مبهمة في نصوص ‏الدستور الجديد، تجعل من مجلس الشورى السلطة التشريعية الوحيدة خلال الفترة الواقعة بين ‏حل مجلس النواب وقيام انتخابات برلمانية قادمة. ‏

وفي حال صدقت هذه التكهنات؛ فإن من المحتمل أن يتولى مجلس الشورى مهمة إقرار ‏قوانين تعزز من سلطة الرئيس هادي. وحدوث هذا الأمر يجعل أعضاء مجلس النواب، في ‏حال مرروا لهادي التعديل، وكأنهم قد وقعوا في فخ نُصب لهم بإتقان. ولهذا فإن على أعضاء ‏مجلس النواب الحذر والتوقع قبل إقرار التعديل الدستوري، وأقل ما يمكنهم عمله هو تأجيل ‏التصويت وإطالة فترة النقاش حول التعديل لكشف جدواه ومراميه، قبل أن يتم سوقهم إلى ‏مسالك مجهولة قد يكونوا هم أول ضحاياها.‏
‏ ‏
من خلال تحليل سلوك الرئيس هادي خلال توليه الحكم، يمكن الخروج بخلاصة مركزية ‏تتمثل في أن من يخطط له إما أنهم مراهقون سياسيون لا يفقهون في الحكم والإدارة شيئاً، أو ‏أنهم خبراء أجانب همهم إرضاء رغبات مستخدمهم، ولا يهمهم اليمن أو الرئيس هادي بقدر ‏همهم الحصول على أتعابهم، ومن ثم الرحيل. وما يجعلنا نصل إلى هذا الاستنتاج أن هذه ‏الخطط يصعب تطبيقها، ولن يستفيد منها الرئيس هادي بقدر ما ستورطه وربما تفقده منصبه.‏

‏ فكل ما يعملوه وعملوه حتى الآن هو مراكمة وثائق وقرارات، عن طريق الحيل والخداع، ‏في الوقت الذي لم يعملوا شيئا لتعزيز أرضية الرئيس هادي السياسية. فشعبية الرئيس وموقعه ‏السياسي في حالة هبوط، وتزداد هبوطا مع تكشف خطط هادي السرية. وهذه الحقيقية تتنافي ‏والحملة الإعلامية في وسائل الإعلام الرسمية، والمدفوعة الأجر في وسائل الإعلام الخاصة، ‏والتي تمجد هادي وتوهمه بأنه يسير في الاتجاه الصحيح. ‏

في الأخير لا يمكن إلا الاستغراب من حال اليمن واليمنيين، حين قاموا بثورة على حاكم ‏مستبد لازال قابع في داره، ويمارس صلاحيات رئيس إلا ربع، في الوقت الذي يقومون فيه ‏بصنع مستبد جديد تحت سمع، وبصر، ومباركة القوى الثورجية.‏

زر الذهاب إلى الأعلى