من عجائب المشهد السياسي في اليمن الآن أن يصبح تغيير الحكومة خاتمة مطاف أحلام اليمنيين, وذروة آمالهم, وكأنّ تغيير الحكومة هو الحل لكل مشاكل البلاد! وفي ظنّي أن المشكلة أعمق من تغيير حكومة وأكبر من تبديل وجوهٍ قديمةٍ بوجوهٍ جديدة في دهليز التقاسم البشع.
نعم التغيير مطلوب.. ولكن إذا تكررت مأساة التقاسم فإن الحياة السياسية تصبح مجرّد محلٍّ أو دكانٍ لتبديل إطارات السيارات ونفخها!.. وحتى نفخ الإطارات يحتاج إلى كهرباء والكهرباء غير موجودة! ولذلك نرى البلاد تزحف على لحم بطنها للأسف دون أن يشعر بأحزانها أحد.
سأقول بوضوح: إذا تم تغيير الحكومة على نفس أسس الاختيار التقاسمي في 2012 ودون اعتبار للكفاءة والأمانة والشعور بالمسؤولية فلا معنى لأيّ تغيير أو تبديل.
إنّ الرئيس معنيٌّ بأن يُعلن للشعب بأنّ الوطن أكبر من التقاسم وأن المواطن أهم من الأحزاب واللجان.. وأنّ على الفرقاء السياسيين أن يتركوا فرصةً ولو مؤقتةً لحكومة كفاءات مسؤولة حتى تنهض البلاد من كبوتها وتقف على قدميها.
لكن, مَنْ سيُقنعُ الرئيسَ أولاً بأن نصوص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ليست نصوصاً قرآنية! وحتى القرآن وهو كلامُ الله هناك تأويلاتٌ له وتَفَاسير! بل أنّ من الفقهاء من يُقدِّمُ مصلحة الناس على النص ويُفسِّرُه وفق ذلك!.. ما بالك بمبادرةٍ سياسية هي في الأصل إملاءٌ من الفُرقاء أنفسهم ولأنفسهم!
متى يقتنع صانعُ القرار بأنّ الوظيفة العامّة مسؤوليةٌ وأمانةٌ وخِدمةٌ, وليست حِصّةً أو قِسمةً أو نصيباً لشخصٍ أو لحزبٍ أو لفئة؟
هل يعرف صانعُ القرار أنّ وطناً بكامله يتدحرجُ الآن مُرتدّاً إلى القرون الغابرة تفكيراً وسلوكاً بسبب الظلام المستمر؟
الكهرباءُ أوّلاً.. إذا نجحتَ في ذلك سأعرف أنّكَ بدأتَ الخطوة الأولى على الطريق الصحيح!