ربيع العرب حافل بالمفاجآت ، لقد غدت نشرات الاخبار تجذب المشاهدين أكثر من كرة القدم والمسلسلات التركية ، من عجائب الايام الأخيرة موسم الانتخابات العربية وتمجيد الصندوق المقدس ، وعلى مستوى (الاكشن) فأن خارطة العنف الربيع العربي تجاوزت الدول التقليدية فقد ضمت العراق لقائمة المشاكل بقوة وتحتل الصدارة ، فقد سقطت مدينة الموصل ثاني اكبر مدن العراق مدينة زرياب واسحق الموصلي ، وألان يزحف المقاتلون لإسقاط محافظة صلاح الدين مسقط راس صدام حسين وقبل صلاح الدين الأيوبي ، لايعد ذلك مؤشرا للخطر المهم ان تحالف المالكي فاز في الانتخابات والعلمية السياسية تسير على قدم وساق..ّ من فترة لأخرى يكتشف امير جماعة منذ عشر سنوات وكل امير جماعة يضم عشرات الخلايا وكل خلية تضم الاف العناصر ، وهذا يعني بأن هذه الجماعات لها شعبية اكثر من شعبية المالكي نفسه!
ربما لا يعلم البعض بأن ميزانية الجيش والامن في العراق عشرة أضعاف في عهد صدام ، وربما لايعلم الآخرون بأن عنصر الأمن والجيش في العراق واسرائيل من اكثر المرتبات في الشرق الاوسط حيث تستلم عناصر بعض الاجهزة بضع الاف من الدولارات بيما في عهد صدام حسين بضع دولار فقط ، يعني مضروبا ليس مضروبا في عشرة بل اضعاف الاضعاف ، كل ذلك والعراق ليس من بلدان الربيع العربي ، فهل يعني ذلك بأنها بلد الفصول الاربعة؟
في ليبيا حكومتان وجيشان وميليشيا والكل يحارب الكل المهم الإطاحة بالدكاتورية ، في نفس اليوم صحيفة خليلجة تنشر كاريكاتير لرجل مصري خارجا من نفق ، فهل مصر فعلا خرجت من النفق بمحرد وصول السيسي لسدة الحكم..؟
في سوريا فاز الاسد وقطع الأمل بفرض حلولا من الخارج سوا جنيف الاولى أو الثانية وبرغم تحالف كل دول الخليج والغرب وراء معارضة تتناحر فيما بينها .ورغم ذلك لم يتسابق المتسابقون لتهنئة الرئيس الاسد مثلما هو الامر في الحالة المصرية .
في اليمن حدث ولا حرج فهو حالة خاصة وتجربة فريدة في الفوضى الخلاقة
الحالة اليمنية نتفوق على كل مالات ربيع الربيع العربي وغير العربي في العراق والعرب والعجم ، فالكهرباء محايدة في تلك البلدان ولا يقوم البعض بتخريبها .
في اليمن لا يوجد نظام سابق ، فبموجب التسوية التي ارتضتها الأحزاب تتناحر فيما بينها وهي لا تشكل سوى اقل من نصف المشهد بينما النظام السابق لازال يعيث في الأرض فسادا ، في اليمن الصراع مذهبي وطائفي وقاعدة وجهوية وحراك وصراع سلطة والكل يفتخر بالدعم الخارجي فعندما تصبح العمالة فضيلة فاعلم انك في اليمن.
اليمن يختلف عن بلدان الربيع العربي والعراق بأن السلطة يديرها رأسان مخالفا لمقولة لايجتمع سيفان في غمد واحد ، مصطلح الدولة العميقة لا مكان له في اليمن فالدولة العميقة هي ذاتها دون زيادة أو نقصان . وهناك تنظيم سياسي مع زعيمه غدا أهم من الدولة ذاتها ، فله قنواته الإعلامية وصحفه ومستشاريه بعد ان انشطر النظام لفصلين شبه متناقضين !
وفي المقابل هناك رئيس توافي قذفت به الأقدار لرأس السلطة وهو بدون سلطة سلم له علم ملفوف ومطوي في احتفال كرنفالي لدولة منهارة وتواجهة سلسلة من الصعوبات والعراقيل يتفنن بها المتلاعبون والمتناقضون في المشهد اليمني الذي عرف بهوس المتطلعين للسلطة ولو على أشلاء بقايا شعب ، في اليمن حكومة معظم عناصرها يفترض أنهم مما يسمى النظام السابق ومع ذلك لم تسلم من التجاذبات بغرض عرقلة مسيرتها لتبدو ظروف ما قبلها أفضل ، وهذا ما يحصل عندما يردد الغوغاء (سلام الله على عفاش) ويقصدون بعفاش اسم أسرة الرئيس السابق الذي عاد لاسمه الأصلي بمجرد اندلاع الثورة ضده !
ما يدعو للسخرية والاستغراب بأن ترديد مثل هذه العبارات المموجة لها دلالاتها الإعلامية والنفسية لدى قطاعات كبيرة من الشعب اليمني وليست عفوية بغرض التأثير على مزاج سواد الشعب الذي يتجرع مرارة التحول من سوء الخدمات وقلتها بل وندرتها ، ورغم ذلك لا زال البعض يحن لأيامه بفعل التأثير الديماغوجي للآلة الإعلامية للنظام السابق..وكأن اليمن قبل أحداث الثورة كانت تنافس سويسرا.
في اليمن امة تمجد جلادها ، وتتغنى بالماضي التعيس ، في اليمن كل سياسي يريد ان يكون رئيسا وكل محافظة تريد ان تكون دولة ولو تبدا باقاليم وقد يأتي اليوم إلى ان كل حارة تطالب بأقليم ، في اليمن بدلا من الصراع ضد الحاكم يتصارعون ضد الارض ويذبح الوطن بناء على اهواء الساسة في بلدان الربيع العربي تتجسد مقولة امة خلقت لتفنى!