السعودية ومصر هما قطبا الأمن والاستقرار في العالم العربي، ولذا فإن زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية إلى مصر لها من الدلالات والمعاني والأبعاد ما يؤكد ذلك، وهذه الزيارة تدل على النظرة الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز كقائد عربي وإسلامي يمثل دولة كبيرة بحجم المملكة العربية السعودية، في العالمين العربي والإسلامي، ومن ناحيتها مصر اليوم في حاجة إلى من يقف معها ويساندها لتستعيد دورها العربي والإسلامي والعالمي التاريخي، الذي غيب خلال السنوات الماضية، وجرى تهميشه، إذ استغلت بعض الدول الحالة التي كانت تمر بها مصر، حتى يبقى العرب في وضع لا يحسد عليه ولأهداف بعيدة. فضعف مصر هو ضعف للعرب أجمع.
كانت مصر دائمًا تلعب دورًا عربيًّا عبر التاريخ، وكانت تحتل مركز القيادة في الوطن العربي بسبب موقعها الجغرافي والمركزي في قلب الوطن العربي. من هنا كان أول من هنأ الرئيس السيسي عندما فاز في الانتخابات الرئاسية هو الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبعث للرئيس السيسي برسالة تختصر الأسباب التي تفرض على السعودية ومصر أن تكونا في خندق واحد، وخصوصا في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها المنطقة العربية، وما يحيط بها من أخطار وتهديد وتحالفات دولية ضد العرب.
ومن دون هاتين الدولتين يكون الأمن العربي مهددا بكثير من الأخطار، ولذا بدأت تظهر في الأفق بوادر تحالف عربي يشمل بالإضافة إلى مصر والسعودية دول الخليج العربي والأردن والمغرب، وهو تحالف يعدّ ركيزة أساسية للأمن العربي، خصوصا أن الدول العربية الأخرى التي شملها ما سمي بالربيع العربي ما زالت مشغولة بأوضاعها الداخلية، التي تمنعها عن أن تقوم بدورها على المستوى العربي.
إن الدول العربية على مفترق طرق وفي ظل أوضاع تهدد بتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، ولذا فإن الدول العربية بحاجة إلى أن تتناسى كل خلافاتها وتباين وجهات النظر في ما بينها، وذلك لأن الأمن العربي هو كل لا يتجزأ، وأن الخطر يهدد الجميع.
إن الدول العربية بحاجة إلى الوحدة والتماسك لإيقاف الدول التي تتدخل في شؤونها الداخلية وقضاياها، وخصوصا إيران التي لا تزال تستغل الوضع الذي يمر به العرب، ففي سوريا تسند النظام الذي يذبح شعبه، وفي العراق اليوم تتدخل في ظل المستجدات التي يمر بها بحجة حماية «مقدسات الشيعة»، وفي لبنان يقوم «حزب الله» التابع لإيران بدور سياسي وعسكري يكرس الانقسام الطائفي، وفي اليمن تسند وتقوي الحوثيين الذين يعملون على تقسم اليمن، وفي الخليج لا تزال إيران تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، وفي مملكة البحرين تعمل على تأجيج الطائفية.
لذا فإن السؤال المهم هنا هو: إلى متى يترك العرب إيران تقوم بهذا الدور الخطير الذي لا يقل، بل يزيد على التهديد الإسرائيلي للعرب؟ إيران بحاجة إلى من يوجه إليها رسالة قوية بأن تقف عند حدودها، ولا تتدخل في شؤون العرب الداخلية وقضاياهم. إن الشعوب العربية هي الآن التي تتصدى لإيران، كما يحدث في العراق وسوريا ولبنان، ولكن الدور الذي يجب أن يفعل أكثر هو دور الحكومات العربية، وها هي المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا تعطي مثالا للتصدي للنفوذ والأطماع الإيرانية في المنطقة.
إن دعم السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وبعض دول الخليج الأخرى لمصر لا يأتي من فراغ، ولا بسبب وصول الرئيس السيسي إلى الحكم، وإنما يأتي من إدراكهم ضرورة تقوية مصر وإسنادها حتى تستعيد دورها القومي العربي كما كان خلال مراحل التاريخ المختلفة، ولن يتحقق ذلك إلا بمساعدتها على التخلص من مشكلاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعاني منها، بعدما مرت بها ظروف تمثلت في ثورتين جعلتا مصر في وضع ما زالت تعاني من تبعاته.
ومن ناحية أخرى، وبعد الذي حدث ويحدث في سوريا والعراق، يجب على العرب أن يعتمدوا على أنفسهم وتضامنهم في ما بينهم، وحل كل المشكلات والخلافات التي تقف حجر عثرة في طريق التنمية، والأخذ بأسباب التقدم، وذلك لأن الخطر يهدد الجميع بلا استثناء، والمصالح أصبحت هي التي تحكم العلاقات بين الدول، هكذا يجب أن يفكر العرب في مستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة.
إن الأمن لمصر هو أمن للأمة العربية، وعودة مصر للعرب هو بمثابة عودة الروح للجسد. من هنا نفهم كل ما يقوم به الملك عبد الله بن عبد العزيز تجاه مصر، وهو يصب في تحقيق هذا الهدف. لذا يمكن القول إن الملك عبد الله بن عبد العزيز هو بحق القائد المناسب للحظة التاريخية، وبالذات في ظل تردي الأوضاع التي تمر بها الأمتان العربية والإسلامية.
هل يستفيد العرب من الدروس التي مرت بهم في سوريا والعراق وغيرهما من الدول العربية، أم يظل العرب على هذا الموقف؟