يبدو أنه لم يبق في حياة المسلمين من علامات التوحد والتوافق الظاهر سوى الفرائض الدينية كالصلاة والصوم خاصة، وحان لهم أن يجدوا في هذه الفرائض دروساً ومنطلقات إلى التوحد الشامل في توجيهاتهم السياسية والاجتماعية بعيداً عن مؤثرات الطائفية والمذهبية.
وفي هذه الأيام الكريمة ونحن في مدخل شهر الصوم المبارك تحلم الغالبية الساحقة من المسلمين في الوطن العربي وفي بقية بقاع الأرض أن ترتبط فريضة الصوم لهذا العام بمواقف مستثناة تبدد سحب الدخان التي باتت تغطي سماء العالم الإسلامي، وأن يتم بفضل هذا الشهر غسل الأرض العربية والإسلامية من دماء الأبرياء الذين يتساقطون يومياً بالمئات والآلاف في معارك لم تحقق حتى الآن إلاّ كل ما يرغب فيه الأعداء ويحرّضون عليه، فضلاً عما تقدمه من صور لا تتناسب على الإطلاق مع روح الإسلام ودعوته التي قامت على المحبة والرحمة، وانتشرت شرقاً وغرباً بالقدوة الحسنة على حد ما جاء في القرآن الكريم وبقوة طهارة الفكرة التي تتحول إلى عمل على حد تعبير شاعر الإسلام "محمد إقبال".
والسؤال الذي يقدمه شهر الصوم قبل حلوله وبعد حلوله هو: هل تستطيع أيامه الكريمة أن تضع حداً للاقتتال الدائر بين المسلمين هنا وهناك وفي بقاع كثيرة من عالمنا العربي والإسلامي، وهو اقتتال تفوق خساراته في الأرواح والأموال والممتلكات أضعاف ما لو كان الاقتتال يدور بينهم وبين أعدائهم.
ويرى البعض أن المسلمين مهما اختلفوا وتحاربوا فإنهم كانوا وما يزالون يكنون لهذا الشهر الكريم تقديراً روحياً، وهم جميعاً يطلقون عليه تسمية "شهر الله" وهي تسمية لا تلغي أن بقية الشهور كلها لله، ولكنها تميّزه عنها بما تحقق فيه من معجزات في مقدمتها نزول القرآن الكريم في ليلة من لياليه العظيمة المباركة.
ومن شأن الأمل الذي اتسعت مساحته بقدوم هذا الشهر أن يكبر ويتحول إلى أفعال إيجابية تحدّ من الخلافات بين أخوة العقيدة الواحدة وتفتح الأبواب والنوافذ لمراجعة واسعة تعيد النظر في أسباب الخلاف وعوامل التوتر التي جعلت الأخ يقتل أخاه، والجار يعتدي على جاره.
لقد كان الجاهليون –كما وصلت إلينا أخبارهم من خلال التاريخ الموثق- لا يتقاتلون في الأشهر الحُرم، وكانوا من تعظيمهم لها يوقفون المنازعات والغارات ويرون في الخروج على هذه القاعدة نكثاً بالعهد وخروجاً على القيم التي تعارفوا عليها وتوارثوها عن آبائهم وأجدادهم، وقد كان وما يزال لشهر الصوم من الحرمة والمكانة أكبر مما كان للأشهر الحرم، فلماذا لا تكف الأيدي الإسلامية الملوثة بالدم من هذا الفريق أو ذاك عن استمرار الولوغ فيه، احتراماً للصوم والصائمين، وأن يتم اعتكاف قادة الحروب للتأمل في النتائج والبحث عن مخارج عن طريق آخر غير طريق سفك الدماء وإشاعة الخوف وتوقف أعمال البناء في مرافق الدول الواقعة تحت وطأة هذا النوع من الحروب الأهلية التي تتخذ من الإسلام عنواناً لها في أكثر من منطقة وأكثر من دولة، وأنه من المحزن والمؤلم أن قد كان للجاهلية أشهر حرم يحرّمون فيها القتال ولا يكون للمسلمين مثل هذه الشهور يغربلون خلالها حصاد حروبهم التي فاقت في السنوات الأخيرة ما كان بينهم وبين أعدائهم.
لن أتوجه بحديثي إلى أولئك المتحاربين من أبناء الوطن الواحد والعقيدة الواحدة، -مع محبتي لهم جميعاً ومعرفتي بالظروف الخاطئة التي وضعتهم في مواجهة بعضهم بعضاً- وإنما سوف أتوجه له إلى رمضان، إلى هذا الشهر الكريم الطهور الذي يأتي مرة واحدة في العام ليذكرنا بالجياع والمحرومين وذوي الفاقة والحاجة من أبناء هذه الأمة التي استشرى فيها الفقر وتوزعتها الأوجاع السياسية والاقتصادية، أتوجه إليه، إلى رمضان –لعله يعيد إلى النفوس القلقة شيئاً من الطمأنينة، وإلى النفوس الحاقدة بعضاً من الصفاء، وإلى النفوس القانطة قليلاً من الأمل ولعله يتمكن في لحظة من لحظاته النقية أن ينفذ إلى قلوب المتحاربين ويقول لهم: كفى.. كفى احتراباً. ويكفي الأقطار العربية والإسلامية ما نالته على أيدي أعدائها من تقتيل وتشريد، ومن إبعاد عن منابع الاستنارة الحقيقة والبحث عن طريق العدل والكرامة والحرية بمعناها الإيجابي والبنَّاء.
الشاعر محمد إبراهيم في ديوانه الغنائي (من رماد الورود):
هذا هو ديوانه الثالث. الأول والثاني مكتوبان باللغة الفصحى وهذا الأخير مكتوب بالعامية.
وفيه من الصور البديعة ما يشد المشاعر ويثري الوجدان وقصائده جميعاً صالحة للغناء وجديرة بأن يتهافت عليها الملحنون والمطربون.
للديوان مقدمة بديعة بقلم شاعر الأغنية الأول الشاعر والمؤرخ الكبير الأستاذ مطهر الإرياني. الديوان صادر عن مركز عبادي للدراسات والنشر ويقع في مائة وأربع صفحات من القطع الصغير
تأملات شعرية:
في رمضانْ..
الله تع إلى ألقى القبض على الشيطان
وأبناء الشيطانْ.
فمتى تتخلص هذي الأرض
المنكوبة دوماً
بأبالسةٍ من نسل الإنسانْ؟
سؤال تكتبه الريح
-على أعمدةٍ مطفأةٍ-
بدمٍ يتدفق من كل مكانْ.