في خطابه الأخير في الكلية الحربية الرئيس عبدربه منصور هادي تحدث عن العديد من القضايا فيما يتعلق بعمران والمشهد في اليمن ، نلخص أهمها مع التعليق فيما يلي:
"بكل وضوح لا يمكننا أن نسمي ما حدث في عمران إلا انه تجاوز غير مقبول ولا معقول ولا يمثل استهدافا لطرف معين أو للواء معين بل استهداف واضح وجلي للدولة وأجهزتها الأمنية وقواتها العسكرية ومؤسساتها المدنية، واستهداف للعملية السياسية والمرحلة الانتقالية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وانقلاب عليها".
أي أن ما جرى لم يكن جريمة قتل فيها المئات من المواطنين والجنود واستبيحت مدن ويتمت أسر وسالت دماء،! يتجنب هادي وخطاب سلطة الوساطة اعتبار ما حدث "جريمة"، ويبدو خطابهم محاولة لامتصاص الغضب الشعبي أملاً في استمرار اللعبة.
ثم إنه يقول عمل "غير معقول". وكأن هادي كان ينتظر من الحوثي الذي يحاصر عمران منذ شهور أن يوزع الورود. ولم يكن يعلم أنه يحاول اقتحام المدينة ويحارب!!.. فالذي حصل "غير معقول"!.
**
"البعض مع الأسف كان يفهم حكمتنا وصبرنا وتعقلنا في التعامل مع قضية عمران وغيرها من المناطق على أنه ضعف وتخلٍ عن المسؤولية".
من هو الذي فهم هذا الكلام؟ لم يكن "ضعفاً" فقد أثبت حلفاء اللجنة "الرئاسية" أنهم أقوياء وأسقطوا عمران. ولم تتخلَ السلطة عن مسؤوليتها، إنما كانت منشغلة بترتيب البيت وهجم الحوثي فجأة!
**
وأضاف هادي: "من الواضح بغير خفاء أن البعض كان يريد من الصراع والحرب في عمران الالتفاف على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وتقويض العملية السياسية برمتها".
هذا تصريح مهم، حاول البعض الالتفاف على مخرجات الحوار وقام بواجبه في الدفاع عن عمران لكن الحوثيين وبفضل الوساطات والتحركات الرئاسية أحبطوا هذه المؤامرة!
**
"... ونحن اليوم مصممون وعازمون مستندين إلى الشرفاء والمخلصين أمثالكم على أن نجعل من عمران وما حدث فيها مدخلا حقيقيا لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار وبناء الدولة".
هذا يعني أن كل هذه الحرب قامت تنفيذاً لمخرجات مؤتمر الحوار، ويجب أن تكون "المدخل" لتنفيذ هذه المخرجات التي تقضي بإعادة تصنيف اليمنيين حسب الهوية وتوزيعهم مذهبياً وطائفياً.
***
"..فالدولة من الآن وصاعدا لن تسمح باستمرار هذا الصراع وستعمل بكل حزم وقوة للبدء باسترجاع أسلحة الدولة ونزع كافة الأسلحة المتوسطة والثقيلة من كل الأطراف من دون استثناء، وسنعمل على إخلاء كافة المواقع من معسكرات ومباني حكومية وخاصة من جماعة الحوثي".
الذي حدث كان "صراعاً" ولم يكن توسعاً حوثياً على جماجم المواطنين والجنود، واسترجاع الأسلحة من كافة "الأطراف". وهذا مواصلة الاسطوانة ذاتها!!..
الدولة المقصودة في كلام الرئيس هادي هي دولة "الحوثي"، وانتزاع السلاح المقصود في الحقيقة يقصد به سلاح الجيش والمواطنين المعارضين للحوثي. فأي دولة هذه التي يهدد هادي بتحركها وغضبها وأقوى ألوية الجيش في المنطقة الشمالية قد سقطت وبعض الألوية الأخرى باتت تحت رحمة الحوثيين يتفقدها ابوعلي الحاكم ويشرف على تنقلاتها!.
**
وأكد الرئيس أن "اللجوء للعنف أمر غادره اليمنيون تماما بمؤتمر الحوار الوطني الشامل"..
لم نشهد حرباً واحدة في صالات فندق موفنبيك باستثناء ما حدث من تراجم بعلب الماء وأشياء لا ترقي للحرب...
إنها أيام الحوار الوطني والانتصارات الإعجازية، فمنذ بداية الحوار وحتى اليوم كاد الحوثي يسيطر على صنعاء. وعندما دخلوا مؤتمر الحوار كان الحديث يجري عن إحراجه لإعادة الدولة إلى صعدة واستعادتها من الحوثي، وبسبب الأزمة الاقتصادية وعدم وجود "متطلبات ونثريات السفر إلى صعدة"، تكرم الحوثي وجاء هو إلى صنعاء!
**
"يخطئ من يظن أن قواتنا العسكرية والأمنية ستبقى "متعددة الولاءات والغايات فإذا كانت أحداث وظروف المرحلة الماضية قد أوجدت مثل هكذا تعدد هنا وهنا فإن المرحلة قد تغيرت فالخطبة ليست الخطبة والجمعة ليست الجمعة".
كلام هادي هنا يحاول تصوير تواطؤه في عمران بأنه في طريق ضرب "القوى"!.. هذا الكلام هو أخطر كلام مسموم يتم ذره رماداً على عيون محدودي النظر. حيث أن إسقاط عمران لم يكن تسليماً لمفتاح صنعاء إلى يد جماعة مسلحة لديها أجندة دولية وإقليمية وجذور تاريخية بادعاء الاصطفاء واحتكار الحكم.
هل يستدعي إسقاط "اللواء 310 مدرع" وقائده القشيبي أو استهداف "الإصلاح"، إشعال حرب أهلية وقتل مئات المواطنين والجنود والتحالف مع مجموعات لديها مشروع حكم عائد تتوسع والعالم كله يعرف هذا؟
هذا كلام لملء الفراغات لدى من يشعرون بتواطؤ هادي وبما لا يستطيع هو إنكاره. فإشعال حرب أهلية وتسليم عمران ومحيط صنعاء للحوثيين، ليس خطوة استراتيجية تهدف لإسقاط الجمهورية اليمنية وإنما استهداف "قوى"!. كما كان إسقاط العراق هو استهداف "البعث" وصدام ورجاله نظامه. وهكذا تُمرر المؤامرات تحت مظلة لخداع الشعوب أن ما يحدث هو معركة ضد طرف وقوة وليس ضد البلد!
ما يحصل عمل يستهدف الكيان اليمني ويحاول استنساخ التجربة العراقية والصومالية وتفكيك النسيج الاجتماعي وإعادة توزيع الخارطة طائفياً ومذهبياً وجهوياً. فالذي لديه صراع أو استهداف لأي قوة لا يلعب بورقة تسقط الجيش! ولا يسحب الألوية العسكرية من صنعاء وما حولها إلى الجنوب!!
**
وزاد هادي: "عليكم أن تفهموا أن هيبة المؤسسة العسكرية من هيبة أفرادها بل وكافة ألويتها ووحداتها في كل مكان وأي انكسار لأي وحدة فإنما هو انكسار للمؤسسة ككل".
نعم.. هكذا يقول "خبير تفكيك الجيوش"!.. ولذلك تم طعن الجيش في الصميم وإسقاط مدن وهو "الوسيط"!
**
وأكمل "على الجميع أن يفهم جيدا بأنه لامجال للمساومة عن خروج الحوثيين بأسلحتهم من عمران وكذا كافة الأطراف المسلحة الأخرى من غير أبناء عمران، وتسليم كافة الأسلحة والمعدات والذخائر التي تم الاستيلاء عليها من قبل الحوثيين في أحداث محافظة عمران، وإطلاق سراح كافة المعتقلين مدنيين وأمنيين وعسكريين وتسليم جثامين الشهداء، وعودة كافة أجهزة الدولة ومكاتبها التنفيذية لممارسة أعمالها".
هذا تصريح يُذكر بالخطوط الحمراء. خروج الحوثي والجماعات المسلحة!.. الإصرار على تصوير ما حصل على أنه صراع "أطراف"!. ثم هل يوجد دولة تطالب مسلحين استباحوا مدينة بالمدافع ومختلف الأسلحة أن يهربوا منها ب"أسلحتهم"! أو حتى بدون!!؟ هذا وهو يقول إن صمته ليس "ضعفاً"؟ وماذا إذن؟ إرادة!.
**
الأمر الذي بات الكثير من اليمنيين يعلمونه ومن الواجب التذكير به هو أن الرئيس هادي يكاد يجهز على الجيش في المناطق الشمالية، وأن معظم الألوية قد تم نقلها إلى الجنوب أو جعلها تحت رحمة أبي علي الحاكم.
هادي تحدث ووعد في السابق بما هو أهم مما قاله في هذا الخطاب، وكافة الخطابات التي تحاول امتصاص ردة الفعل الشعبية والعربية على سكوته عما حصل في عمران. وجميع ما يقوله لا يعدو عن كونه كلاماً لتبريد الجراح ومحاولة التغطية على الصورة، وإلا الحوثيون نقلوا الأسلحة من عمران إلى صعدة وضواحي صنعاء بمرأى ومسمع من الدولة. ثم ماذا يعني استباحة مدينة على بعد عدة كيلومترات من العاصمة يتبعها خطابات تمثيلية!
**
بعد إسقاط اللواء 310 مدرع أكبر ألوية واسقاط عمران والسماح بمخازن الأسلحة في صنعاء، ماذا لدى هادي ليتحرك به؟
إن الذي يصدق أن الرئيس هادي سيقدم على خطوات وأنه سيتحرك لإعادة هيبة الدولة إنما يستحق الرثاء. والدولة التي يريد هادي فرض هيبتها هي إقطاعية الحوثي، تماماً كما يعد أنه سيخلص اليمن من 50 عاماً جمهورياً!!..