لم يعد خافياً ولا محل إنكار عند الكثير من الأوساط اليمنية أن الرئيس عبدربه منصور هادي وفريقه يلعبون بالنار ويتواطأون مع الحوثيين في توسعهم المسلح بما يهدد اليمن بكافة أطيافه وتنوعاته.. وهذا ما بينته الفترة الماضية في العديد من الشواهد والسياسات نبرز أهمها فيما يلي:
1. عدم قيام نظام هادي منذ بدء المرحلة الانتقالية (أوائل العام 2012) بأي خطوة من شأنها الضغط على الحوثيين لتسليم محافظة صعدة لسلطة ترعى الجميع، ومن ثم أحداث "دماج" بما تمثل من قتل وتهجير قسري لآلاف المواطنين اليمنيين، وحتى سقوط مديريات عمران خارج المدينة (حاشد وغيرها) بعدما جرى من حروب وقتل.
2. تصوير الأحداث في عمران والجوف وغيرها حرباً بين أحزاب لتحييد الشعب والقوى الأخرى وصرفها عن النظر إلى خطر ما يدور والذي لا خلاف على أنه يهدد العاصمة والدولة التي يقطنها 26 مليون من مختلف الانتماءات. وإذا صحت رواية أن هناك "طرفين" فليتم فرض سلطة الدولة على الجميع! (هناك فرق بين جماعة مسلحة منظمة تعمل وفق خطط وتدريب وتسليح منظم وتمارس السلطة حيثما تواجدت وبين مواطنين يمتلكون سلاحاً ويدافعون به عن مناطقهم.. وما من طرف مسلح منظم غير الحوثيين، والذين يتم تصويرهم "أحزاب" أو "إصلاح" في مواجهته، هم مواطنون يواجهون توسع الحوثي المسلح وما يقومون به ليس عملاً منظماً يقوده حزب ينتمون سياسياً إليه، وإنما بدافع كونهم من أبناء تلك المناطق بعد تخلي الدولة عن واجبها).
3. قبل أكثر من عام ونصف تبين أن سفينة أسلحة إيرانية كانت في طريقها إلى اليمن قالت المصادر الأمنية آنذاك إنها تحمل ما يكفي لقتل ملايين، ومن بين ما فيها مثلاً 15 ألف غلاف لعبوة ناسفة تكفي لاغتيال بلد ومسدسات كاتمة للصوت ونواظير ليلية.. وأعلن رئيس جهاز الأمن القومي أن شحنة مثلها قد وصلت إلى الهدف.. كان يكفي ذلك، في أي دولة، لإعلان حالة الطوارئ والتحرك بكل أجهزة الدولة لاعتقال القائمين على الجماعة التي استوردت سلاحاً بهذه الخطورة.. ولكن الأمر بسلام!. وحوار!
4. لعّب دور الحياد أثناء الهجوم على عمران مع أن المهاجم معروف واللواء 310 مدرع لم يتجه لإشعال حرب في "مران" صعدة (قرية الحوثي) بدون إذن القيادة وإنما دافع عن المدينة المكلف بحمايتها والمتواجد داخلها منذ عقود ولم يواجه الحوثيين أو أنصارهم إلا عندما جاءوا مسلحين لاقتحام المدينة والواقع خير دليل.
5. تركت السلطة عمران محاصرة حو إلى شهرين دون القيام بأدنى خطوة تفتح طريق عمران صنعاء على الأقل. وبقيت المدينة تتعرض لحرب بكافة أنواع الأسلحة وتصل التعزيزات إلى الحوثيين بينما يتم استنزاف الجيش المحاصر داخل المدينة.. فماذا كانت السلطة تنتظر إلا سقوط المدينة واللواء؟ ومن المهم هنا ذكر آخر اتفاق تم الإعلان عنه قبل سقوط عمران والذي لم يكن إلا آلية لتحقيق أهداف ومطالب الحوثيين بشكل سلمي.
6. ممارسة الوساطة ومنع الجيش من القيام بمهامه بمناطق قريبة من العاصمة مثل "أرحب" و"همدان" و"بني مطر"، وتمثل الضواحي الشمالية والغربية للعاصمة، مع أنها من أهم المناطق التي يفترض أن يكون أمنها بيد السلطة بشكل كامل.
7. ممارسة الوساطة ومنع الداخلية من حفظ الأمن داخل صنعاء بعد أحداث حيّ "الجراف" بين الحوثيين والشرطة، عن طريق توجيه الداخلية بعدم التدخل بتحرك الحوثيين المسلح، مع أنهم يخوضون حروباً في شمال العاصمة ويفجرون بيوتاً. وقبل ذلك السكوت عن بلاغات في فترات مختلفة العامين الماضيين بوجود مخازن أسلحة للحوثيين داخل العاصمة.
8. نقل العديد من الألوية إلى المحافظات الجنوبية تخت أعذار "حرب القاعدة" وغيرها، وتفريغ العاصمة وضواحيها من أبرز معسكرات الجيش بما يجعل مركز الدولة صيداً مباشراً للأطراف المسلحة التي تتحرك حولها.
9. السماح بضرب القوى القبلية والسياسية والمعسكرات التي هي الطرف المعني بالوقوف ضد أي توسع مسلح يهدد الدولة.. قد يكون إضعاف أي طرف سياسي أمراً إيجابياً عندما يكون لصالح مؤسسة الدولة، أما عندما يتعلق ببدائل تهدد البلد والسلم الاجتماعي فاستهداف هذه القوى ليس أكثر من هدم للدولة. وقد تم التفريط باللواء 310 مدرع، مع أنه أهم قوة شمال العاصمة ووقوع ترسانته في أيدي جماعة مسلحة خارجة على القانون، وإذا كان يتم التفريط بالجيش بهذه الطريقة فبماذا سيواجهون الجماعة عندما تواصل طريقها؟.
10. السماح بقتل الجنود والمواطنين وتصويرهم وكأنهم يتبعون لطرف، مع أنه مهما كان ذلك صحيحاً (وليس صحيحاً)، إلا أن الدولة مسؤولة عن حماية كل مواطن مهما كان انتماؤه ومسؤولة عن الدفاع عن المبادئ والمصالح العامة. وإذا قال البعض إن الجنود في اللواء 310 مدرع، لا يطيعون أوامر هذه السلطة، نسأل: هل رفضوا أوامرها وتوجهوا لإشعال حرب في صعدة؟ (مثلاً)، أم أنهم يدافعون عن مواقعهم ويقومون بمهامهم الدستورية الثابتة في أي دولة بالعالم وهي منع أي عمل مسلح خارج القانون واحتكار القوة؟ إذا كانت السلطة تأمرهم بالسماح للميليشيات المسلحة القادمة من عصبويات مناطقية وطائفية.. فهي الخارجة على القانون وليس هؤلاء الجنود.
11. قيام الرئيس واللجنة الأمنية العليا بعد سقوط عمران بإصدار تحذيرات للحوثيين لم يُنفذ منها شيء. وكذلك تحذيرات سبقت في مناطق أخرى كحاشد وهمدان وغيرها، يواصل الحوثيون بعدها طريقهم وكأن شيئاً لم يكن.
12. قيام اللجنة الأمنية العليا بتحميل الحوثيين المسؤولية عن سلامة قائد اللواء 310 مدرع المعتقل، (في تأكيد على أنه قتل أسيراً)، ثم عدم إعلان مقتله رغم أن قيادات الدولة متأكدة من ذلك منذ اليوم الأول، وبعدها إعلان مقتله دون إبداء أي تبعات على الحوثيين باعتبار التأكيد السابق أنه كان "معتقلاً"!.
13. محاولة اختزال ما قام به الحوثيون من اقتحام مدينة وما رافقها من حصار وتدمير وقتل وتهجير ونهب أسلحة ثقيلة وتدمير مؤسسات حكومية، إلى "إدانات" وبيانات تحملهم "المسؤولية" وتطالبهم بالانسحاب وإعادة الأسلحة، مع أن ما حدث حرابة وجرائم حرب أزهقت فيها دماء ودمرت منازل ومؤسسات وانتهكت دولة. فالعقاب بلسان حال النظام "اهرب أيها الجاني.. لماذا فعلت هذا"؟
14. فوق ذلك: الإتيان بلواء عسكري موالٍ للحوثيين من صعدة وتسليمه عمران ومواقع استراتيجية مطلة على العاصمة ك"جبل ضين"!. والقول إن هذا وذلك جيش؟ ما الفرق!... الفرق أن الحوثي جماعة مسلحة تطمح لمشروع حكم لا يتفق مع السواد الأعظم من اليمنيين وليسوا طرفاً سياسياً لنقول إنه يتم نقل السلطة إليهم.. فهذا المشروع يمثل هوية طائفية لا هوية وطنية جامعة يستظل بها الجميع، بل يهدد للأسس التي قامت عليها الدولة. والدليل ما يجري من قتل وتفجير.
15. عدم تكليف نظام هادي نفسه حتى إخراج مسرحي يقنع أبسط البسطاء.. فجماعة الحوثي تسيطر بعمران والناس يعلمون ذلك والرئيس يحاول القول إن تلك الأماكن بيد الدولة!. وعدم تقديم تبرير وإخراج مقبول ولو من باب الكذب عن قضية استشهاد العميد القشيبي، والتعازي الباردة التي صدرت من الرئيس ووزارة الدفاع.
16. تجاهل كل الانتقادات والمطالبات المرتفعة بإقالة وزير الدفاع، وكان المفترض إقالته حتى بدون أي مطالبة أو شك أو تقصير، بسبب سقوط مدينة ومعسكر كبير بيد مجموعة مسلحة. فهو في أقل الأحوال فاشل وعاجز وفي أبعد منها متساهل أو مقصر وفي أوسطها متواطئ وفي واقعها متآمر.. والاتهامات والأدوار التي لعبها ويرددها الناس توضح ذلك.
17. الرد على كل تلك الانتقادات للوزير بإبعاد عسكريين من غير المرضي عنهم من الحوثي، كقائد المنطقة السادسة، أو إجراء تغييرات متعلقة بشكل غير مباشر، مثل تغيير قائد المنطقة الأولى، تغيير بعض قادة الألوية.
18. فوق ذلك: الرد على كل المطالبات ضد وزير الدفاع بعكسها عن طريق التدخل في اختصاصات وزير الداخلية لأنه تحفظ على أوامر بالتطبيع مع سلاح الحوثيين، وتوجيه الرئيس له بتسليم أمن العاصمة وما حولها لنائبه الذي لن يفعل غير تسهيل إسقاط العاصمة بشكل ناعم.. وفق ما رأينا تجارب موقف اللجان الرئاسية والتعاطي من الرئيس.
19. زيارة هادي لعمران في اليوم الذي فيه تشيع صنعاء الشهيد القشيبي وتصريحه من هناك بأنها تنعم بالأمن في محاولة للقول إن عمران أصبحت أفضل في عهد الحوثيين ولا شيء فيها.
20. انتهت جميع جهود لجان الوساطة الرئاسية في جميع المناطق إلى سيطرة ناعمة أو مسلحة للحوثيين ولم تجبرهم على التراجع خطوة واحدة.
**
السؤال بعد هذا كله.. ماذا يريد هادي؟ السطحية تقول إن هادي يضرب بالحوثيين "القوى التقليدية" أو يتخذهم كحليف. فالتواطؤ أو التحالف أصبح واضحاً ولا يبدو أنه يسعى لإنكاره.. وهذا التحالف ليس من أجل الحكم وإنما لأجل الانفصال والأخير له عشرات الشواهد المنفردة.
هل يُعقل أن تشجع جماعة مسلحة لها ارتباطات إقليمية ومشروع حكم طائفي مخالف لأغلبية اليمنيين وتوقع في يدها كل ذلك السلاح وتترك لها المدن وتبعد من طريقها الجيش... لكي تضرب "قوى"؟ أم لتضرب دولة؟ هل يعقل أنك ستتحالف مع الأقلية ضد الأغلبية من أجل "الحكم" (الأصل تحمي الجميع)؟ أم تحالف من أجل "الخراب"؟ هل عمران بناية مملوكة لحزب أو قبيلة أم هي محافظة ينتمي إليها مئات الآلاف من اليمنيين وتشكل بوابة وظهراً للعاصمة صنعاء؟
الآن بعد أن انكشفت كل هذه الأوراق ولم يعد نظام هادي قادراً حتى على التغطية عليها.. ماذا ينتظر؟ وماذا يريد؟ بما أنه سعى لـ"تحرير عمران من تلك القوى" بتعبير بعض من يبررون له، وقال إنها قد أصبحت أفضل الآن.. فالأكيد أن هذه القوى جميعها موجودة في صنعاء.. والواضح أن كل ما يقوم به يمهد لتسليم الحوثي العاصمة (سيناريو عراق وصومال) وانتقاله وفريقه إلى عدن تمهيداً لانفصال تتبعه انفصالات.
تأكدت هذه اللعبة وما خفي كان أعظم.. لكن ما على الجميع هو اليقين أنه لا يتم الإضرار بأي حزب أو شخص وإنما بأغلبية اليمنيين التي لن تقبل بالنهاية بأي جماعة تدعي لها الأفضلية بدافع النسب أو المعتقد. وهذه الجماعة إنما تُشجع من أجل الانتحار وضرب البلاد بها ولكنها لن تربح في نهاية المطاف.. وهي تعلم أن كافة الانتصارات هي بتواطؤ وتشجيع أطراف أخرى ستغادر فور الانفجار وأقصى ما ستفعله هو التسبب في حرب أهلية.
إن أكثر من عشرين مليون يمني هم ما يتم استهدافه عن طريق الُخدع وعندما ينتهي مفعول هذه "الخدع" ويتأكد الناس أن الذي تضرر هو البلاد، ومهما كان الثمن الذي سيدفعونه إلا أنهم لن ينسوا من تورطوا بعملية الغدر التاريخية التي تعرض لها شعب من أطراف داخلية وخارجية آمنها على مصيره.