مثلما كان متوقعاً، بدأت جماعة «الحوثيين» مرحلة جديدة من الإفشال المتدرج لعملية التسوية السياسية والأمنية المقرّة في اليمن برعاية إقليمية ودولية، مستخدمة هذه المرة ذريعة اجتماعية تحظى بتأييد شعبي، وهي رفض قرار رفع أسعار الوقود والمحروقات، لتحاصر العاصمة صنعاء برجالها المسلحين، مهددة أمنها، ومطالبة بإسقاط الحكومة التي كان يفترض أن تشارك فيها استكمالاً للاتفاق الموقع بين مختلف الأطراف اليمنيين. وقد لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قد يصل بها إلى المطالبة بإزاحة الرئيس هادي إذا اختار مواجهتها.
ولأن الخطوة الحوثية المسلحة لا تتناسب نوعاً وحجماً مع الهدف المطلبي الذي تتلطى وراءه، وخصوصا لجهة الحشود المسلحة التي أقامت متاريس وخنادق وتحصينات عند أبواب العاصمة، فقد أثارت مخاوف محقة من النوايا التي تحركها واستنفاراً دفع ممثلي الدول العشر الراعية لاتفاق المصالحة الوطنية إلى إصدار بيان شديد اللهجة يحذرون فيه الجماعة من زعزعة الاستقرار في البلاد ويحملونها المسؤولية عن عرقلة مساعي هذه الدول للانتقال إلى المرحلة التالية من الاتفاق.
لكن أياً يكن الخيار الذي ستلجأ إليه الحكومة المركزية فهو سيمثل انتصاراً بشكل أو بآخر لمصلحة الحوثيين، فإذا قررت التفاوض أو تحريك الوساطات، مثلما أوحت بذلك بعض التصريحات وتحركات الوفود، وخصوصاً ما تسرب عن توسيط سلطنة عمان لدى إيران للضغط على الجماعة ومنعها من محاصرة صنعاء، تكون الحكومة قد رضخت ولو بشكل غير مباشر لضغط الجماعة واضطرت إلى مفاوضتها مجدداً على اتفاق أبرم قبل أكثر من سنتين وتطلب جهوداً مضنية لإنجازه. أما إذا اختارت الحل العسكري لفك الحصار عن العاصمة وإبعاد قوات الحوثيين، وهو ما تبدى من خلال رفع درجة التأهب في وحدات عسكرية تتولى الدفاع عن صنعاء، فهذا يعني أيضاً أنها انجرت إلى الموقع الذي يريده لها الحوثيون، بحيث تتحول حكومة الوحدة الوطنية إلى طرف، وتفقد دورها الإشرافي على تطبيق بنود التسوية.
كما أن الحل العسكري قد يعني أيضاً سنوات من النزاع المتواصل تتحول الحرب خلالها إلى عمليات كر وفر في مناطق مأهولة تقع خارج الإطار الجغرافي التقليدي لانتشار الحوثيين، مع ما يعنيه ذلك من تدمير للبنى التحتية وتشريد للسكان، سيؤديان في النهاية إلى انهيار اقتصادي مريع يسبب هروب الرساميل والاستثمارات ويقود إلى امتناع الدول الراعية للتسوية عن بذل جهود جديدة قد تعتبرها مضيعة للوقت.
لكن لماذا وصل الوضع إلى ما هو عليه الآن؟ الواضح أن اتفاق المصالحة كان يحتاج إلى ضمانات أقوى بكثير من تلك التي اعتمدت للتأكد من التزام الأطراف كافة تطبيقه، بما في ذلك ضمانات من الدول الراعية تشمل احتمال التدخل بالقوة لتنفيذه. ذلك أن الحوثيين الذين رفضوا المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية وانصرفوا إلى تعزيز قوتهم العسكرية من دون رقابة ولا محاسبة، خاضوا وربحوا منذ إبرام اتفاق المصالحة ثلاث حروب في عمران ودماج وأرحب، أوصلتهم إلى ابواب صنعاء التي هم على وشك خوض حربهم الرابعة فيها.
وكان معلومات لدى مختلف الأطراف اليمنيين وسائر الدول التي ساندت اتفاقهم أن لدى إيران، الدولة الراعية للحوثيين، مشروعاً آخر لليمن لا يتطابق مع المشروع الخليجي- الدولي، بل يتناقض معه، ولهذا كان يفترض ألا تستخف السلطات المركزية في صنعاء بعمليات القضم المتدرج التي مارسها الحوثيون في الشمال والوسط، قبل أن يشكلوا تهديداً مباشراً للعاصمة. ولهذا يشبَّه الوضع اليمني اليوم بالوضع في ليبيا، حيث أطيح نظام القذافي من دون إقامة نظام بديل منه، إذ أوقفت الحرب في اليمن وأطيح نظام علي عبدالله صالح من دون منح النظام الجديد القدرة على تثبيت اتفاق المصالحة.