الحوثيون ليسوا أكثر من حزب متمرد في اليمن، خرج عن سيطرة الدولة وارتضى أن يكون دولة داخل الدولة. لم يكتف بذلك، أغرته الظروف السياسية الداخلية والخارجية بأن يتوسع قليلا. احتل مدينة عمران التي تبعد أقل من 50 كيلومترا شمال صنعاء.
الحوثيون خلقوا واقعا جديدا في اليمن، يمكن تشبيهه بواقع «حزب الله» في لبنان. حزب في حقيقته تنظيم إرهابي، لكنه شيئا فشيئا تحول لحزب له استحقاقات سياسية، وإلا فمن يصدق أن مسؤولا يمنيا يصرح لصحيفتنا: «صنعاء خط أحمر». وماذا عن محافظة بأكملها، صعدة، يحتلها الحوثيون منذ عام 2011، أليست هي خط أحمر؟! أما عبد الملك الحوثي، زعيم الحوثيين، فيهاجم الرئيس عبد ربه منصور. لماذا؟ لأن الرئيس لم «يشِد بالخروج الشعبي والجماهيري». الحوثي يلوم رئيس البلاد لأنه لم يرحب باحتلاله عمران. منصور يرسل جيشه لقتال «القاعدة» ويترك ظهره مكشوفا للحوثيين حتى وصلوا لمشارف عاصمة البلاد.
نجحت دول الخليج نجاحا مبهرا عندما رعت المبادرة الخليجية وأقنعت الأطراف اليمنية كافة بها وسط دعم دولي كبير، ثمانية أشهر من المفاوضات الصعبة والمعقدة، إلى أن تمكنت من حقن الدماء وإيقاف الخطر الداهم للشعب اليمني، إبان حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إلا أن مجلس التعاون رفع يده عن اليمن بعد نجاح وساطته السابقة، صحيح أن الدول الخليجية لا ترغب في التدخل في الشؤون الداخلية لدولة جارة، لكن أيضا ترك الأمور تتفاقم بهذا الشكل الخطير، هناك من يراه سيربك المنطقة ويجعل منظماتها الإرهابية تنافس الدول في عقر دارها.
الهدف الرئيس للمبادرة الخليجية كان الحفاظ على وحدة اليمن وتنفيس الاحتقان الذي بلغ حينها أشده، وكاد يصل بالبلاد لحرب أهلية تتداخل فيها القبلية والطائفية والمناطقية، وهذا الأمر لم يعد بعيدا عن اليمن. أي دولة هذه التي تقبل بتنظيمات إرهابية تنازعها هيبتها وسلطاتها؟
تلام دول الخليج على تركها اليمن وسط هذه الظروف الصعبة. الحقيقة أنه من الصعب على دول «التعاون الخليجي» القيام بأي دور سياسي خلال الفترة الراهنة، فالمبادرة الخليجية كانت أطرافها واضحة وخصمهم هو اللاعب الرئيس، علي عبد الله صالح. أما في حالة اليمن الحرجة الآن، فالمسؤولية مسؤولية الدولة التي تجزأت وتفتت، والفضل في نسبة كبيرة من ذلك لصالح، الذي قال لمعارضيه ذات يوم: فاتكم القطار. فإذا الدولة اليمنية اليوم فاتها القطار.
لن تكون مفاجأة لو تحول الجار اليمني غدا إلى دولة فاشلة، وهذا احتمال قائم طالما تركت الساحة لـ«القاعدة» من جهة، والحوثيين من جهة أخرى، وهذان التنظيمان لا يختلف بعضهما عن بعض أبدا، بل إن الحوثيين سايروا «داعش» في مجازرها الدموية وإبادتها الجماعية في عدد من المناطق التي يسيطرون عليها، لم يسلم منهم لا جيش ولا شرطة ولا مواطنون، «داعش» تهجر المسيحيين والحوثيون يهجرون اليهود، وهم عراقيون هناك ويمنيون هنا. لن يدخر الحوثيون سبيلا من أجل فرض طائفيتهم على الشارع اليمني، كما تفعل مثلهم «القاعدة» و«داعش»، وكما يفعل «حزب الله» في لبنان.
اليمن بحاجة ماسة لمشروع وطني يساهم في الاستقرار وإعادة هيبة الدولة المفقودة، وهذا يتطلب إنهاء سيطرة الحوثيين على المناطق التي يحتلونها، وتفتيت «القاعدة» التي بات اليمن مقرها الرئيس، وإنهاء نفوذ القبائل التي تنازع الدولة هيبتها، ولا ننسى نفوذ الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وما يفترضه الواقع اليمني من إنهاء حصانته. أزمة اليمن معقدة ومترابطة ولا يمكن فك عقدة منها إلا بفك العقد جميعها. عملية إنقاذ اليمن مسؤولية المجتمع الدولي بأسره، وليس دول الخليج وحدها.