من أين سيأتي الحوثي بالخبرات اللازمة للنشاط السياسي السلمي؛ تجربته كلها قائمة على الحرب والاقتتال والخنادق والمتاريس، خبرة عشر سنوات من الاقتتال، يتباهى فيها بعض قياداته علناً بأنهم قتلوا ستين ألف جندي وضابط من الجيش اليمني؛ ومعهم تتباهى ناشطة مدنية حوثية بقتل حميد القشيبي بحقد لا مثيل له؛ حيث تفرط في التشفّي والسخرية والاحتقار لرجل قُتل وهو يلبس بزّته العسكرية في لوائه العسكري الذي يتبع جيش الجمهورية اليمنية؛ تسخر من قائد عسكري صمد حتى اللحظة الأخيرة وقُتل من قبل جماعة مسلّحة خارجة عن شرعية الدولة وسلطة القانون..؟!.
من أين يأتي الحوثي بخبرة النشاط السياسي السلمي وهو مؤسّس أصلاً على فكرة العنف المسلّح والتوسُّع وفرض السيطرة بالقوة المسلّحة لكي يفرض فكرة خاطئة تؤوّل المذهب والدين وتعتسفهما ليصبحا مسوغاً لحق سلالة معيّنة بالحكم والسلطة دون غيرها من الناس كحق إلهي مقدّس، من أين يأتي الحوثي بخبرة وتقاليد النشاط السياسي السلمي وكل خبرته غزو المناطق والسيطرة على القبائل وتفجير المنازل والبيوت ومحاصرة المدن..؟!.
كنّا نراهن على استيعاب التيار الحوثي تدريجياً من خلال الاعتراف به كتيار سياسي، وإشراكه في الحوار، وجّر رجله إلى القضايا الوطنية والحقل السياسي والنشاط السلمي، لكنه أثبت أنه لا يستطيع مغادرة فكرة العنف والسيطرة والولاية والإمامة.
كانت فرصته هي الحضور السياسي من خلال قضيّة مجتمعية في قلب العاصمة «الجُرعة والحكومة» لكنه لم يستطع الصبر سوى مسيرة جماهيرية واحدة، بعدها ذهب لحشد كل أحقاد التاريخ القديم والجديد حول العاصمة.
التمييز بين العمل المشروع والعمل غير المشروع معيار مهم لمعرفة حقيقة توجُّهات الحوثيين الذين يحاولون تضليل الرأي العام وتشتيت أنظارهم عن الأهداف الحقيقية لهذه الحركة المسلّحة المتمرّدة.
الاحتجاج السلمي ضد الجُرعة والحكومة مشروع مكفول بموجب الدستور والقانون وبدهيات الحياة السياسية والمعايير الديمقراطية؛ غير أن حشد المجاميع المسلّحة بكافة أنواع الأسلحة حول العاصمة صنعاء وفي منافذها وتخزين الأسلحة في شوارعها وحاراتها أمر آخر تماماً.
هذا الحشد القبلي المسلّح حول العاصمة ينبش التاريخ القديم والجديد، فهو أولاً امتداد لدويلة داخل الدولة أكثر منه امتداد لحركة شعبية ثورية مدعاة داخل العاصمة، دويلة داخل الدولة بعد أن تمكّنت من استغلال حالة الفراغ وضعف الدولة في المرحلة الانتقالية وسيطرت على محافظة عمران واللواء 310 وقتلت قائده ومئات من ضباطه وجنوده، وانطلقت بعد ذلك لتحاول توسيع دويلتها الطائفية إلى إقليم سبأ بالهجوم على محافظة الجوف. دويلة الإمام الجديد تحاول السيطرة بالقوة والعنف على قبائل دهم الحمراء الذين وصفهم روح اليمن الكبرى أبوالحسن الهمداني بأنهم «جمرة العرب» وهو الأمر الذي لاقى مقاومة عظيمة أودت حتى الآن بأوهام الحوثي في السيطرة على عاصمة دولة معين اليمنية التاريخية..!!.
الزاوية المظلمة الأخرى التي نبش ظلامها حصار قبائل الحوثي المسلّحة حول العاصمة، هي حصار الإماميين الساعين إلى استعادة المُلك الضائع في حصار عاصمة الجمهورية السبتمبرية في نهاية الستينيات من القرن الماضي، هذه الاستماتة في التمسُّك بالسلاح والعنف كأداة فيها مقتل الفكرة الحوثية ومصرعها.. ولو تعقّل الحوثي وتريّث لأدرك أن بإمكانه أن يكون حركة سياسية لها ثقلها وتأثيرها دون هوس العنف والسلاح والقبائل المسلّحة، غير أن الوهم الكبير استولى عليه؛ إذ يتصوّر نفسه وسلالته فوق الناس كلهم، وغرور السلاح والقوة خدعه وأورده موارد الهلاك، وتوهم في لحظة غرور قاتلة أن بإمكانه أن «يطم» العاصمة صنعاء مثلما فعل في عمران؛ ولم يدرك أن صنعاء أكبر من وهمه، وأعمق من تطلُّعاته، وأكبر من جماعته، ومن المستحيل أن يبتلعها أو أن تكون لمعدته الطائفية القدرة على ابتلاعها.
الوعد الذي يعد به الحوثي سكان صنعاء هي عملية القتل البشع الذي أقدمت عليه مجاميعه ضد المهندس العامري؛ لا لسبب إلا لأنه رفض أن يتمترسوا في عمارته، هذا البغي والعدوان هو الذي سيهزم التيار الحوثي ويورده موارد الهلاك، ولو عقل وسلك طريق العمل السياسي السلمي، لكان ذلك هو طريق النجاة له ولشعبه ولوطنه، ولعادت أواصر الأخوّة والمواطنة والسلام بين تياره وكل اليمنيين إلى وضعها الطبيعي: التضامن والتآزر والأخوّة والمواطنة.
****
قيل كانوا إن حاربوا أي باغٍ
لا يُصافي حيّاً، رأوا أن يُصافُوا
ويُقال انتموا إلى الشعب صبحاً
ومساءً عن منهج الشعب حافُوا
ويقولون: بعضهم شبه بعضٍ
مثلما يُشبه الزُّعافَ الزُّعافُ
شاهدوا الأنجم الوضيئات بادت
وخلا للمقنّعات المطافُ
فوقنا دونها من الشك سقفٌ
وعليها من الشظايا لحافُ
عبدالله البردوني