أرشيف الرأي

مسمار جحا ومسامير الحوثي

انسوا مسمار جحا، بل انسوا جحا بكله!
فقد أصبح لدينا الآن مسامير الحوثي، والحوثي بكله..

مسمار جحا قصته معروفة: باع بيته باستثناء مسمار واحد كان مدقوقاً على أحد جدران البيت أبقاه تحت ملكيته خارج صفقة البيع، وأشترط على المشتري تركه مكانه وعدم نزعه. فوافق المشتري الذي استهان بالأمر ولم يدرك غرض جحا وراء هذا الشرط. وبعد أيام، ذهب جحا إلى المشتري ودق عليه الباب. فلما فتح له وسأله عن سبب الزيارة، أجاب: جئت لأطمئن على مسماري! رحب به الرجل، وأجلسه، وأطعمه. وانتظر بعد ذلك مغادرة جحا، ولكنه لم يغادر، بل خلع جبته وفرشها على الأرض وتهيأ للنوم، فسأله: ماذا تفعل يا جحا؟! أجابه بهدوء: أنام في ظل مسماري! وهكذا، ظل جحا يذهب يومياً للرجل، وتحديداً وقت الطعام، للإطمئنان على مسماره والنوم في ظله. وفي الأخير، لم يستطع المشتري الاستمرار على هذا الوضع، فترك لجحا البيت مع المسمار وكل ما فيه، وهرب!

مسامير الحوثي قصتها مشابهة لقصة مسمار جحا ومختلفة عنها في آن: التشابهات بين القصتين كثيرة وأهمها فكرة استخدام المسمار في الانقضاض على بيت اليمنيين. والاختلافات بينهما كثيرة أيضاً وأهمها الحوثي نفسه وعدد المسامير التي يستخدمها في الانقضاض على البيت.

لدى الحوثي ثلاثة مسامير رئيسية استخدمها حتى الآن في الانقضاض على بيت اليمن، ولا أستبعد ازدياد العدد مستقبلاً:

المسمار الأول هو "مسمار الجرعة" الذي استخدمه لدخول العاصمة كما استخدم جحا مسماره، مع فارقين: الأول أن جحا استخدم "مسماره" لدخول بيته السابق كي "ينام في ظل المسمار" فيما استخدم الحوثي "مسمار الجرعة" لدخول "آخر بيوت اليمنيين" (صنعاء) لا لكي ينام أو يحتج فيه سلمياً بل لكي "يهجم على البيت" ويدمره في ظل مسمار الجرعة. والثاني أن جحا استخدم "مسماره" لكي يسيطر على "بيته السابق" فيما يستخدم الحوثي مسمار الجرعة الذي ليس مسماره وحده بل مسمار كل اليمنيين لكي "يهجم في ظله" على بيت كل اليمنيين الذي لم يكن ولن يكون يوماً بيته وحده.

المسمار الثاني هو "مسمار الاعتصامات السلميه" الذي استخدمه الحوثي منذ البداية كذريعة لـ"حصار البيت" والتهديد بالهجوم عليه إذا تعرض "مسمار الاعتصامات" لأي أذى: قرأت البارحة لناشطين حوثيين تبريرات للحرب التي بدأها الحوثي داخل صنعاء تفيد أن الهدف منها "تأمين المعتصمين السلميين حتى لا يتكرر ما تعرضوا له أمام رئاسة الوزراء"!

أما المسمار الثالث- وهو الأهم هنا- فيتمثل في وجود الإصلاح وعلي محسن داخل الجيش والدولة، والعاصمة. فالحوثي يهاجم صنعاء الآن بحجة انتزاع "مسمار الإصلاح وعلي محسن من جدار الجيش والدولة فيها"، ولكنه ينقض على الجيش والدولة والبيت كله. مثلاً، هاجم أول أمس منطقة شملان وشارع الثلاثين بحجة تبة صادق الأحمر ومنازل ومقار تابعة للإصلاح ورجال محسوبين على علي محسن، ثم هاجم أمس معظم المناطق الواقعة شمال غرب صنعاء بحجة مهاجمة "تبة سواد حنش" حيث توجد الفرقة الأولى مدرع وجامعة الإيمان. وفي طريقه إلى هناك، هاجم مبنى التلفزيون ثم سيطر على خط التلفزيون كله من سوق الساعة إلى جولة عمران، وعلى نقطة المطار ونقاطاً ومناطق أخرى شمالي غرب العاصمة (حرر الجيش اليوم الكثير منها بحسب الأخبار المتداولة).

انتزاع مسمار الإصلاح وعلي محسن من جدار الجيش والدولة هو "الذريعة" التي يستخدمها الحوثي بشكل رئيسي في حربه على بيت اليمنيين الكبير، صنعاء. وقد صدق كثيرون "ذريعته" هذه فيما يزخر الواقع بكل الأدلة والشواهد الكافية لدحضها، وإليكم بعضها:

يسعى الحوثي لإظهار أن حربه في شمال صنعاء تستهدف "ميليشيات الإصلاح وعلي محسن التي تم تجنيدها ضمن قوات الفرقة" فقط. ومع أن هذا ليس عذراً، إلا أنه غير صحيح. فالكثير من هجماته أمس استهدفت قوات تنتمي لوحدات أخرى كالأمن المركزي واللواء الرابع إضافة للحرس الجمهوري (خط التلفزيون مثلاً الذي سيطر عليه الحوثي أمس كان تحت سيطرة قوات الأمن المركزي واللواء الرابع)، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى، فالحوثي لا يهاجم "سواد حنش" فقط، بل "سواد حزيز" أيضاً. والجمع بين "السوادين" في خارطة حربه على صنعاء يشير إلى "الطرف" الذي يسعى لانتزاعه: إنه ليس مسمار علي محسن والإصلاح المدقوق على جدار الجيش والدولة كما يزعم بل هو جدار الجيش والدولة اليمنية بكله.

الحوثي لم يهاجم الفرقة وجامعة الإيمان في "سواد حنش" فقط، بل هاجم قبلهما معسكر ضبوة ومعسكر 48 (الحرس الجمهوري سابقاً) في "سواد حزيز". وهذا ما أكدته أحداث الأيام الماضية وصولاً لأحداث أمس. ورغم أن مواقع وقيادات حوثية نفت مسؤوليتها عن الهجمات على معسكر السواد مساء أول أمس، إلا أنه ما من قوة أخرى موجودة في محيط ذلك المعسكر يمكنها مهاجمته سوى الحوثي. وحتى إذا افترضنا أنه لم يهاجمه مساء أول أمس، فقد هاجمه من قبل حيث قام صباح اليوم نفسه بقتل عدد من جنود المعسكر لأنهم رفضوا التوقف في إحدى نقاط التفتيش الحوثية المنصوبة في محيط المعسكر. وقبله، كان الحوثيون قد شنوا هجوماً واسعاً على المعسكر عقب أحداث رئاسة الوزراء. ويظل هذا المعسكر مرشحاً لهجمات قادمة ومعارك ضارية مع ميليشيات الحوثي المتأهبة في جنوب العاصمة، وهذا هو الخبر السيء فقط. الخبر الأسوأ أن يسيطر على هذا المعسكر من داخله بدون مقاومة، وهو احتمال يجر نفسه على معسكرات أخرى.

الحوثي لا يهاجم العاصمة من شمالها فقط، بل يهاجمها من جنوبها أيضاً، وهذا وحده كافٍ لتسليط الضوء على مسرح عملياته العسكرية المحتملة الذي لا يقتصر على شمال صنعاء، بل يشمل جنوبها أيضاً.

إذا لم تتوقف الحرب الآن، فتوقعوا ليس فقط انضمام جنوب العاصمة إلى مسرح القتال، بل وغربها وقلبها أيضاً. وإذا أردتم تشكيل صورة عن خارطة الحرب المحتملة داخل العاصمة، فالقوا نظرة على خارطة حصار الحوثي لها: لم تكن مصادفة أنه حاصرها من كل الجهات، إنه حصار مدروس ومخطط له وجاهز للتحول لخارطة حرب شاملة بأي لحظة، ولن يعدم حينها "المسامير" اللازمة لتبرير حربه.

لقد استخدم جحا "مسماره" للسيطرة بدون وجه حق على "بيته السابق" بعدما باعه لشخص آخر، في حين يستخدم الحوثي بدون وجه حق (ولا أي وجه آخر يمكن تفهمه) مساميره الثلاثة التي ليست مساميره وحده بل مسامير كل اليمنيين في "الهجوم" على بيت كل اليمنيين الذي لم يكن ولن يكون يوماً بيته وحده. وقد بدأ فعلاً في طرد آلاف اليمنيين- إن لم يكن عشرات أو مئات الآلاف منهم- من صنعاء منذ بدأ حصاره لها. وإذا واصل حربه، فالأيام القادمة مرشحة لأمواج نزوح جماعي كبرى من آخر بيت تبقى لليمن.

واهمٌ من يتصور أن الحوثي يريد انتزاع "مسمار الإصلاح وعلي محسن وبيت الأحمر" من جدار جيشكم ودولتكم وعاصمتكم، إنه يريد انتزاع جيشكم ودولتكم وعاصمتكم منكم بحجة وجود علي محسن والإصلاح فيه، إنه يريد السطو على ماتبقى لكم من جيش ودولة وعاصمة بذريعة تخليصها من هذا المسمار، إنه يريدكم أن تبيعوه دولتكم بدون اي مقابل سوى انتزاع هذا المسمار منها فقط.

ولذا، قولوها من الآن:
سلام الله على جحا!

زر الذهاب إلى الأعلى