ما حدث في صنعاء لازال إلى الآن لغزا محيرا تعددت تأويلاته، وتحديد الأطراف المنهزمة والمنتصرة فيه إلا أن هناك شيئا واحد يتفق عليه الكل، وهو أن المستفيد الواضح إلى الآن مما جرى هو إيران التي لم تتورع عن التصريح أن العاصمة العربية الرابعة تسقط بيد طهران، فهل ما جرى يأتي في سياق استراتيجية إيرانية بعيدة المدى في الانتشار المذهبي السياسي أم أن إيران وجدت نفسها خارج إطار اللعبة في الترتيبات الجارية في اليمن، وهي دولة تحاول فرض نفسها كقوة إقليمية وكطرف لا يمكن القفز عليه فأرادت أن توجد لها دوراً أم أنها فرضت نفسها كلاعب أساسي وأخذت الجميع إلى ملعبها؛ سواء كانت الاطراف اليمنية أو الرعاة الإقليميين والدوليين للمبادرة الخليجية.
أسئلة وتداعيات تفر ض نفسها على كل من يحاول قراءة ما حدث في صنعاء، وليس اليمن؛ ففي الوقت الذي وصف فيه الرئيس عبدربه منصور هادي التوقيع على اتفاق المشاركة والسلم بين الدولة والقوى السياسية وفي طليعتهم الحوثيين بأنه تاريخي عاد ليتحدث عن خيانة وراء تسليم صنعاء للحوثيين، وتحدث كثير من الأطراف عن مستويات من الخيانة والمؤامرات الداخلية والخارجية وراء ما تم وظهر الحوثيون الوحيدون الذين يدركون ما يعملونه جيدا ويعون حقيقة نظرة الناس إليهم فرغم رفعهم مطالب الشعب كشعارات لما جرى لم يصدقوا أنفسهم انهم المنقذ، ولذا عمدوا إلى تجميل صورتهم بعدم اشاعة الفوضى و نهب وتدمير الممتلكات العامة التي استولوا عليها بعد استيلائهم على صنعاء واقتصارهم على الثأر من اشخاص محدودين بحجة اساءة هؤلاء الاشخاص إلى الشعب وليس إلى الحوثيين، ومحاولة عبد الملك الحوثي بعث رسائل تطمين للخارج والداخل عبر خطاب الانتصار الذي تم بثه عبر قناة المسيرة إلا أن بقاء مسلحي الحوثي وانتشارهم داخل صنعاء يوحي بعكس ما يقولونه.
لكن السؤال الأهم من هذا كله هو: هل لا تزال هناك إمكانية لاستمرار خطوات الحل الذي تمخض عن التوقيع على المبادرة الخليجية، وفي رأيي أن إمكانية الاستمرار قائمة مع وجود بعض الصعوبات الإضافية؛ فالتحول إلى يمن اتحادي أمر أصبح فيه كثير من الواقعية عبر تعاطي الناس مع الاقاليم، وكانها أصبحت قائمة بالفعل ولجنة صياغة الدستور مستمرة في عملها، ومن الممكن ان تستمر العملية لكن في ظل هيمنة الحوثي وحضور أجندة إيران؛ ففي الوقت الذي كنا نتفاءل ان اليمن الجديد سيكون عمقه الاستراتيجي محيطه الاقليمي وسيكون له حضوره في منظومة دول الجزيرة والخليج تلوح في الأفق بوادر ذهابه بعيدا وتحوله، ولا سمح الله إلى شوكة في خاصرة الامن القومي وهو أمر ممكن تلافيه بعمل استراتيجي وتمكين القوى المستنيرة داخل اليمن من العمل بدلاً من محاصرتها طوال سنوات حكم علي عبد الله صالح الذي امتد لعقود ثلاثة كانت القبيلة في جزء من اليمن هي الحاضر الأكبر في المشهد.
وبدا المشهد في صنعاء عشية الاحتفال بذكرى ثورة سبتمبر التي اطاحت بحكم ائمة الزيود الذين ينحدر منهم الحوثيون بدا المشهد مضطربا للغاية فتم إيقاد الشعلة بميدان العرضي بدلاً من ميدان التحرير التي جرت العادة ان توقد فيه، وذلك لاحتلاله من قبل مليشيات الحوثي وإقامة احتفالات انتصاراتهم فيه، وجاءت كلمة الرئيس عبدربه منصور تنضح مرارة واسى وهو يتحدث عن المؤامرات التي غذاها اصحاب المصالح الضيقة الذين باعوا كل المبادئ والقيم من أجل مصالحهم، وبسببهم سقطت صنعاء، وأكد هادي رهانه على الشعب وابنائه البسطاء مخاطبا مكونات الشباب والمرأة وأبناء القوات المسلحة والأمن أنهم سينتصرون للشعب وأنه بهم ولن يتركهم، بالمقابل وجه الرئيس السابق علي عبد الله صالح كلمة مليئة بالسخرية والتهكم إذ إنه أعرب عن استغرابه كيف يحتفل الشعب بعيد الثورة في غياب الدولة، وكأنه إبان حكمه بنى دولة أضاعها غيره.
وعلى هامش احتفالات أعياد الثورة في صنعاء بدا الحوثيون يمارسون اجندة على الارض ففرضوا أئمة وخطباء للمساجد بقوة السلاح ومنعوا النساء من قيادة السيارات إلا بمحرم ومارسوا أبشع الجرائم من نهب وسلب وانتهاك لحرمة البيوت في الوقت الذي يتغنون فيه بانجازهم أنهم ثاروا من اجل الشعب، وأسقطوا المبادرة الخليجية التي تعتبر من وجهة نظرهم تدخلا في شئون اليمن بينما تبعيتهم لإيران عادية وشر البلية ما يضحك.
اما في بقية المحافظات اليمنية والتي تمثل اكثر من 75% من سكان اليمن لا علاقة لهم بالمذهب الزيدي ولا بالحوثيين فقد احتفلوا بذكرى الثورة بما يؤكد انهم لن يتركوا للحوثي فرض أجندته الإيرانية على اليمن، وأن أسوأ احتمال ممكن أن يقبل به اليمنيون هو سيطرة الحوثي على مناطق الزيدية، وهي تمثل أقلية سكانية ولا يسلمون بمذهب الحوثي الجارودي الاثنا عشري القريب من إيران وغير خاف الفرحة الإيرانية بما قام به الحوثيون والتي جهر بها إعلامهم.
وفي ظل اللحظة العصيبة التي يعيشها اليمنيون ومعهم كل الخيرين من اشقائهم واصدقائهم ما هو القول الممكن بالخيارات التي على اليمنيين الأخذ بها والسيناريوهات المحتملة والبداية من تأكيد الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتهم المملكة بالتأكيد على استمرار دعمهم لليمن والتمسك بشرعية الرئيس هادي، وكل ما تم بموجب المبادرة الخليجية وادانتهم لكافة انواع البلطجة الحوثية، وكل من يدور في فلك الحوثيين هذا الموقف الذي تجلى في اجتماع اصدقاء اليمن برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة ووزيري خارجية اليمن وبريطانيا وبحضور المانحين من اصدقاء اليمن الذين يتجاوزون 38 دولة ومنظمة والذي انعقد أواخر سبتمبر المنصرم في لندن، و تحركات مجلس الامن وادانته لممارسات الحوثيين وقد يستند إلى قراره القاضي بمعاقبة كل معرقلي التسوية في اليمن بموجب الفصل السابع من نظام مجلس الامن.
لكن ما يعنينا هنا هو الحديث عما يخص اليمنيين، وما يمكن ان يقوموا به واللافت للنظر ان كثيراً من وسائل الاعلام وخاصة في الفضاء الالكتروني ترفض رفضا مطلقا التعاطي مع الحوثيين كقوة شرعية وانما مجموعة متمردة وخارجة على القانون، هذا شيء والشيء الآخر أقول لكل ابناء اليمن ان الحوثي لا يمتلك أي فكر قادر على فرض نفسه؛ فالنصر دائما لا يكون الا للفكر انما البلطجة والاستقواء بالسلاح لا يمكن ان ينجز أي تحول كان وعلى الشباب والمثقفين في صنعاء وفي كل المناطق الشافعية مواجهة فكر الجارودية الاثنا عشري اللقيط الدخيل على اليمن وأهله بالفكر والتوعية، كما أن على أصدقاء اليمن الوفاء بتعهداتهم ودعمهم لليمن كون المشكلة من جذورها اقتصادية.
وبعيدا عن التهويل في التعاطي مع ظاهرة الحوثيين سنجد أن اتباع الحوثي الحقيقيين هم قلة من الاطفال المغرر بهم أو محدودي الوعي وما نراه الان هو تجمع زيدي التف حول الحوثيين لمحاولة استعادة الوهم الزيدي في السيطرة على الدولة في اليمن؛ كون الرئيس لم يعد منهم ويعرفون انهم أقلية اذا فقدوا الامساك برأس السلطة لن يكون لهم أي نفوذ يذكر خارج مناطقهم، وهي مناطق جرداء لا تعد بأي خير وهو ما جعل علي عبد الله صالح وجزءا كبيرا من قبيلتي حاشد وبكيل وعددا من القادة ينضمون للحوثي.
وفي نفس الوقت علينا ألا نقلل من خطر الحوثي كونه يمثل اختراقا للامن القومي العربي من جهة إيران، وعلى كافة القوى الواعية المدركة لهذا الخطر داخل اليمن وخارجه أن تتعاون على وأده ومحاصرته من التمدد الذي قد لا يقف عند حدود اليمن.