أخطر أنواع الأوهام التي قد تصيب الميليشيات عموماً، وهْم فائض القوة، الذي يتملك الحوثيين في هذه الأيام. كان لا بد لهؤلاء أن يتلقوا ما تلقّوه بالفعل من ضربات في البيضاء وإب، لتعود أرجلهم إلى الأرض، وليتذكروا أن اليمن بلد مركّب من ألف جزئية تحول دون تمكن أي طرف (بمن فيهم الدولة) من بسط هيمنته بالحديد والنار.
لكن يبدو أن تلك الضربات المتواصلة لم تفعل سوى التسبب بالمزيد من الاستقواء لدى الجماعة، بفعل نفخ إيراني فاق كل الحدود، ووقوف العالم على "الحياد" أسوةً بدفن حكام صنعاء رؤوسهم في الرمال إزاء تسونامي الحوثيين.
تسونامي تتعدد تسمياته بهدف التهرب من وصف ما يحصل باسمه الحقيقي: الحرب الأهلية التي بدأت تكتمل ملامحها مع انتقال "اللجان الشعبية" التي سبق أن تشكلت من القبائل، بغطاء وتسليح حكوميَّين، من محاربة تنظيم "القاعدة"، إلى قتال الحوثيين في خندق واحد مع "القاعدة"، وفق نظرية أن لا صوت يعلو فوق صوت حماية أهل السنة من الشيعة.
وإن كان الشعور بفائض القوة لدى المجموعات المسلحة غير النظامية، هو وصفة الحروب الأهلية، فإنّ محاربة دول كبرى دولاً أخرى بأدوات خارجية، على نحو ما كان يجري أيام الحرب الباردة، هو ذروة الامبريالية التي تدّعي إيران محاربتها.
هي إيران التي تدرك لا شك، أنها، من خلال عدم منع حليفها الحوثي من التوجه نحو عمق المحافظات الصافية مذهبياً، البيضاء نموذجاً، تكون مساهِمة أصيلة في الدفع نحو الانتحار اليمني الجماعي، وهي الصفة الملازمة للحروب الأهلية طبعاً. انتحار جماعي ملامحه جليّة في مواجهة تبدو نتيجتها صفريّة بين طرفَين يتشاركان تكفير الآخر ويتسابقان على "الشهادة في سبيل الله"، لكن "البادي أظلم"، والبادئ هنا معروفة هويته.
في غضون كل ذلك، سيبقى العامل الإيراني يكدّ لـ12 ساعة يومياً، بحدّ أدنى من الأجور، ليسدّد بضرائبه تكاليف الحرب الدينية لبلاده بالوكالة، والعالم، باستثناء اليمنيين طبعاً، سعيد بمشاهدة أحدث فصول تصفية التكفيريين وفق آيات ذكر الدعاء: اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا منهم سالمين... لكن على حساب اليمنيين.