من الأرشيف

خاطرة أولية حول الحالة التونسية

نجحت تونس في تجنب سقوط الدولة والسقوط في العنف ، واتجهت لإدارة صراعات قواها السياسية بالديمقراطية والانتخابات لعدة أسباب أهمها:

- أن مجتمعها حيّ ولم يتم عزله بشكل كامل وتعطيل فعاليته في المرحلة الاستبدادية ؛ ويستند على تراكم سياسي وثقافي وإقتصادي معقول ويشكل له بطانة داخلية واقية.

- أن البلد كمتحد إجتماعي لا يعاني من تشظيات عمودية عميقة ذات طابع طائفي ومذهبي " سني / شيعي " كالتي تعانيها بلدان المشرق ، أو دينية / حالة مصر.

- أن أهميته ليست كبيرة لصراعات النفوذ والمصالح الدولية ؛ فلا يمتلك ثروة نفطية ، وليس قريبا من البحيرة الخليجية المقدسة ؛ ولا يشكل أهمية جيوسياسية في صراع المصالح الدولية والإقليمية ، ولم يكن في تاريخه الحديث ساحة حية لمثل هكذا استقطابات إقليمية ودولية.

- أنه بعيد عن المجال الحيوي للذراع الهوجاء للحلف العازل " السعودية / مصر / الإمارات " بعيد بعدة مقاييس ؛ لا يشكل مجالا حيويا لمصالحها ، ولم تجد فيه القوى المستعدة للعب الدور التدميري ، ولأن ثورته في 2011 مرت بسلام ولم يتم كسر موجتها وتلطيخ مسارها بالدم والعنف ، وبعيد بسبب البنية المجتمعية المتماسكة التي لم تستوطنها ثقافة العنف ولا التيارات المتطرفة ، فحتى حركته الاسلامية تبدو مفارقة لبقية الحركات الاسلامية في المشرق والمغرب.

- أن الطابع الاستبدادي السابق والمصالح التي ارتبطت به ؛ لم يكن ذو سمة حادة ومتمركزة ببؤرة حصرية كعائلة أو نخبة عسكرية ؛ وإنما كان أكثر عمومية وأقل حدة مقارنة بالعائلة في ليبيا أو النخبة العسكرية في مصر.

وبالتالي لم تكن الثورة المضادة محمومة ولم تتوفر على تحالفات إقليمية راسخة يمكن أن تدفعها لاستعادة موقعها بالقوة وبشكل سريع ، ولذلك ذهبت إلى الانتخابات ، وتحقيقها للنجاح هنا يعزز الاستقرار وادارة الصراعات بالقوة الناعة والتنازلات المتبادلة ؛ أكثر مما يمكن ان يعطى من دلالات في سياق العودة العازلة والقاطعة مع مسار الربيع التونسي.

هذه بعض الأسباب التي تجعل من تونس " الثورة الربيعية الناجية " من ثورات الربيع العربي وبلدانها ؛ التي كسرت ثوراتها الشعبية وسقطت الدولة في بعضها وغرق البعض الاخر في احتراب أهلي لا زال مستعرا حتى الان ، وينذر بما هو أسوأ.

زر الذهاب إلى الأعلى