المؤتمر الشعبي حدد في بيان صادر عنه موقفه الذي يرفض نقل الحوار خارج صنعاء. لماذا ؟. لأن لديه إقطاعية قوة عسكرية فيها تحمي قياداته، وتمكنه من المشاركة في الحوار متحرراً من ظل البنادق الحوثية..
حسناً: القوى الاخرى التي تصر على نقل الحوار إلى مكان آمن "تعز مثلاً" ليس لديها إقطاعيات قوة مسلحة تحقق لها توازن قوى، ولا يوجد دولة تتكفل بحماية الجميع من دون تمييز سياسي ، حتى الرئيس لم يستطع حماية نفسه وهرب، ومحمد قحطان لحقوا به، وأمسكوا به في نفطة السحول، ورجعوه إلى بيته في صنعاء ، ساع الدجاجه الهارب من القفص!!
حتى في الحوارات بين دول متحاربة يتم تأمين الوفود المتحاورة في أرض الخصم ... غير أن ممثلي القوى السياسية في بلدهم وعاصمتهم لم يعودوا آمنين ، ويتعرضون للتهديد فوق طاولات الحوار ، وتأكدوا بعد ما حدث لقحطان وعبدالله نعمان، أن حركتهم مقيدة كأنهم في سجن ، ورئيس الحكومة المستقيلة بحاح تحت الإقامة الجبرية ..
وبعد ذلك كله يأتي المؤتمر الشعبي العام ، الحزب الذي تأسس داخل الدولة ، وجاء رئيسه من داخل مؤسسة الجيش ، وحكم اليمن لسنوات طويلة ليقول أنه ضد نقل الحوار إلى مكان آمن!!
المؤتمر ورئيسه وقياداته لديهم نفوذ في ما تبقى من معسكرات للجيش في العاصمة خارج نطاق السيطرة الحوثية.
يوم أمس أفلتت من عبدالملك الحوثي جملة في خطابه كشفت كل مكنونات تفكيره، وواقع الحال بوضوح. حاول الرجل أن يطمئن المؤتمر الشعبي العام وأن حركته لا تستهدفه ، والتطمين جاء معطوفاً في سياق حديثه عما حدث من مواجهات بين مسلحيه والقوات الخاصة في الصباحة. ما نقرأه في هذا التطمين ملقياً بين سطوره هو إقرار زعيم الحوثيين أن هذه القوات تقع ضمن أملاك المؤتمر الشعبي العام وليست معسكرات " الدولة " التي أزاحها بإجتياحاته. هنا أيضاً بعض ذكاء للرجل: وكأنه يقول للجميع؛ أن قانون الواقع السائد الان هو تقاسم الجيش وأسلحته بين حركته والرئيس السابق وحزبه. وهو بهذا يخفف من هول اجتياحات حركته للدولة بالقول: لماذا تغضبون، ها هو حتى الرئيس السابق وحزبه وهما من أقاما الدولة يتملكون أيضاً إقطاعيات عسكرية. صحيح أن الفارق شاسع بين الطرفين، ولكن المبدأ موجود.
هناك فرق بين الادارة بالمؤسسات الحديثة والإدارة بالشبكات. المؤسسة تستقي أوامرها تراتبياً من الأعلى إلى الأدنى. والشبكة تتلقى أوامرها بواسطة النفوذ من خارجها ، وليس من المخولين تراتبياً في إطارها التنظيمي الذي يغدو صورياً هنا
ضمنياً ؛ بدون القوة المحايدة " الدولة " التي تضمن سلامة الجميع ، وتؤمن حياتهم وعيشهم اليومي وأمنهم وأستقرارهم ، ويكون لها وحدها حق إستخدام وسائل القسر والإكراه بموجب مايقرره القانون ، تغدو المدينة سجناً كبيراً.
في حالة "اللادولة" التي تتسيد فيها الجماعة المسلحة، ويغدو ما تبقى من الجيش إقطاعيات قوة مسلحة لاصحاب النفوذ، يغدو القانون الذي يحكم كل شيء بما فيه طاولة الحوار هو قانون "حكم بني مطر في سوقهم".
هنا لا يعود اللقاء في طاولة مستديرة واحدة يتساوى فيها الجميع حواراً ، وإنما طاولة إذلال وتغلب على الطرف المجرد من السلاح والقوة. الحوار فضائه مفتوح ويتأسس على التوازن ، والاستعداد للقبول بأي نتائج يفضي اليها. ومن يذهب إلى الحوار عليه أولاً أن يقوم بمراجعات لمواقفه ، وأن يقبل التقدم خطوات باتجاه المختلف معه حتى يلتقيا في نقطة المنتصف ، حيث " التسوية " والحلول الوسط هي عنوان السياسة والمجتمعات الحديثة التي تحل خلافاتها بالتنازلات المتبادلة.
كان الأولى بالمؤتمر الشعبي العام أن يبذل جهداً لزحزحة حليفه "الحركة الحوثية" عن مواقفها التي تكتفي بمديح الذات وإصطفائيتها وشيطنة كل المخالفين لمنهجها الذي يمضي باتجاه احتكار زمام المبادرة كلها ، والدولة كلها ، والسياسة كلها ، والبلد كله.
خطاب عبدالملك الحوثي الأخير ؛ كان زفرة غضب وضيق وهروب إلى الأمام،
لا يوجد ولا ذرة مراجعة تقول لنا : لقد أخطأنا هنا أو هناك،
لم أجد فيه منفذاً للسياسة ، والحوار ، وفتح أبواب الحل،
لم أتمكن من رؤية خطوة واحدة يخطوها بإتجاه منطقة الوسط للاقتراب من المعارضين لهيمنة حركته، ومع ذلك لم يذهب المؤتمر لكي يمنح "حليفه اللدود" بعض خبرته السياسية المكتسبة ، بل من أجل أن يثبت أقدامه في طريق الاكتفاء بما تقرره الذات المكتفية بنفسها ، والحركة التي لا ترى أحداً سواها.
***
أوقظوا ماتبقى في أعماقكم من إنتماء لبلدكم وشعبكم ،
وتحاوروا من أجل إنقاذ اليمن في تعز أو حضرموت أو حتى في محافظة سقطرة
كلها يمنية ومن اليمن .. لا يأخذكم الكبر والحماقة إلى التمترس
إذا كان من شيء مطلوب منكم أن تعملوه الآن : فتحاوروا بدون مندوب أممي ... أو على الأقل إشترطوا على الأمم المتحدة تغيير المقاول الأفاق جمال بنعمر.