تضخ وسائل إعلام تحالف الحوثيين وصالح في اليمن، ووسائل إعلام الإيرانيين وحلفائهم في البلاد العربية، أن البلاد تتعرض ل»عدوان خليجي سعودي» عليها، وذلك لتضليل الرأي العام اليمني والعربي، والدولي.
دعونا ندقق في حقيقة العدوان، ومن أين جاء؟
لنسرد بعض الحقائق التي ليست محل خلاف لدى المراقبين. في 2011 مرت على اليمن أحداث «الربيع العربي»، ومع نهاية العام وقَّعت الأطراف اليمنية على المبادرة الخليجية التي اقتضت تسليم الرئيس السابق علي عبدالله صالح السلطة.
صالح سلم في الحقيقة «العلم الجمهوري» للرئيس عبدربه منصور هادي، في حفل كبير كنت حضرته في بداية 2012، في إشارة رمزية إلى تسليم السلطة للرئيس الجديد.
في الواقع لم يسلم الرئيس صالح للرئيس هادي أكثر من «قطعة قماش»، لأن صالح ظل إلى الآن مسيطراً على الجيش والأمن والإعلام والمال. انتهى الحوار الوطني في كانون الثاني/يناير 2014، كان هناك نص في وثيقة الحوار جعل الرئيس السابق ينقلب مع الحوثيين على مقررات الحوار الوطني. هذا النص هو نص تقسيم اليمن إلى أقاليم ستة، وهو الأمر الذي يحد من سلطة المركز المطلقة على ثروات ومقدرات الأطراف، وهذا ما جعل صالح والحوثي ينسيان حروباً ستاً بينهما، ليتحالفا لشن حرب جديدة على اليمنيين لإعادة إخضاعهم لسلطة المركز التي بموجبها كانت تجبى كل ثروات البلاد إلى أيدي المتنفذين والفاسدين في نظام الرئيس السابق.
خلال شهور طويلة من الحوار الوطني الممتد من اذار/مارس 2013 إلى كانون الثاني/يناير 2014، كان صالح ينسج بهدوء خيوط تحالفه المناطقي/الجهوي مع الحوثيين، انتقاماً من قيادات 2011 الذين خرجوا على نظام حكمه وأسقطوه. وعلى الرغم من أن الرئيس السابق لم يكن زيدياً بالمعنى المذهبي، إلا أنه كان زيدياً بالمعنى الجغرافي والتاريخي، حيث بدأ يجمع وجهاء «الزيدية الجغرافية»، في بيته في صنعاء ليشرح لهم خطورة خروج السلطة من نطاق «المركز الجغرافي»، إلى الأطراف، وبدأ يعزف على وتر «الأكثرية السكانية»، ويخوف شيوخ القبائل من خروج السلطة إلى يد «الشوافع» في الأقاليم الأخرى من البلاد التي تشكل أكثرية ديمغرافية.
كان إقرار نظام «الأقاليم»، هو النقطة الجوهرية التي جعلت تحالف صالح والحوثي ينقلب على مخرجات الحوار الوطني. والغريب أن هذا التحالف انقلب على مخرجات الحوار الوطني باسم تطبيق وتنفيذ هذه المخرجات.
تُوج «العدوان الداخلي» على اليمنيين بدخول ميليشيات الحوثيين صنعاء يوم 21 ايلول/سبتمبر 2014، بتنسيق كامل مع القوات العسكرية والأمنية الموالية لصالح، واستمر الأمر في القصة المعروفة، التي انتهت بوضع الرئيس هادي تحت الإقامة الجبرية، ثم هربه إلى عدن، ثم قصف قصر الرئاسة هناك بالطائرات المتحوثنة، إلى أن تمكن من الهرب مرة أخرى إلى الرياض، قبل أن يوجه رسالة طلب فيها التدخل العسكري العربي لكف «عدوان الحوثيين وصالح» على المدن اليمنية التي مارسوا فيها أنواعاً من التنكيل لم يعهدها اليمنيون من قبل، من القتل والقصف والتخريب والحصار والتجويع، واستهداف البنى التحتية وتحويلها إلى معسكرات ومناطق عسكرية.
وعلى إثر الرسالة المرسلة من رئيس الجمهورية للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، جاءت «عاصفة الحزم» التي أعلنت أن الهدف هو العمل على عودة الشرعية إلى البلاد، وإسقاط الانقلاب. وبالإضافة إلى الضرورة الداخلية التي استدعت تدخل التحالف العربي،، جاء التدخل كذلك لقطع الطريق على الإيرانيين الذين احتفى مسؤولوهم – من المرشد ورئيس الجمهورية وقادة الحرس الثوري – بسقوط العاصمة العربية الرابعة في أيديهم، وبدأوا يتحدثون عن حدودهم السيادية الممتدة من باب المندب إلى سواحل المتوسط، وعن ثورتهم الإسلامية التي ستعم العالم.
لم يكن الأمر محتملاً لدى السعودية ودول الخليج، وهي ترى يمناً جديداً يتشكل، وترى تدفق السفن الإيرانية محملة بالسلاح، وترقب بناء طهران لمصانع تجميع أسلحة على الحدود مع المملكة في محافظة صعدة، وتشاهد إيران تبني قوة ميليشياوية تشبه نموذج حزب الله في لبنان على الحدود الجنوبية للمملكة.
انطلقت عمليات التحالف، بشكل مفاجئ أربك تحالف الانقلاب الداخلي، وحسابات الإيرانيين على السواء. ومع انطلاق العمليات، انطلقت الآلة الإعلامية الضخمة لإيران وحلفائها في اليمن تتحدث عن «العدوان الخليجي السعودي» على اليمن، وهنا يمكن أن نسجل بعض الحقائق.
في الحرب السادسة بين الجيش اليمني والحوثيين (نهاية 2009 وبداية 2010)، دخلت القوات الجوية والبرية والبحرية السعودية المعركة ضد ميليشيا الحوثيين، وبترتيب وتنسيق كامل مع صالح، دون أن تتحدث آلة صالح الإعلامية عن «عدوان سعودي»، على اليمن. فكيف إذن أضحى التدخل السعودي في 2015 عدواناً، وقد كان في 2009 نجدة وشهامة عربية، وكيف تغدو نجدة الأمس عدوان اليوم؟
والغريب أن وسائل الإعلام التي تتحدث اليوم عن «العدوان السعودي» على اليمن، وتندد بالتدخل العربي فيه، لا تتردد في تأييد التدخل الإيراني في سوريا، وتسمي الجسر الجوي الروسي لإنقاذ نظام بشار الأسد، تسميه «الموقف الروسي المبدأي»، كما تؤيد هذه الوسائل الإعلامية ضربات التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، وتطالب بأن يكون اليمن جزءاً من الحرب الدولية على الإرهاب، دون أن تسمي كل ذلك تدخلاً خارجياً.
يطرح الحوثيون وصالح أن «العدوان» اليوم جاء ردا على محاولات اليمن الخروج على الإملاءات السعودية، وهذه نكتة حقيقية، إذ أن نظام صالح نفسه عاش كامل سنواته على المعونات السعودية، ثم إن صالح نفسه، بعد أن خرج محروقاً من تفجير جامع الرئاسة، ذهب إلى المملكة للعلاج، أما الحوثيون فقد عاش بدر الدين الحوثي في المملكة سنوات طويلة في ظل رعاية خاصة، قبل أن ينقلب عليها ويتوجه إلى طهران.
تتحدث بعض وسائل الدعاية عن أطماع سعودية في اليمن، وهذا ضرب من الخيال، لأن اليمن عاش لفترة طويلة على المساعدات السعودية والخليجية بفعل إفقار نظام الرئيس السابق لمقدرات البلاد. وهنا يمكن أن نقول إن الخوف من «نفوذ «إيران» لا الطمع في «خيرات اليمن»، هو الذي حرك الآلة العسكرية الخليجية في اذار/مارس الماضي، خاصة بعد أن تحدث الحوثيون والإيرانيون على السواء عن فتح مكة والمدينة، وغير ذلك من الأماني التي خدع الإيرانيون حلفاءهم في صنعاء بها.
لم يكن أمام اليمنيين والعرب من خيار، بعد أن تركهم صالح والحوثيون أمام الأمر الواقع، إلا اللجوء إلى القوة العسكرية، على ما فيها من خسائر مادية وبشرية.
خلاصة القول: «العدوان الخارجي» جاء نتيجة ل»العدوان الداخلي»، وتابع له، وعلى الانقلابيين وقف عدوانهم الداخلي، ليتوقف كل ما ترتب عليه.
ثم لا ننسى أن هناك قرارات دولية ملزمة، وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وعلى من يريد أن يوقف الحرب أن يتقيد بالقرارات الخاصة بهذا الشأن، وآخرها 2216، الذي لا يزال الانقلابيون يحاولون الالتفاف عليه.
لا أحد يريد الحرب، ولا أن تضرب بلاده بالطائرات، لكن أحداً لن يستطيع اقناع أبناء تعز – على سبيل المثال – أن الضربات الجوية العربية تعد عدواناً، في وقت تعيش المدينة مأساة حقيقية جراء عدوان الانقلابيين عليها.